الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

انهيار عام 1987 (الاثنين الأسود)

استمع على ساوندكلاود 🎧

الزمان: 19 أكتوبر عام 1987

المكان: الولايات المتحدة الأمريكية

كان المقدار الذي هبط فيه السوق من القمة إلى القاع: 508.32 نقطة، 22.6% (500 مليار دولار خسارة في يوم واحد فقط، أكبر نسبة هبوط ليوم واحد في التاريخ).

هذا الانهيار كان متوقعاً من قبل الجميع، إلا أنه لم يكن مبرراً بسبب تصرفات هيئة الأوراق المالية الأمريكية Securities and Exchange Commission (SEC). هذه الهيئة هي هيئة حكومية تم انشاؤها بعد الكساد الكبير بأمر من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت Franklin D. Roosevelt، بهدف منع الانهيارات والممارسات الاحتيالية التي أصابت سوق الأسهم. قامت هيئة الأوراق المالية بعمل جيد بعد الحرب، حيث تمكنت بالفعل من اقناع المستثمرين المترددين بالعودة مجدداً إلى السوق في الستينيات.

هذه الهيئة كانت قادرة على إيصال المعلومات المناسبة إلى المستثمرين، لكن للأسف لم تكن قادرة على جعلهم يفكرون بعقلانية، فلم يكن المستثمرون ينظرون إلى قيمة الشركة بل كانوا ينظرون إلى صورتها العامة والأحاديث المتداولة حولها. خلال السنوات التي سبقت الانهيار، كانت أسواق رأس المال تسجل أرباحاً عالية، حيث تجاوزت أسعار الأسهم معدل نمو الأرباح وهو ما يشير إلى أن الأسعار في السوق مقيمة بأعلى مما تستحق ((Overvalued. تدفق العديد من المستثمرين الجدد إلى السوق كصناديق التقاعد، عزز الطلب في السوق وساهم في زيادة الأسعار. إضافةً إلى ذلك فإن المعاملة الضريبية التفضيلية الممنوحة لفوائد تمويل عمليات الاستحواذ لعبت دوراً هاماً في ذلك الاتجاه الصاعد للسوق. فهذه المعاملة زادت من عدد الشركات المحتملة كهدف للاستحواذ مما رفع من قيمة أسمهما. في تلك الفترة كانت التكتلات وعمليات الاستحواذ العدوانية محط تركيز كبير من قبل وسائل الإعلام. وكانت فلسفة الأعمال السائدة تنص على أن الشركات سوف تنمو بشكل هائل وليس بشكل تدريجي، وذلك ببساطة عن طريق استحواذها على شركات أخرى.

لم تكن هيئة الأوراق المالية قادرة على وقف التكتلات والإصدارات الأولية المشبوهة من الأسهم. نتيجةً لذلك، واصل السوق صعوده بلا هوادة خلال فترة الثمانينات بأكملها. في نهاية آب عام 1987 كان مؤشر داو جونز DJI قد ارتفع بمقدار 44 نقطة خلال سبعة أشهر فقط.

في صباح الأربعاء الموافق لـ 14 أكتوبر 1987 بدأ السوق بالهبوط. ويمكننا هنا تمييز حدثين أساسيين في هذا اليوم ساهما في ذلك. أولهما الخبر الذي تداولته وكالات الأنباء حول إصدار مجلس النواب الأمريكي تشريعات تقضي بإلغاء المزايا الضريبية التي تتمتع بها فوائد تمويل الاستحواذ، مما خفض من احتمالية أن تكون شركات معينة هدفاً للاستحواذ وبالتالي انخفضت قيمة أسهمها. الحدث الآخر هو إعلان وزارة التجارة الأمريكية بأن العجز التجاري لشهر أغسطس كان أكبر مما هو متوقع. نتيجةً لذلك انخفضت قيمة الدولار الأمريكي وتوقع المستثمرون تشديد السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي ورفع أسعار الفائدة. بالتالي اتجه المستثمرون إلى الاستثمار في السندات التي أصبحت تقدم بيئة استثمارية أكثر استقراراً وهو ما زاد من الضغط الهبوطي على أسعار الأسهم. استمر السوق في هبوطه لبقية أيام الأسبوع، لينهار في يوم الاثنين الموافق لـ 19 أكتوبر 1987، والذي سمي بالاثنين الأسود.

مع افتتاح التداول في بورصة نيويورك NYSE صباح الاثنين، كان هنالك ضغط كبير جداً لأوامر البيع مع وجود فجوة كبيرة بين عدد أوامر البيع وأوامر الشراء. في ظل هذا الوضع، امتنع العديد من التجار المتخصصين في البورصة عن بدء التداول خلال الساعة الأولى. وبما أن حساب قيم مؤشرات الأسهم في السوق يتم باستخدام الأسعار الأخيرة للأسهم التي يتضمنها المؤشر، فإن وجود عدة أسهم متوقفة عن التداول جعل قيمة هذه المؤشرات أعلى مما سيكون عليه الحال لولا ذلك.

من الناحية الأخرى، تم افتتاح سوق المستقبليات في موعده مع وجود ضغط كبير للبيع وانخفاض في الأسعار. إن ثبات الأسعار في السوق الآني نتيجة توقف التداول والانخفاض الكبير في الأسعار في السوق المستقبلي خلق فجوة بين أسعار مؤشرات الأسهم في السوق المستقبلي والسوق الآني. بالتأكيد سوف يسعى المستثمرون إلى الاستفادة من هذه الفجوة من خلال ما يعرف باستراتيجية ((Index Arbitrage، وذلك من خلال قيامهم بالشراء من السوق المستقبلي والبيع في السوق الآني بسعر السوق (Sell-at-Market).

عندما افتتح التداول على الأسهم أخيراً، تلاشت هذه الفجوة واكتشف المستثمرون الذين كانوا قد أصدروا أوامر بيع بسعر السوق بأنهم باعوا أسهمهم بأسعار تقل بكثير عما كانوا يتوقعون. بدأت حالة ذعر القطيع وأغرق المستثمرون السوق بأوامر البيع مما أرهق أنظمة الحواسيب في البورصة، وأدى إلى بطء وتخلف السوق ككل. على سبيل المثال كان التبليغ عن تنفيذ الصفقة يستغرق أكثر من نصف ساعة مما جعل المستثمرين غارقين في الظلام دون معرفة مقدار خسائرهم، أو فيما إذا كان تنفيذ أوامر بيع أسهمهم سيتم بسرعة كافية لتفادي انهيار الأسعار. تراجع مؤشر داو جونز DJI بمقدار 508.32 نقطة (22.6%)، وتبخرت 500 مليار دولار. لحسن الحظ، كان الرئيس الجديد للاحتياطي الفدرالي آلان غرينسبان Alan) Greenspan) موجوداً للمساعدة في منع الكساد من خلال منع إفلاس البنوك التجارية وبنوك الاستثمار. في النهاية، تعافى السوق وتم ادخال بعض التحسينات المتواضعة.

إضافةً إلى شدتها وسرعتها والحجم الكبير للخسائر التي رافقتها، فإن أهمية هذه الأزمة تنبع من إظهارها لضعف أنظمة التداول في البورصة، وكيف أنها شارفت على الانهيار نتيجة اضطراب السوق وحجوم التداول الهائلة، حيث لم تكن قادرة على معالجة الكم الكبير من المعاملات المالية في وقت واحد، وهو ما جعل الأزمة أسوأ بكثير. نتيجةً لذلك تم إدخال آلية قطع التداول circuit breaker، وهي آلية لوقف التداول مؤقتاً في حال انخفاض الأسعار دون مستوى معين. وفقاُ للقواعد الحالية في بورصة نيويورك NYSE يتم إيقاف التداول مؤقتاً عند انخفاض مؤشر ستاندرد أن بورز S&P 500 بمقدار 7%، 13% و20%، من أجل تزويد المستثمرين بالوقت اللازم لتحليل المعلومات الجديدة واتخاذ خيارات مدروسة في الحالات التي يشهد بها السوق تقلبات كبيرة.

المصادر

هنا

هنا