الطب > طب الأطفال
الداء الكيسي الليفي Cystic Fibrosis
الداء الليفي الكيسي CF هو اضطراب وراثي يصيب أجهزة متعددة عند الأطفال والكهول، ويتصف بصورة رئيسية بإصابة الطرق الهوائية بالانسداد والخمج (الإنتان) وبسوء الهضم واختلاطاته.
كيف يصاب الطفل بالداء الليفي الكيسي؟ ومن هم الأكثر إصابة به؟
الداء الليفي الكيسي مرض وراثي من النمط الجسدي المتنحي محمول على الصبغي 7 – متنحٍ أي يحتاج الشخص لمورثة من كل من الوالدين كي يصاب بالمرض بينما في الأمراض الوراثية السائدة فيكفي الحصول على مورثة مصابة واحدة من أحد الوالدين كي يظهر المرض، وجسدي أي ليس له علاقة بجنس المولود -. ويعتبر هذا الاضطرابُ الأشيعَ عند البيض، والثاني من حيث الشيوع بشكل عام بعد فقر الدم المنجلي. وهو السبب الأكبر للمرض الرئوي المزمن الشديد عند الأطفال. يحدث بنسبة 1\3500 ولادة حية تقريباً عند البيض و 1\17000 وليد أسود في الولايات المتحدة.
ما هي الفيزيولوجيا المرضية للداء الليفي الكيسي؟
ينتج هذا الداء عن طفرة في المورثة CFTR (المسؤولة عن قناة نقل شوارد الكلور عبر الأغشية)، وينجم عن ذلك أذية في قناة الكلور لتصبح عرضة للتخريب من قبل العضيّات الخلوية مثل جهاز غولجي في الطرق الهوائية في الجهاز التنفسي والغدد العرقية والجهاز الهضمي (بنكرياس وطرق صفراوية) والجهاز البولي التناسلي.
توجد قناة الكلور في أغلبية الغدد خارجية الإفراز، لذلك يتسبب الداء الليفي الكيسي بتظاهرات مرضيّة معمّمة بالجسم كتراكم المخاط الكثيف في السبيل التنفسي وقصور البنكرياس - يحوي البنكرياس نوعين من الغدد: غدد خارجية الإفراز مسؤولة عن إفراز عصارات هاضمة للدهون وغدد داخلية الإفراز كتلك المسؤولة عن إفراز هرمون الإنسولين-. ينجم عن هذا الخلل نقص شوارد الكلور في مفرزات الغدد خارجية الإفراز وبالتالي نقص الماء وزيادة لزوجة هذه المفرزات.
وبناءً على ما سبق يمكن تحديد أربعة محاور رئيسية للإمراض في CF:
1- الاخفاق في التخلص من المفرزات المخاطية.
2- ندرة الماء في المفرزات المخاطية.
3- ارتفاع المحتوى من الملح (الكلور والصوديوم) في العرق والإفرازات المصلية الأخرى.
4- الالتهابات المزمنة في الطرق التنفسية.
الأعراض:
تختلف أعراض الداء الليفي الكيسي باختلاف شدة المرض، فبعض المصابين تظهر لديهم الأعراض في سن مبكرة والبعض الآخر تظهر لديهم الأعراض في وقت متأخر.
❖ الأعراض التنفسية:
كما ذكرنا سابقاً تزداد لزوجة المفرزات التنفسية في الداء الليفي الكيسي مما يتسبب بتراكم مخاط لزج في السبيل التنفسي وانسداد الطرق التنفسيّة (القصبات والقصيبات)، ومن أهم الأعراض الناتجة عن ذلك:
- سعال مستمر ومنتج لمخاط لزج يكون قيحيا عادة، أشد ما يكون عند الاستيقاظ من النوم أو بعد القيام بأيّ فعالية.
- أزيز متكرر وأصوات تنفسية اضافية (خراخر Crackles).
- الإصابة المتكرّرة بعداوى تنفسيّة (تراكم المخاط اللزج في الطرق التنفسية يسبب الركودة التي تهيئ بيئة مناسبة للجراثيم للتكاثر وخاصة العنقوديات المذهبة Staphylococcus aureusوالعصيات الزرق Pseudomonas aeruginosa).
- وذمة في الأغشية المبطْنة للأنف وانسداد أنف والسليلات الأنفية بن السنة 5 – 20 من العمر1.
ومع ترقي المرض الرئوي يلاحظ عدم تحمّل الجهد وقصور في التنفس والزرقة والسعال المدمى وتوسع القصبات وتعجّر الأصابع Clubbing 2 وزيادة القطر الأمامي الخلفي للصدر، والريح الصدرية (يمكنكم قراءة مقالنا عن الريح الصدرية هنا).
❖ الأعراض الهضميّة:
- قد يتظاهر بشكل مبكر جداً حيث يولد الطفل ولديه انسداد في جزء من الأمعاء الدقيقة (اللفائفي Ileum) عند 15 – 20% من الولدان المصابين ب CF وتسمى هذا الحالة (العلوص بالعقي3 Meconium) وهي أبكر الأعراض، حيث يفشل الطفل بتمرير البراز خلال الـ 24-48 ساعة الأولى من حياته مسبباً أعراضاً مزعجة كتمدد البطن والاقياء والمغص.
- يظهر سوء الهضم الناجم عن القصور البنكرياسي عند أكثر من 85% من المصابين ب CF مما يؤدي إلى عدم القدرة على هضم مواد معيّنةً كالدهون مسبباً برازاً دهنياً كريه الرائحة كبير الحجم وعدم القدرة على اكتساب الوزن وفشل النمو لدى الأطفال ونقص الفيتامينات الضرورية للجسم خاصة تلك الذوابة في الدسم (D،E،K،A).
- كما يسبب قصور الغدة داخلية الإفراز في البنكرياس ارتفاع سكر الدم خاصة بعد عمر 10 سنوات حيث أن 8% منهم وحوالي ٢٠٪ ممن هم في سن الثلاثين يصابون بالداء السكري.
- تبارز البطن.
- ضخامة الكبد.
- يتسبب الإمساك المزمن الذي يصاب به مرضى الداء الكيسي الليفي باضطرارهم للضغط المتكرر عند محاولة التغوّط، ينتج عن هذا الضغط المستمر لمدة طويلة من الزمن ارتفاع الضغط داخل البطن وقد يؤدي إلى انسدال الشرج Rectal prolapse. هذه العلامة لدى الأطفال يجب أن تثير الشكّ بالإصابة بالدّاء الكيسي اللّيفي.
- انسداد معوي: خاصة لدى الأطفال حيث تزداد خطورة الإصابة بانغلاف الأمعاء Intussusception لديهم حيث يدخل قسم من الأمعاء داخل الأمعاء ذاتها وتصبح الأمعاء شبيهة بالأوكورديون.
- انسداد الطرق الصفراوية: توصل الطرق الصفراوية العصارات الصفراء المسؤولة عن هضم الدهون من الكبد والمرارة وبالتالي يؤدي انسدادها إلى عدم القدرة على هضم الدهون.
❖ الغدد العرقية:
من مميزات المرض ارتفاع الكلور أي الملح في العرق، فحين يقوم الآباء بتقبيل أطفالهم يتذوقون ملوحة جلدهم (القبلة المالحة).
❖ السبيل البولي التناسلي:
- يصاب تقريباً 95% من الرجال المصابين بالداء الليفي الكيسي بانعدام النطف بسبب فشل تطور الأسهر (قناة وولف) دون تأثر الوظيفة الجنسية لديهم. ولكن يمكن لبعض علاجات الخصوبة والعمليات الجراحية أن تجعل من الممكن للرجال الذين يعانون من التليف الكيسي أن يصبحوا أباءً.
- زيادة نسبة إصابتهم بالفتق الإربي والقيلة المائية وعدم هبوط الخصى.
- على الرغم من أن النساء اللواتي يعانين من الداء الليفي الكيسي قد يكن أقل خصوبة من غيرهن من النساء، إلا أنه من الممكن بالنسبة لهن أن يحملن و أن يكون الحمل ناجحاً. ومع ذلك، يمكن أن يفاقم الحمل علامات وأعراض الداء الليفي الكيسي ، لذلك من المهم مناقشة المخاطر المحتملة مع الطبيب المختص.
- قد تعاني بعض المراهقات من انقطاع الطمث الثانوي أو التهاب عنق الرحم.
التشخيص:
في عام ١٩٨٢ قامت ثلاث ولايات أمريكية بإجراء اختبار تقصٍّ للكشف عن الداء الليفي الكيسي لدى كل حديثي الولادة بشكل روتيني، وقامت كل الولايات بتطبيقه بعد صدور تقرير ينصح بذلك عام ٢٠٠٣. لكن حتى اليوم يتم تشخيص الداء الليفي الكيسي لدى غالبية المصابين بعد سن البلوغ.
من الفحوص التشخيصية قياس تركيز شاردة الكلور في العرق، حيث تكون مرتفعة4. بالإضافة للفحوص الوراثية لتقصي المورثات الطافرة وهو فحص أكثر دقة ولكن أكثر تكلفة. ويمكن للاستقصاءات الشعاعية أن تفيد في تشخيص التوسع القصبي والإنتانات التنفسية والانغلاف المعوي وغيرها من اختلاطات الداء الليفي الكيسي.
العلاج:
كالكثير من الأمراض الوراثية لا يوجد علاج شاف للداء الليفي الكيسي بل تهدف المعالجات العرضية لتخفيف الأعراض والوقاية من تطور مضاعفات المرض طويلة الأمد.
ويهدف العلاج لـ:
- الوقاية من الانتانات التنفسية.
- تمييع والتخلص من المخاط اللزج المتراكم في الرئتين.
- الوقاية من وعلاج الانسدادات في السبيل الهضمي.
- الحصول على تغذية جيدة.
العلاجات الدوائية:
- تستخدم المضادات الحيوية للعلاج والوقاية من الانتانات التنفسية.
- تستخدم حالّات المخاط والمقشّعات لتسهيل إخراج المخاط من السبيل التنفسي عبر السعال.
- تستخدم موسعات القصبات لفتح السبل التنفسية.
- مضادات الاحتقان الأنفية والستيروئيدات القشرانية الموضعية لعلاج السليلات الأنفية.
- العلاج التعويضي للأنزيمات البنكرياسية (الليباز خاصة).
- إعطاء الانسولين لعلاج الداء السكري للمصابين به.
المعالجة الفيزيائية الصدرية:
هدفها تنظيف الطرق الهوائية من القشع الكثيف المتراكم فيها. عادة ما يتم القيام بالتمارين بين مرة لأربع مرات يومياً، من الأمثلة على المعالجات الفيزيائية المتبعة هو القيام بالتصفيق بيدين مغلقتين بشكل متكرر أمام الصدر و خلف الظهر. كما توجد أجهزة كالأقنعة التنفسية و الستر الهزازة التي يمكن الاستعانة بها.
من أهم النصائح الموجهة للمصابين هي:
- المحافظة على نظام حياة صحي يشمل التغذية الجيدة والحبوب الحاوية على المكملات مثل الأنزيمات البنكرياسية والفيتامينات المنحلة بالدهون (A-K-E-D) وحبوب الألياف ومضادات الحمض.
- من الضروري أخذ كافة اللقاحات للوقاية من الانتانات التنفسية ومضاعفاتها الخطيرة.
- يجب الحفاظ على بيئة خالية من الدخان حول المصابين.
- ينصح بغسل اليدين المتكرر للوقاية من الإصابة بالعدوى التنفسية.
- من الضرورة بمكان تقديم الدعم النفسي للمصابين لمساعدتهم على مواجهة هذا المرض الذي يترافق بالكثير من المضاعفات التي قد تكون خطيرة والتي يمكن الوقاية منها بالمحافظة على نظام حياة صحي و اتباع تعليمات الطبيب بالوقاية و العلاج.
توضيحات:
1- يجب الشك بالداء الليفي الكيسي عند كل طفل لديه سليلات أنفية.
2- تعجّر الأصابع هوغياب الزاوية بين الظفر وسرير الظفر.
3- العقي هو البراز الذي يخرجه الطفل في الأيام الأولى بعد الولادة ويكون لونه مائلا للسواد.
4- يجب أن يكون تركيز شاردة الكلور في العرق أكثر من 60 ميلي مكافئ \ ليتر لاعتبارها معياراً تشخيصياً للداء الليفي الكيسي
المصادر:
nelson textbook of pediatrics 20th edition