الهندسة والآليات > الروبوتات
روبوتات عصرية قادرة على التعرف على البيئة المحيطة
كثيرةٌ هي تلك الحوادث التي سمعنا بها عن أُناسٍ لقوا حتْفهم تحتَ الأنقاضِ في زلازل أو في مناجم الذهب والفحم. وكثيرةٌ هي تلك اللحظات التي سمعنا بها عن كلاب تفتيشٍ تدخلُ الأبنيةَ أو المستودعات للبحثِ عن متفجراتٍ أو في بعض الحالات عن ناجينَ تحتَ أنقاضِ بناءٍ مُتساقط. وقد يتساءلُ البعض، لماذا لا نُرسلُ آلاتٍ لتحلّ محلّ البشر أو الكلاب فتعطينا معلوماتٍ دقيقةً عن الموقع وتُمكّننا من اتخاذِ اجراءاتٍ احترازيةٍ أفضل وأسرع !؟
بالطبع أصبح بإمكاننا فعل ذلك، فها هو عالم الروبوتات المُوجّهة بالرؤية ما زال في تطورٍ مُستمرٍ ليكونَ اليوم رائدًا في مجال التصنيع وبديلًا لعُمّال المناجم، إحدى أصعب الأعمال البشرية، أو حتى بديلًا للمنقذين أو المسعفين في الغد القريب.
دعونا نأخذ جولة في مختبرات الروبوتات من خلال هذا المقال لنطّلع على جديد تلك الروبوتات ودورها في قطاع الصناعة.
تابعونا.
أحْدث الأبحاث العلميّة
لسنواتٍ عديدة، اعتُبرتْ الروبوتات صاحبة الرؤية الذّاتيّة الدّعامة الأساسيّة لمهامّ التّصنيع والتّجميع إضافةً إلى فحص وفرز القطع والأجزاء. ولطالما كان تنفيذُ هذه العمليات يحتاجُ إلى بيئةٍ مُقيّدة للغاية ومُنظّمة بشكلٍ كبيرٍ والأهم بيئة خالية من العقبات. ومع ذلك، فإنّ التقدم في معالجةِ تقنيّات الطاقة وأجهزة الاستشعار أعطى تلك الروبوتات الحريّة والقدرة على القيام بعدد أكبر من المهام أقلّ تقييدًا وأكثر تنظيمًا كالطيران والقيادة المستقلين، وأنشطة الخدمات المتنقّلة، والتي بدورها تتطلّبُ أنظمة رؤية مُتطوّرة لتحديدِ وتجنبِ العقبات.
ويشيرُ مارشال هيبيرت، مديرُ معهد الروبوتات في جامعة كارنيجي ميلون، أنّه وفي يومنا هذا يتمّ استخدام النّظم القائمة على الرؤية الذّاتية لتتبّع الناس والمركبات وذلك لتأمين أكبر قدْر من السلامة المروريّة للسائقين أو حتى للأنظمة ذاتيّة القيادة. ويؤكد هيبيريت "يتمّ اليوم إحراز تقدّم كبير في النهج الأساسيّة والتقنيّات الدّاعمة كالحوسبة والمُستشعرات عالية الجودة. كما ويتمّ تطوير الروبوتات الشخصيّة لزيادة قدرتها التفاعليةّ. وها نحنُ نتّجهُ نحو تعاونٍ أوثق بين الروبوتات والبشر."
مختبرات سانديا الوطنية (SNL)، أحد المُختبرات العاملة على تطوير ال telerobotic، تُجْري اليوم بحوث واسعة في هذا المجال، والذي يعتمد بشكله النموذجيّ على انسانٍ يقومُ بتشغيل الروبوت مستعينًا بكاميراتٍ مُثبّتة على رأسه وذلك لجعل الانسان متواجدًا في الموقع، حتى وإنْ كان يتواجدُ في مكان بعيد. "ومع ذلك فإنّ الكاميرات المُثبّتة على وحْدة الإمالة ليست البديل الأفضل لعيون الانسان"، وذلك طبقًا لما أكّده روبرت أندرسون، وهو عضوٌ رئيسيٌ في قسم الروبوتات ونُظم الأمن في SNL ويضيف قائلًا: " البصر عند الإنسان لديه دقةٌ أفضلْ، ومجالُ الرؤيةِ الطّرفيّة أو المحيطية كبيرٌ جدًا، والقدرة على اتخاذ نظراتٍ سريعةٍ لملءِ نموذجٍ عقليّ من الفضاء. ولكن وعندما يتعاملُ المُشغّلون مع الكاميرات التقليديّة، فإنّهم يحصلون على رؤية مستقيمة نفقيّة، ويميلون إلى نسيانِ مواقعِ الأشياءِ الموجودةِ خارج نطاقِ الرؤية بسرعة كبيرة ".
ولتحسين هذا الوضع، قام الباحثون في SNL بتجميع الرؤية الحيّة مع نماذج 3D لعالمٍ قاموا بتشييده وذلك لتحسين شعور المشغل البعيد بالفضاء المحيط بالروبوت. فباستخدام تكنولوجيا الألعاب، كجهاز الاستشعار Kinect من مايكروسوفت، يُمكن مسح وخلق نموذج من موقع بعيد. فبدلًا من عرض كاميرا واحدة 2D، يُمكن للمشغل عرض الروبوت عن بعد من أي اتجاه، تمامًا كما في ألعاب الفيديو التي تعتمد على رؤية الشخص الأول، أي توفير الرؤية من فوق الكتف للشخصيّة، أو رؤية التتبّع، أو رؤية العالم ككل ويؤكد أندرسون أنّ هذا يُقللُ بشكلٍ كبيرٍ من مشكلة الرؤية النفقيّة في تشغيل الروبوتات عن بعد.
وعلى الرغم من أنّ أنظمة تحديد المواقع أصبحت رخيصًة بما فيه الكفاية وموثوق بها بما يكفي لتمكين التنقّل في مساحة مُعيّنة بدون حوادث، إلا أنّ احتمالية الاصطدام أثناء عمليات التنقّل ما تزال قائمة. ومع ذلك، فإنّ جيلًا جديدًا غير مُكلفٍ من أنظمة الرؤية ثلاثيّة الأبعاد سيجعلُ من المُمكن للروبوتات التنقّل بشكلٍ مُستقلٍ في بيئات غير منظّمة، والتفاعل بشكل حيويّ مع العالم البشريّ. وقد تجلّى ذلك مؤخرًا في أحد دراسات تحالف سنغافورة-MIT للأبحاث والتكنولوجيا (SMART)، حيث قام التحالف بتشييد عربة جولف ذاتيّة القيادة تمكّنت من التنقل بنجاح حول الناس والعوائق خلال رحلة تجريبيّة في حديقة عامة كبيرة في سنغافورة. وقد تمّ بناء شبكة الاستشعار من مكونات جاهزة.
وتقول دانييلا روس، قائدة الفريق وأستاذة الهندسة الكهربائيّة وعلوم الحاسوب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "إذا كان لديك شبكة من أجهزة الاستشعار مُرتبطة مع خوارزميات يُمكن الاعتماد عليها، سوف تحصل على نتائج قويّة تتطلب كميات أقلّ من الحساب وأخطاء أقلّ بكثير من أجهزة الاستشعار المُدمجة أو الحالات التي يُرسل بها أحد المستشعرات معلومات ويقوم جهاز استشعار آخر بإرسال شيء مُختلفٍ تمامًا "
الروبوتات وقطاع التصنيع
يُعدّ قطاع التصنيع أحد أهمّ المُستفيدين من الروبوتات الموجّهة بالرؤية الذّاتية. وقد صُمّمت أقدم الروبوتات لعمليّة بسيطة جدًا ألا وهي عملية الحمل والوضع في المكان المناسب. اليوم، ومع التقدم التكنولوجيّ في أجهزة الاستشعار والقدرة الحاسوبية وأجهزة التصوير، أصبحتْ الروبوتات الموجّهة بالرؤية أكثر وظيفيّةً وتُسهم بشكل كبير في تحسين جودة المنتج والإنتاجيّة والكفاءة التشغيليّة.
ووفقًا لمقالٍ أعدّته شركة AXIUM Solutions، الشركة المصنّعة لروبوتات موجهة بالرؤية مهمّتها التجميع وتسليم المواد: "قوّة الحوسبة المحسّنة تساعد المطورين على إنشاء خوارزميّات أكثر قوة وتعقيدًا. كما أنّ التطويرات والتحسينات في مُطابقة الأنماط ودعم البيانات الثلاثية الأبعاد مكّنت من إنشاء تطبيقات جديدة كدبّوس الالتقاط العشوائيّ، وتحديد تشكيل النموذج ثلاثيّ الأبعاد إضافة إلى التفتيش ومراقبة الجودة."
وتشمل تطويرات الروبوتات الموجهة بالرؤية تحسين أجهزة استشعار وقت الطيران وماسحة صفيحة الضوء المثلثية والضوء المنظّم وكاميرات ستيريو ثلاثيّة الأبعاد. وتقول Axium: "التطوّرات الحديثة في ماسحات صفيحة الضوء المثلثية تفتح الكثير من الاحتمالات الجديدة للتفتيش المضمن وتطبيقات التحكم التي تتطلب كثافة عالية من البيانات ثلاثيّة الأبعاد وسرعة عالية. أحدث أجهزة الاستشعار CMOS يمكن أن تصل إلى سرعة مسح ضوئي تصل إلى عدة آلاف من التشكيلات ثلاثية الأبعاد عالية الدقة في الثانية الواحدة."
وتكْمُن أفضليّة الضوء المُنظّم وكاميرات ستيريو ثلاثية الأبعاد على صفيحة الضوء المثلثية أنّ الحركة النسبية بين أجهزة الاستشعار غير مطلوبة. وهذا يسمح بتوليد سريع من الغيوم النقطة ثلاثية الأبعاد مع دقّة كافية لفهْم المشهد والتحكم بالروبوت.
وتُنهي شركة Axium مقالها: "هذه التطورات الأخيرة وغيرها في خوارزميات وتقنيات الاستشعار تُسهّل من تنفيذ الروبوتات الموجّهة بالرؤية لمهامها الصناعيّة بكفاءة. ولذلك، فنحن متفائلون بأنّ المزيد والمزيد من المشاريع سوف تدمج الرؤية الآلية والروبوتات في السنوات القادمة."
فهل ستكون عيون الروبوتات، عزيزي القارئ، بديلًا جيدًا لعيون الانسان فتحلّ محله في أعمالٍ لم يخَلْ يومًا أن يفقدها، أم أنّ الحدس والذكاء الانساني لن يكون له بديلٌ من بني الرجال الآليين؟ السنوات القادمة ستُقدم لنا جوابًا شافيًا بكلّ تأكيد.
المصدر: