البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية
الآمال المتعلّقة بدور الميكرو- رنا في التشخيص المُبكّر لتسمّم الحمل
ما التسمم الحملي؟
تسممُ الحملِ (Preeclampsia) اسمٌ يُطلقُ على متلازمةٍ مرتبطةٍ بالحمل، تُصادَف في 2-5% من حالاتِ الحمل وتكونُ لها تأثيراتٌ سلبيةٌ على الأم وجنينِها، فأحياناً تستدعي إحداثَ الولادةِ المبَكِّرة، وفي حالاتٍ أخرى يُمكن أن تؤدّيَ إلى وفاةِ الأم أو الجنين. لا تزالُ أسبابُ تسمّم الحملِ مجهولةً حتى الآن، إذ يَعتقد البعضُ أنّ المصدرَ مناعيٌّ، بينما يعتقدُ البعضُ الآخر أنّ السببَ عضويّ (نقص تروية المشيمة)، ويُمكن أن يكمُنَ السببُ في التهابٍ أو خللٍ وراثي، وما زال النقاشُ والبحثُ في الأسباب مستمراً. ولكن للأسف لم يتم إيجادُ علاجٍ آمنٍ وفعّالٍ حتى الآن، كما تنقصُنا أساليبُ تشخيص مبكّر دقيقةٌ وحساسة.
أصبح التنبّؤ الدقيقُ باحتمال حدوث تسمّم الحمل عند المرأة الآن من التحدّياتِ الرئيسيةِ في مجال التوليد المُعاصِر، وذلك لأنَّ إمكانيةَ التقدير المبكّر لاحتمال إصابة المرأة بتسمّم الحمل أثناء الأشهر الأخيرة من حملها - سيسمحُ بزيادة المراقبة والتدابير الوقائية لها. ومن هذه التدابيرِ تناولُ جرعاتٍ منخفضةٍ من الأسبرين، إذ أشارت دراسةٌ حديثةٌ إلى أنّ تناولَ الأسبرين قبل الحمل بـ 16 أسبوعاً يقلّل احتمالَ حدوثِ تسمّم الحمل بنسبة 89%.
يعملُ الباحثون في الوقتِ الراهن على إيجادِ لوغاريتم يضمّ صفاتِ المرأةِ الحاملِ والمؤشراتِ الفيزيائيةِ والكيميائيةِ المدروسة خلال ثلاثة الأشهر الأولى من الحمل. إذ إنَّ مجموعَ هذه المتغيّرات سيساعدُ الأطبّاءَ على كشفِ خطرِ الإصابةِ بتسمّم الحملِ عندما تصلُ المرأةُ الحاملُ إلى فترة الأشهر الأخيرة من حملها.
أثبتت دراساتٌ مختلفةٌ أهميّةَ مؤشّر الضَّغط الدّموي والرّحمي، وعلاوةً على ذلك، حُدِّدَت مجموعةٌ ضخمةٌ من المؤشّرات البيوكيميائية (مثل: منتجاتُ الجنين والمشيمة، وعلاماتُ التلف الكُلَوي أوالبطاني، وعلاماتُ الأكسدة وغيرُها) ولكنَّ جميعَ هذه الدّلائل تبقى غيرَ مُؤَكّدةٍ حتّى الآن.
دور الرنا الأصغري (miRNAs) :
من بين المؤشّرات التي لفتت انتباه الباحثين هي جزيئات الرنا الأصغري (miRNAs)، وهي عبارةٌ عن جزيئات من الرنا الصغيرة غيرِ المُرمِّزة (small non-coding RNAs)، يتراوحُ طولها بين 19 إلى 25 نوكليوتيد. عُثِرَ عليها في أغلب السوائلِ خارجِ الخُلَوية وخصوصاً ضمن المصل والبلازما، هذا وتتمتّعُ الجزيئاتُ الدورانيةُ (الموجودةُ في مجرى دوران الدم) بثباتٍ عالٍ إذ تقاوم أنزيماتِ الريبونوكلياز ولا تتأثر بها.
ونظراً لهذه الخصائصِ تمّ التفكيرُ في جزيئاتِ الرنا الأصغري الدورانية كمؤشّرٍ حيوي يُمكن استخدامُه في دراسةِ وتشخيصِ السرطان والاضطراباتِ القلبية والأمراضِ الفيروسية والأمراضِ المناعية المختلفة.
تستطيعُ جزيئات الرنا الأصغري أن تؤثّرَ على العملياتِ الفيزيولوجيةِ الطبيعيةِ والمَرَضيةِ كعمليات التمايز والنمو الخُلَوي، والموتِ المُبَرمَج للخلايا، وعملياتِ تشكّلِ الأوعيةِ الدمويةِ، والالتهابات، وذلك من خلال تثبيط ترجمة الرنا (RNA) إلى بروتين أو تحفيز تخرُّبِها. كما أثبتت دراساتٌ جديدةٌ دورَ الرنا الأصغري في التواصل بين الخلايا. علاوةً على ذلك، يعتقد بعضُ الباحثين بوجد علاقةٍ بين الخلل في التعبير عن الرنا الأصغري ومضاعفاتِ الحمل كمتلازمة تسمّم الحمل.
اهتمّت العديدُ من الدراساتِ بتحديدِ التعبيرِ عن الرنا الأصغري ضمنَ أنسجةِ المشيمةِ باستخدامِ أساليبَ تقليديةٍ مثل تفاعلِ البوليميراز المتسلسل (PCR) وأساليبَ حديثةٍ مثل (microarray) وقد نجحوا في تحديد مورثّاتٍ تعبّرُ عن نفسها على نحو مختلفٍ في مشيمة النساءِ اللاتي يعانين من تسمّم الحمل.
وحُددت نتيجةً لذلك تغيراتٌ في مستوياتِ الرنا الأصغري الدوراني في دم النساءِ الحوامل، إذ استطاعَ العالِمُ (Wu) تحديد 13 من الرنا الأصغري الذي يزدادُ التعبيرُ عنه عند النساء المصابات بتسممِ الحمل وهنّ في ثلاثةِ الأشهر الأخيرةِ من الحمل، ونوعين ينخفضُ التعبير عنهما مقارنةً بحالاتِ الحمل الطبيعية. أظهرت نتائجُ دراسةٍ أخرى استُخدِمَت فيها تقنيّة الجيل المُقبِل من السَّلسَلة (next-generation sequencing NGS) وجودَ 22 نوعاً من الرنا الأصغري الذي يختلُّ تنظيمُه في مصلِ النساء المصابات بتسمّم الحمل مقارنةً مع النساء الطبيعيات وغيرِ الحوامل.
دراسة حديثة:
لم تُجرَ حتى الآن أيّةُ دراسةٍ لتقييم الرنا الأصغري الدوراني في مصل الأم خلال ثلاثةِ الأشهرِ الأولى من الحمل. لذلك قام فريق من الباحثين بإدارة Ana Luque وAbduljalil Farwati بدراسةٍ هدفُها استكشاف قُدرةِ الرنا الأصغري على التّشخيص المبكّر لتسمّم الحمل.
مبدأ الدراسة وتصميمُها:
درسَ الباحثون أمصالاً مأخوذةً من 31 امرأةً حاملاً في ثلاثة الأشهرِ الأولى ممّن يُعانَينَ أعراضَ تسمّمِ الحمل، وأمصالاً مأخوذةً من 44 امرأةً حملُها طبيعي عُدّت مجموعةً شاهدة.
تمّ انتقاءُ النساء بحيثُ يكنَّ ذوتَ أعمارٍ متقاربة، وقام الباحثون بمقايسة 754 نوعٍ من الرنا الأصغري الدوراني ضمن خليطٍ من العينات، بدلاً من قياسها في كلِّ عيّنة على حِدَةٍ، وذلك لزيادة دقّةِ وصحّةِ الاختبار. أظهرتِ النتائجُ وجودَ 63 نوعاً من الرنا الأصغري في خليط الأمصال المأخوذةِ من الحوامل الطبيعية وكذلك من الحواملِ المُصابة. كما وجدوا 15 نوعاً من الرنا الأصغري الدوراني الذي يُعبّرُ عنه على نحوٍ مختلفٍ بين العيناتِ الطبيعية والمَرَضية، لكنَّ هذا الاختلافَ لم يكن ذا دلالةٍ إحصائيةٍ موثوقة.
تضمّنت المرحلة التالية من البحث التحقّقَ من النتائجِ المتعلّقةِ بـ سبعةِ أنواعٍ من الرنا الأصغري الأكثر اختلافاً في وجودِها بين العيّناتِ الطبيعيةِ والمَرَضية. إذ ازدادَ التعبيرُ عن الأنواع (miR-192، -143 and -125b)، بينما انخفض التعبير عن الأنواع (miR-127، -942، -126 and -221).
أُعيدَ قياس مستويات هذه الأنواع باستخدام تقنية Real time pcr(RT-qPCR) وهي تقنية تسمح بتحديد مستويات التعبير الجيني من خلال تفاعل PCR.
النتيجة :
لم يُحدَّد أيُّ اختلافٍ ملحوظٍ في تعبير أنواعِ الرنا الأصغري السَّبعِ في العيناتِ الطبيعيةِ والعينات المأخوذة من الحواملِ المصاباتِ بتسمّم الحمل، ونتيجةً لهذه الدراسة لا يُمكنُ اعتمادُ مستوياتِ التعبير عن جزيئاتِ الرنا الأصغري مؤشّراً دلالياً مفيداً للتنبّؤ المبكّر باحتمالِ حدوث تسمّم الحمل.
كان هذا البحثُ محصوراً بعددٍ قليل نسبياً من العيّناتِ المدروسة، كما اقتصرَ على سكّانِ البحر الأبيضِ المتوسّط، لذلك لا يستطيعُ الباحثون استبعادَ احتمالِ تغيّر النتائجِ في حال أُجريَ البحثُ على تجمّعاتٍ بشريةٍ أخرى وعلى عددٍ أكبرَ من العيّنات.
يتابعُ الباحثون حالياً محاولاتِهم في إيجاد وتطويرِ أسلوبِ تشخيصٍ آمنٍ وفعّالٍ يسمحُ بكشفِ خطرِ تطوّرِ تسمّمِ الحملِ عند النساءِ الحواملِ في بدايةِ الحملِ لاتّخاذِ التدابير الوقائية اللازمة.
المصادر: