الطب > مقالات طبية
Synesthesia
ما هو طعم اللون الأخضر؟ وما هو لون يوم السبت؟ وهل لون الطعم المالح أصفر؟ وما هو صوت الطعم الحلو؟ وما هو شكل الشهر الثاني؟ وما هو صوت الرقم ستة؟!
رغم غرابة هذه المقدمة، إلا أنها ليست تشابيه لغوية، بل هي عبارةٌ عن حالةٍ "طبيةٍ" حقيقةٍ غايةٍ في الغرابة، سنعرف عنها أكثر في هذا المقال:
كلمة synesthesia هي كلمةٌ مشتقةٌ من اللاتينية والتي تعني " الحواسُ مع بعضها" وبتفصيلٍ أكثر syn التي تعني "معاً" وesthesia التي تعني "الإحساس"، ولنمشي خطوةً إلى الأمام، فسنعرّف هذه الحالة بأنها تلقي تنبيهٍ ما عن طريق إحدى الحواس (كرؤيةِ شيءٍ أو سماع صوتٍ) مما يؤدي إلى تفعيل حاسةٍ أخرى لا علاقة لها بالأولى وكمثال على ذلك: فإن رؤية الرقم 6 تؤدي إلى سماع صوت عصفور وصوت الحصان يؤدي إلى رؤية اللون الأصفر وحرف Q يؤدي إلى رؤية رجلٍ يرتدي الأسود ويخطط لعملٍ ما، أو أي مثالٍ آخر كالذي ذكرناه في المقدمة.
تتميز الـ Synesthesia بمجموعةٍ من الصفات، فهي في المقام الأول لا إرادية، أي أن الشخص الذي يتمتع بهذه الحالة لا يستطيع أن يقرر سماع صوت العصفور عندما يرى الرقم 6، فهو يسمع الصوت كلما رأى الرقم 6 بشكلٍ خارجٍ عن إرادته، ومن صفات هذه الحالة أيضاً أنها مستقرةٌ وثابتةٌ، هذا يعني أن هذا الشخص المذكور، يسمع صوت العصفور في كل مرةٍ يرى فيها الرقم 6، وبشكلٍ عام فقد أبدى المتمتعون بحالة الـ Synesthesia ثباتاً في الارتباط ما بين الحواس ( أي الحاسة التي يتم تنبيهها وهي في هذا المثال الرقم 6 والحاسة التي تتنبه نتيجةً لذلك وهي في هذا المثال صوت العصفور) بنسبة 70-100% وذلك خلال فترةٍ طويلةٍ قد تصل لأعوام عدة.
ولتفادي اللبس في فهم ذلك، فالثبات في الارتباط الذي تتصف به هذه الحالة لا يعني أن كل من يرى الرقم 6 يسمع صوت عصفور، بل هذا الأمر يخص كل شخصٍ لديه حالةSynesthesia فالرقم 6 قد يرتبط مع صوت عصفورٍ أو سيارةٍ أو الطعم الحلو أو أي شيءٍ آخر.
والرقم "6" مختلفٌ عن "ستة" فكلٌ منهما له حاسةٌ وتنبيهٌ معينٌ يشكله.
السيدة Ingrid Carey تتمتع بالـ Synesthesia، وألوان الأحرف والأرقام الموجودة فيها مطابقة للألوان التي تراها عندما ترى هذه الأحرف أو الأرقام
كم نوعاً يوجد للـ Synesthesia؟
الإجابة المختصرة: متعددةٌ بتعدد المتمتعين بالـ Synesthesia ومع ذلك فقد قام بعض العلماء بتقسيمها إلى 35 نوع تقريباً مثل taste-hearing Synesthesia (أي التي يؤدي فيها سماع صوتٍ إلى الشعور بطعمٍ معين) وsound-touch Synesthesia (أي أن لمس شيءٍ يؤدي إلى سماع صوت). ومع ذلك فبعض الأنواع أشيع من غيرها مثل color-graphemic (رؤية شكل يؤدي إلى رؤية لون) ويمكننا حتى أن نجد تنوعاً ضمن النوع الواحد، فعندما تعمل الحاسة الثانية نتيجة تنبيه الأولى (أي رؤية اللون نتيجة رؤية رقم) فإن رؤية هذا اللون قد تكون "في الذهن أو العقل" أو قد تكون رؤيةً مباشرةً بالعين فيحس الشخص عندها وكأن شاشةً خفية أمامه تعرض لوناً معيناً، وللحصول على تفاصيل أكثر، فهناك من يرى أموراً بسيطةً كلونٍ واحد، وهناك من يرى أشكالاً معقدة.
ما مقدار انتشار هذه الحالة؟
ليس لدينا للأسف إحصاءاتٌ دقيقةٌ عن الأمر، قد تكون حالةً لكل 100 ألف شخص أو حالةً لكل 5000 شخص، وهي شائعةٌ لدى الإناث أكثر من الذكور بنسبة 2:1 وتنتشر في العائلات (أي هناك فرصة أكبر لوجود هذه الحالة لدى شخص ما مع وجودها لدى فرد آخر في العائلة) مما يشير إلى احتمال وجود مؤهباتٍ جينيةٍ (مورثيةٍ) لها.
والسبب الذي يمنعنا من الحصول على إحصاءاتٍ دقيقةٍ هو عدم إدراك المتمتعين بالـ Synesthesia لحالتهم هذه، ولتتضح الصورة أكثر، فلنتخيل مرض الإسهال على سبيل المثال أو سرطان الجلد أو التهاب القولون، إن من يعاني من هذه الأمراض سيعاني غالباً من أعراض تدفع المصابين معظمهم أو جميعهم إلى الذهاب إلى الطبيب، وبهذا يتمكن الأطباء من القيام بإحصاءاتٍ تشمل الأسباب المتوقعة للمرض وعلاقته بالعمر والجنس والعرق ونمط الغذاء وما إلى ذلك، أما من يملكون الـ Synesthesia فهم يعيشون الحالة تلك منذ صغرهم وقد يعتقدون أن هذا الوضع طبيعي، أو أنهم يخشون الإفصاح عن حالتهم كي لا يوصفوا بالمبالغة أو التخيل أو الكذب أو حتى الجنون، ولذلك فإنهم لا يذهبون إلى الطبيب إلا عندما يقرؤون مقالةً علميةً عن الموضوع أو يشاهدون برنامجاً عنه، وهذا ما يُفسر سبب كون معظم من تجرى حولهم الدراسات هم من الأشخاص المثقفين والمتعلمين.
هل الـ Synesthesia مرض؟
ببساطة لا، وإن كانت تُعتبر كذلك سابقاً، وهذا سبب استعمال ألفاظ معينة في المقال من قبيل "المتمتعين بالـ Synesthesia" أو "من يملك الـ Synesthesia" ولذلك وُضِعت كلمة "طبية" في بداية المقال بين مقتبستين، فالمتمتعون بالـ synesthesia أو الـ "synesthetes" يعطون نتائج سلبية* في اختبارات الأمراض النفسية كالهوس والفصام والتوهم، وهم أيضاً يبلون جيداً في اختبارات الذكاء حتى أنهم قد يتفوقون في بعضها، وهم أفضل في حفظ الأرقام وكلمات السر وما شابهها مقارنةً بغيرهم من الناس العاديين.
ما هو الفرق بين الـ Synesthesia والهلوسة الناتجة عن بعض الأدوية؟
إن من يتعاطى الـ LSD وهو دواءٌ مهلس**-يشعر بما يشعر به من يتمتع بالـ Synesthesia، لكن ذلك ينتهي بانتهاء مفعول الدواء على عكس الـ Synesthesia التي تستمر مدى الحياة، وكذلك الحال بالنسبة لظاهرة "الطرف الشبح" أو phantom limb*** التي تظهر بعد بتر أو قطع أحد الأطراف (فهذه الحالة لا تبدأ مع الولادة كالـ Synesthesia بل تتشكل بعد أن ينقطع أحد أطراف الجسم حيث يشعر المريض وكأن هذا الطرف مازال موجوداً).
ما هو التفسير العلمي الذي يقف وراء الـ Synesthesia:
إن الصعوبةً في جمع البيانات والمعلومات الإحصائية تقف عائقاً في طريق الوصول إلى تفسيرٍ علمي لهذه الحالة.
ومع ذلك، فإن لدى العلماء بعض الأفكار والفرضيات التي قد تشرح أكثر عن الـ Synesthesia.
الافتراض الأول يقول بتشكل وصلاتٍ عصبيةٍ تصل الحواس التي تكون مفصولةً عن بعضها بشكلٍ طبيعي، مما يؤدي إلى الـ Synesthesia.
دراسةٌ أخرى قام بها الدكتور Daphne Maurer و Catherine Mondloch في جامعة Ontario في كندا، خلاصتها أن الأطفال كلهم يولدون متمتعين بالـ Synesthesia وعندما يكتمل نمو الدماغ فإن الوصلات العصبية بين الحواس المختلفة تنقطع (لكنها لا تنقطع عند المتمتعين بالـ Synesthesia).
وحقيقةً، فلا يمكننا الجزم بشكلٍ حازمٍ في سبب هذه الحالة، لأننا لا نملك طرقاً لتصوير الاتصالات العصبية في الدماغ أثناء تغيرها خلال الحياة، وإلى أن نملكها ونطور الطرق الموجودة كالـ fMRI (أي functioning Magnetic Resonance Imaging التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي) عندها يمكن أن نكون صورةً أوضح للآلية العلمية للـ Synesthesia وحتى أن هذه الحالة قد تمكننا من فهم آلية تشكل الوصلات العصبية في الأشخاص العاديين.
هل تؤثر الـ Synesthesia على سير الحياة؟
قد يبدو للبعض أن الـ Synesthesia ستربك سير الحياة ككل، لأن حياة المتمتعين بها ستكون مليئةً بالأشكال والألوان والصور التي لا علاقة لها بالمنبهات الأصلية، لكن الواقع مخالف لذلك، فالمتمتعون بهذه الحالة، يجدون حياتهم ممتعةٌ كما هي ولا يريدون تغييرها، فوضعهم هذا يعيشونه منذ أن ولدوا وبالتالي يرون فيه السواء الطبيعي، حتى أنهم قد يشفقون على غيرهم من الناس العاديين!
الحاشية:
*النتيجة السلبية: النتيجة السلبية في الطب تعني غياب الأمر الذي نبحث عنه، أي أن النتيجة السلبية في اختبار الكشف عن السرطان تعني عدم وجود السرطان والنتيجة الإيجابية تعني وجود السرطان (ولذلك يقول البعض مازحين، أن المستشفى هو المكان الوحيد الذي تحمل فيه كلمة "سلبية" معنىً إيجابياً).
** الهلوسة Hallucination: هي اضطراب شديد في إحساس المرضى بالعالم الحقيقي المحيط بهم كسماع أصواتٍ لا وجود لها، أو رؤية أشياء غير موجودة.
*** الطرف الشبح phantom limb: ظاهرة تحدث بعد قطع أحد الأطراف، حيث يشعر المصاب وكأن طرفه مازال موجوداً، فيشعر بالألم والحكة والخدر والبرودة والسخونة وهذا ما يُسمى بمتلازمة الطرف الشبح أو phantom limb syndrome ولدينا أيضاً "الإحساس الشبحي" أو phantom sensation والذي يتميز ببقاء الإحساس بعد إصابة الأعصاب المعصبة لطرف ما أو لجزء من النخاع الشوكي وهذا الإحساس هنا إحساس غير حقيقي (قد يشعر المريض بأنه يلمس شيء ما رغم عدم وجود شيء)، ويُفسر هذا الأمر بقدرة الخلايا العصبية الموجودة في قشر الدماغ والتي كانت مسؤولة عن الطرف المقطوع على تشكيل اتصالات جديدة مع مناطق أخرى من قشر الدماغ.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
مصادر الحاشية:
1- هنا
2- هنا