البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية
اكتشاف أولى حقيقيات النوى التي لا تمتلك مصانع للطاقة (الميتوكوندريا)
لا يمكنكَ – كما لا يمكن لأيَّةِ خليةٍ حقيقيةِ النَّواةِ – أن تعيش بدون وجود الميتوكوندريا، العضية المسؤولة عن توفير الطاقة داخل الخلايا حقيقية النواة (الخلايا حقيقية النواة هي المتعضيات التي تمتلك غشاءً يحتضن مكونات الخلية أو يحتضن النواة بشكل خاص، وننتمي نحن البشر لهذه المجموعة من الكائنات كما بقية الحيوانات والنباتات والفطور وأحياء دقيقة متنوعة). ولكن دراسة جديدة اكتشفت أولى حقيقات النواة التي استطاعت التخلص من الميتوكوندريا، ما يقترح أنَّ الغصنَ الذي ننتمي لهُ (على شجرة تطور الحياة) هو في الحقيقةِ أكثرُ تنوعاً مما اعتقدنا.
يقول عالمُ الأحياء Eugene Koonin: ’’لهذا الاكتشافِ أهميةٌ جوهريةٌ، فنحن الآنَ نعرفُ أنَّ حقيقياتِ النواةِ تستطيعُ العيشَ بنجاح بدونِ أن تمتلكَ أيَّ أثرٍ للميتوكوندريا‘‘.
والميتوكوندريا هي سلائِلُ (بقايا انحدرت من) البكتريا التي استقرَّت داخلَ حقيقياتِ النواةِ البدائيَّةِ، وتحولت بالنتيجةِ إلى مصانع طاقةٍ لتلك الخلايا. ورغم أنَّ وجودَ الميتوكوندريا هي سِمةٌ بارِزةٌ لحقيقيات النواة، إلا أن العلماء طالما تساءلوا العلماء عمَّا إذا كان بوسعِ حقيقياتِ النوى أن تعيش بدونها. ولفترةٍ من الوقت كان يُعتقَدُ بأنَّ الكائن الدقيق المسبِّبَ للإسهال Giardia intestinalis (الجيارديا المعوية) هو من حقيقيات النُّوى التي لا تمتلك الميتوكوندريا بداخلها. ولكن التحرياتِ الدقيقةِ أثبتت أنَّها (وغيرها من المتعضيات التي كانت تُشاطرها هذه الحالة) تمتلكُ أشكالاً مُصغَّرةً من الميتوكوندريا.
ولهذا الغرض، درسَ فريقٌ من علماء الأحياء، بقيادة العالمة التطورية Karnkowsks وVladimir Hampl، مرشحاً أخراً يُشكُّ بأنَّه لا يمتلك الميتوكوندريا أيضاً. هذا المرشَّحُ ينتمي لجنس Monocercomonoides. هذه المتعضِّية وحيدة الخليَّة تعيشُ في أمعاءِ حيوانِ قارض يُدعى الشنشيلة Chinchilla الذي كان بحوزة أحد أعضاءِ المختبر. قرر العلماء دراستها لأنَّها أيضاً يشكُّ بأنها لا تمتلك عُضِّيَةَ الميتوكوندريا بداخلها .
لم يعثر العلماء على أيَّة جيناتٍ تعود للميتوكوندريا (التي تمتلك جينات خاصة بها)، وذلك عندما درسوا التسلسل الجيني للـ Monocercomonoides. وبعد مزيد من البحث وجدوا أنَّها لا تمتلك أيضاً أيًّا من البروتيناتِ الضَّرويَّةِ لعملِ الميتوكوندريا. تقول Karnkowska: ’’كان لوجودِ الميتوكوندريا أساسٌ في تعريفِ حقيقياتِ النُّوى، علينا الآن أن نعيد النظر في هذا التعريف‘‘.
قد لا تحتاج الـ Monocercomonoides للميتوكوندريا لأنَّها تعيش في أمعاء الـ Chinchilla وهو وسطٌ يحتوي على الكثير من المغذيات والقليل من الأكسجين (الذي تحتاجُهُ الميتوكوندريا لإنتاجِ الطاقة). وبدلاً من الاعتماد على الميتوكوندريا لإنتاجِ الطَّاقةِ، يَقترح الباحثون أنَّ هذه المتعضيات، الخالية من الميتوكوندريا، تعتمدُ على بعض الأنزيمات (الموجودة في السيتوبلازم خاصتها) لتقويض (هدم) الطعام والحصول على الطاقة. ولكنَّ الميتوكوندريا لا تقوم بإنتاج الطاقة فقط، فهي تُنتِجُ أيضاً مجموعاتِ الحديد والكبريت الضَّروريَّةِ لعملِ البروتينات. ويبدو أنَّ الـ Monocercomonoides قد قامت بحلِّ هذه المشكلةِ باستعارة بعض الجينات البكتيريَّةِ التي تقوم بنفس الوظيفة – كما نُشر في مجلة Biology Current.
يقول عالم الجينوم التطوري B. Franz Lang: ’’ إنَّ هذه الورقةَ البحثيةَ قيِّمةٌ للغاية، وأراهِنُ بأنها صحيحة بنسبة 90% ‘‘. ويضيفُ بأنَّه على العلماء إجراء المزيد من التحاليل المجهرية لتأكيد غياب الميتوكوندريا في هذه المتعضيات. أمَّا عالم الكيمياء الحيوية التطورية Mark van der Giezen، فيرغب في البحث عن أدلَّةٍ أُخرى تؤكِّدُ عدم امتلاك هذه المتعضيات لأيَّة بقايا للميتوكوندريا. ويؤكِّدُ بأنَّ هذه الدراسة أثَّرت في معرفتنا عن حقيقيات النوى: ’’لقد أظهرت لنا هذه الدراسة أنَّ حياة حقيقيات النُّوى أكثر مرونةً مما كنَّا نعتقد‘‘.
إنَّ متعضيات Monocercomonoides ليست قديمةً جداً في تاريخ الحياة، فهي تعود للأيام الأولى لوجودِ حقيقيات النوى. وأقرب أقربائها لا تزال تمتلكُ الميتوكوندريا، ما يقترحُ تخلصها من الميتوكوندريا منذ عهدٍ ليس ببعيد.
تعتقد Karnkowska وزملاؤها بوجود متعضِّيات، لا تمتلك ميتوكوندريا، أخرى تنتظر الاكتشاف. وتضيف قائلة: ’’إنَّ الـ Monocercomonoides هي أحدُ الأمثلةِ الرَّائعةِ ونأمل بأن نجد غيرها‘‘.
المصادر:
ورقة البحث الأصلي: هنا