الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة
الزراعة العضوية ترتقي بالبيئة والاقتصاد. تجربة رائدة من الهند – سيكيم.
ازدهرت الزراعةُ العضوية في بعض أنحاء العالم بفضلِ الجهود المبذولة من خلال إلهامِ الناس وتوجيهِهم نحو بناء أفضل العلاقات ما بين الأرض والانسان. وخلالَ العقدين السابقين، ظهرَ بشكلٍ واضحٍ توجهٌ فعلي من قبل المجتمع العالمي نحو الحفاظِ على البيئة والتأكيد على تحسين نوعية الغذاء. حيث أخذ المبادرون المتحمسون بعين الاعتبار أن الزراعة العضوية يمكنُ أن تصبح الأداة المثالية التي من شأنها تكريس التنمية في المناطق الريفية. حيث يعود النجاح النسبي للزراعة العضوية في بعض البلدان إلى إدراك المشاكل الصحّية المتعلقة باستهلاك الأغذية الملوثة، والأمراض الناتجة عن المشاكل البيئية، وتوفُّر الدعم المناسب من الحكومات والمنظمات.
ما الذي تتضمنه مبادئ ممارسة الزراعة العضوية؟
• استخدامُ المواد الكيميائية الضارة لإبعاد الحشرات محرَّم، وعلى خلاف الزراعةِ المعتَمِدة على المواد الكيميائية تَعتمدُ الزراعة العضوية على الطرق الطبيعية التي لا تُسبب أي ضررٍ على المستهلك أو البيئة.
• ليتمَّ تصنيفُ المنتج الزراعي كمنتجٍ عضوي، يجبُ التحقق من كاملِ العملية الإنتاجية، وبما أن صناعة الأغذية العضوية عالمياً مضبوطة، فهذا يعني أن الوسائل المستخدمة في الزراعة العضوية موحَّدة عالمياً أينما وُجدت أو طُبّقت.
• تُعتبر الخضراوات والفواكه المُنتَجَة عضوياً ذاتَ مذاقٍ ومواصفاتٍ شكلية أفضل، وهذا عائدٌ إلى أخذ المنتج الزراعي الوقتَ الكافي واللازم لينموَ بشكلٍ طبيعي على عكسِ المنتجات الصناعية المدعومة بالمحفزات الكيميائية.
• تُوَفِّرُ الزراعةُ العضوية على المزارعين الكثيرَ من المال المستخدم خلال عملية الأنتاج، فهم ليسوا بحاجة لشراء المواد الكيميائية الباهظة.
• في الزراعة المعتمدة على المواد الكيميائية تتسرَّبُ المواد الكيميائية إلى كل من التربةِ والمياهِ مسببةً تلوثها، مما يؤثر وبشكل سلبي على كل من الإنسان والحيوان والنبات. على عكس الزراعة العضوية التي لا تدخل في مراحلها أية مادة كيميائية، وبالتالي تُعدُّ أحدَ الوسائلِ الداعمة للبيئة.
تجربة سيكيم:
سنقوم بتسليط الضوء فيما يلي على تجربة الولاية الهندية سيكيم التي قدمت مثالاً يحتذى في تطبيق مبادئ الزراعة العضوية ونالت بذلك الاهتمامَ العالمي وحصدت نتائجَ اقتصاديةً مهمة.
تقع سيكيم في شمال شرق الهند على المنحدراتِ الجنوبية لجبال الهيمالايا بين كل من نيبال، التبت، وبوتان. ويُعتبرُ المجتمعُ في سيكيم زراعياً وبدأتْ رحلتهُ مع الزراعة العضوية منذ عقودٍ أما رسمياً فقد أصدَرَت الحكومة مرسوماً تشريعياً في العام 2003 ينص على تحويل سيكيم إلى مقاطعةٍ تعتمد الزراعة العضوية.
التَزَمَتْ سيكيم دليلاً مُعتَمَداً من قبل البرنامج العالمي للإنتاج العضوي وتم بناءً عليه تحويلُ نحو 75000 هكتار من الأراضي إلى أراضٍ مرخّصةٍ للزراعة العضوية. وقد ساهمت الحكومة في توجيه فلاحي سيكيم إلى التطبيقات العضوية من خلال منع استخدام المُدخَلَات الكيميائية كالأسمدة والمبيدات الصناعية. ساعدَ هذا على صون التوازن المتناغم بين النظم البيئية المتنوعة في مقاطعة سيكيم ومنه تحسينُ نوعية التربة الذي أدى بدوره إلى تحسين معايير إنتاج المحاصيل هناك.
ويُعدُّ التحسنُ الكبير في القطاع السياحي وبالأخص السياحة الزراعية أحدَ أهمِّ الفوائدِ التي عادت على سيكيم بالنفع من خلال استخدام الزراعة العضوية، وباتت السياحةُ أحدَ أهمِّ المصادر الداعمة للشعب في سيكيم، وبِفَضلِ الزِّراعة العضوية أصبَحَت الهندُ من بين الوجهات السياحيَّةِ العشر الأولى عالمياً. حيثُ ازدهرت الصناعة السياحية في الهند بمعدلِ 10% أي مرَّتين ونِصف أكثرَ من المعدَّل العالمي والذي يُقَدَّرُ بـ 4% سنوياً. وهذا عائدٌ بشكلٍ مباشرٍ إلى تقديم مفهوم السياحة الزراعية خلالَ العقد الأخير والذي قدَّم خدمات جليلةً للقطاع الزراعي والبيئي وسوقِ العمل والقطاعات الخدمية كالمطاعم والفنادق.
كلمةٌ أخيرة:
من المفيد لنا أن نأخذ العِبَرَ من تجاربَ مشابِهة، فقد يكون الرِّبحُ السريعُ دافعاً لدى الإنسان للتوجُّه إلى الاستخدام المفرط للأسمدة والمبيدات والمواد الكيميائية المتنوعة في القطاع الزراعي وقد تتحققُ غايته على المدى القصير أو المتوسط، إلا أن ذلك يُراكم الضرر والملوثات في التربة والمياه مما يجعل الأرضَ الزراعية تفقد قدرتها شيئاً فشيئاً على دعمٍ الانتاج الغذائي، وسيكونُ الإصلاح حينها أمراً بالغ الصعوبة، بل ومستحيلاً في حالاتٍ كثيرة. ومن هنا تنبُعُ ضرورةُ الالتفاتِ إلى التطبيقِ العملي لمفهوم الاستدامة في القطاع الزراعي، وجميع النشاطات البشرية المؤثرة.
المصادر: