الهندسة والآليات > كيف تعمل الأشياء
كيف يعمل المفاعل النووي ؟
عزيزي القارئ، ماذا يتبادر إلى ذهنك حين تطرق سمعُك كلمة (تشيرنوبل)؟
مُعظمُنا بمجردِ سماعِ هذه الكلمة المشؤومة تتبادرُ إلى ذهنِه تلك الكارثةُ التي حلت بالبشرية في يومٍ من الأيام أو تتراءى أمامه صورٌ من المخلوقاتِ المشوهة والخرابِ والدمار الذي نتجَ من احتراقِ محطة نشيرنوبل النووية.
في هذا المقال سنتعرفُ على آليةِ عملِ هذه المحطات، وكيف تقومُ بوظيفتها ( تحويل الطاقة النووية إلى كهرباء). لذلك عزيزي القارئ اِرْتَدِ بذلتك الواقية وانطلق معنا إلى قلب المفاعل النووي.
بدايةً نود أن نوضح الفرق بين توليد الطاقة الكهربائية بواسطة محطات الوقود الأحفوري وتوليدها بواسطة محطات المفاعلات النووية.
في الواقع إن كلا المحطتين تولدان الطاقة الكهربائية باتباع نفس الطريقة؛ حيث يتم تسخين الماء وتحويله إلى بخار ذي ضغط عالٍ، ومن ثم تمريره عبر توربينات تقوم بتحويل طاقته الحرارية إلى حركية، وثم تقوم المولدات بتحويل تلك الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية يتم الاستفادة منها في مختلف المجالات. إذن ما الفرق بين المحطتين؟!
إن الفرق الجوهري يكمن في كيفية تسخين المياه وتحويلها إلى بخار ذي ضغط مرتفع.
ففي محطات الوقود الأحفوري يتم تسخين الماء عن طريق عملية الاحتراق، بينما في محطات المفاعلات النووية يتم انتاج الحرارة اللازمة لتسخين الماء بواسطة عملية الانشطار النووي للذرات الثقيلة. حيث أنه خلال عملية الانشطار هذه تنقسم الذرة مطلقةً كماً هائلاً من الطاقة مصحوباً ببعض الإشعاعات، ويتم استخدام هذه الطاقة الهائلة في تسخين المياه. إن أكثر العناصر المستخدمة في المفاعلات النووية هو عنصر اليورانيوم المخصب، وذلك لنشاطه الإشعاعي وسهولة شطر نواته لاستخراج تلك الطاقة النووية الهائلة.
يتم إنتاج اليورانيوم المخصب عن طريق اليورانيوم الطبيعي، حيث يتم تقسيمه على شكل اسطوانات لا يتعدى طولها الإنش الواحد، ثم يتم ترتيبها في قضبان ليتم تجميعها في شكل حزم. إن هذه الحزم يتم تجميعها سوية لتكون "قضبان الوقود أو وحدة الوقود" في المفاعل النووي.
قبل الدخول إلى قلب المفاعل النووي، يجب أن نتعرف على كيفية حث اليورانيوم على الانشطار في قضبان الوقود.
حيث أنه عندما تصطدم ذرة اليورانيوم المخصب الغير مستقرة بـ نيوترون حراري، فإنها تنشطر إلى قسمين مطلقةً طاقةً هائلةً وبعض النيوترونات الحرة و التي تتحول أيضاً إلى نيوترونات حرارية، وتصطدم بدورها بذرات يورانيوم أخرى في قضبان الوقود حيث تقوم بشطرها لتنشأ تفاعلات متسلسلة تتوالى فيها الاصطدامات والانشطارات وإنتاج الطاقة. [2]
بعد أن فهمنا آلية الانشطار النووي، محطتنا التالية هي قلب المفاعل، وهو المكان الذي تتم فيه عملية الانشطار تلك، ويتكون من ثلاث عناصر أساسية:
1-قضبان الوقود أو وحدة الوقود: وهي حزم من اليورانيوم المخصب والجاهزة للانشطار النووي.
2-الوسيط (moderator): وهو مادة تُغمر فيها قضبان الوقود حيث يتم هدر جزء كبير من طاقة النيوترونات الناتجة من الانشطار عن طريق اصطدامها بجزيئات هذه المادة و تحويلها إلى نيوترونات حرارية؛ ليتم بذلك التحكم في الطاقة الناتجة واستمرار التفاعلات النووية. وعادةً ما يتم استخدام الماء أو الجرافيت للقيام بهذا الدور.
3-قضبان التحكم: وهي وسيلة إضافية لمزيد من التحكم في التفاعلات المتسلسلة في عملية الانشطار النووي، فأعمدة التحكم هذه تكون غالباً من البورون أو الكادميوم؛ لتمتص النيوترونات الطليقة فتقلل من عملية الانشطار. لذلك يتم غمرها جزئياً مع قضبان الوقود في قلب المفاعل لتقلل من معدل الانشطار، أو يتم رفعها جزئياً حسب معدل الانشطار النووي المطلوب. ويتم إيقاف المفاعل النووي تماماً عند ما يتم غمرها بالكامل مع قضبان الوقود. [3]
ها نحن الآن نغادر قلب المفاعل النووي، ولكن لا تخلع بذلتك بعد يا صديقي، فنحن لا نزال داخل البناء الواقي والذي يوضع بداخله المفاعل النووي. إن هذا البناء يتكون من الحديد الصلب الذي يمنع تسريبات الغاز أو السوائل من الخروج، ويتم تدعيمه ببطانة خرسانية تعمل كدرع واقي من انبعاث الإشعاعات للخارج.
سنخرج الآن من هذا البناء ليتسنى لك خلع اللباس الواقي والتعرف معنا على طرق إنتاج البخار في محطات المفاعلات النووية. بعد أن قام المفاعل النووي مشكوراً بإنتاج الطاقة الحرارية اللازمة لتسخين الماء، يتم إنتاج البخار مرتفع الضغط بإحدى طريقتين:
1-مفاعل الماء المغلي (The Boiling Water Reactor): وهنا يتم تسخين الماء الذي تم غمر قضبان الوقود فيه ويتحول مباشرة إلى بخار يتابع طريقه نحو التوربينات.
2-مفاعل الماء المضغوط (The Pressurized Water Reactor): أما هنا فيتم تسخين الماء المحيط بقضبان الوقود أيضاً ولكن يتم رفع ضغطه كي لا يتبخر (حيث أنه من المعروف أنه كلما زاد ضغط الماء كلما ارتفعت درجة الحرارة التي يتبخر عندها)، ثم يتم تمرير هذا الماء الساخن جداً إلى خزانات تحتوي على ماء منفصل –في درجة ضغط عادية-حيث يتم تبادل الحرارة العالية مع الماء الموجود في تلك الخزانات ليتبخر ويتجه نحو التوربينات، ويعود الماء المضغوط بعد أن خسر حرارته إلى قلب المفاعل مرة أخرى في دورة مغلقة [4]. إن ما يميز مفاعل الماء المضغوط هو تقليل الأجهزة المعرضة للماء المشع والقادم من قلب المفاعل النووي، حيث أن المواد المعرضة للإشعاع لا تعود لطبيعتها إلا بعد عقود أو قرون من الزمن.
بعد أن أنهينا رحلتنا داخل محطة المفاعل النووي لتوليد الكهرباء، نود أن نخبرك –عزيزي القارئ- أن السبب في تواجد هذه المحطات هو مقدار الطاقة الكهربائية الهائلة التي يمكن إنتاجها منها، فـ كيلو جرام واحد من وقودها ينتج طاقة أكثر بمليون مرة من الكيلوجرام المناظر لأي وقود أحفوري آخر، بالإضافة لكونها لا تعتمد على ارتفاع أو انخفاض سوق النفط، كما أنها لا تنتج مواد مؤكسدة لأنها لا تحتاج لعملية الاحتراق أصلاً.
في المرة القادمة التي تسمع فيها كلمة "تشيرنوبل" عزيزي القارئ، تذكر رحلتك معنا إلى داخل المفاعل النووي، وتأمل كيف يمكن للطاقة النووية أن تكون سلاحاً ذا حدين.
المصادر:
[1] هنا
[2] هنا
[3] هنا
[4] هنا