الهندسة والآليات > اسألوا مهندسي الباحثون السوريون
هل يتجمَّد الماء الساخن بسرعةٍ أكبرَ من الماء البارد؟
سؤالٌ لطالما سمعناه واحتار البعض في الإجابة عنه، إلاَّ أن إجابتَه عزيزي القارئ أبسطُ مما تتوقَّع...
منذ زمن أرسطو، تجادل الباحثون والعلماء الهواة حول النظرية البديهية التي تقول أنَّ الماء الساخن يتجمَّدُ بسرعةٍ أكبرَ من الماء البارد، حتى أنَّ لتلك الفكرةِ اسمٌ هو: أثرُ مبيمبا "The Mpemba effect" تيمُّناً باسم طالب المدرسة التنزاني، الذي لاحظ في عام 1963 أن المثلجاتِ التي صَنعها هو وأصدقاؤُه من الحليب الساخن، تجمَّدت بسرعةٍ أكبرَ من تلك التي صُنِعَت باستخدامِ حليبٍ بارد.
وفقاً للدكتور براكاش غوفيندان من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- قسمِ الهندسةِ الميكانيكية: "فإن درجةَ الحرارةِ الابتدائيَّةِ للماء غيرُ مُهمةٍ، حيث يجب علينا أولاً أن نُوصِلَها إلى درجةِ التجمُّد قبل أن تتغيَّر حالتُها وتصبحَ ثلجاً". في الواقع يحتاج الماءُ الساخن وقتاً أكبرَ وطاقةً أعلى لينتقل إلى حالةِ التجمُّد، فدرجةُ حرارتِه يجب أن تنخفض أولاً حتى تصل إلى 0 درجةٍ مئوية قبل تغيُّرِ حالتِه السائلةِ إلى جليدية.
واقترح غوفيندان إجراءَ تجربةٍ بسيطة لإثبات أن الماءَ الساخنَ والباردَ سوف يتفاعلان مع الحرارة وفقاً للمنطق، وتقومُ التجربةُ على مَلءِ دلوينِ متطابقينِ بمياهِ الصُّنبورِ الساخنةِ والباردةِ من المطبخ ومراقبةِ أيٍّ منهما سيتجمَّد أولاً. ويضيف غوفيندان أيضاً أن معدَّلاتِ التغيُّر في هذه التجرِبة لن تكون نفسَها، فعندما نضعُ دلوَي الماءِ في نفسِ الثلاجة فإنها ستعمل على تخفيضِ درجةِ حرارة الماء الساخن بشكلٍ أقوى، لذلك فإنَّ مُعدَّلَ انتقالِ الحرارةِ سيكونُ أسرعَ في البداية في الماءِ الساخن، إلا أن الدَّلوَ الاّخر سيتمُّ تبريدُه بنفسِ الوقتِ ولكن بمعدلٍ مختلف.
عندما تصل درجة حرارة الدَّلوَين إلى 0 درجةٍ مئوية، فإنهما سيخضعان إلى نفسِ التغيُّرات أثناء الانتقالِ من الحالة السائلة إلى الحالة الصُّلبة، وسيأخذان نفس المقدار من الوقت لتشكيل بِلَّوراتِ الثلج الصغيرة، عند هذه الحالةِ سيكون كلٌ من الثلجِ والسائلِ في درجةِ حرارةٍ واحدة، وكلما فقد المزيج حرارة أكثر، كلما ظهرت خواصُّ الحرارةِ الكامنة التيرموديناميكية بشكلٍ أكبر، فالماء سيستمرُّ بالتحوُّل إلى الحالة الصُّلبة لكن دون أيِّ تغيُّرٍ في درجة حرارته. ويؤكد غوفيندان: "طالما أن المزيجَ هوعبارةٌ عن خليطٍ من الماء السائل والجليد الصَّلب، فإن درجةَ الحرارةِ ستكون ثابتةً على درجة الصفر مئوية حتى يتجمَّد الماءُ بشكلٍ كامل.
و حتى يومنا هذا، لم يُثبَت أبداً بشكلٍ مُقْنع أن المياه الباردة والساخنة يتفاعلانِ بشكلٍ مُغاير عن بعضهما البعض في أيِّ خطوةٍ من خطواتِ التجمُّد، رَغم السِّحرِ المُستمِر لظاهرةِ مبيمبا. حتى أنه في عام 2013 قامت الجمعية الملكية لعلوم الكيمياء في أوروبا بمسابقةٍ لأفضلِ تفسيرٍ لهذه النظرية، فتكهَّن المتسابقُ الفائزُ بأن الماءَ الساخنَ يتجمَّد في الواقع بسرعةٍ أكبرَ إذا كان الماءُ الباردُ فائقَ البرودةِ أولاً، لكنَّ المنطق ينتصرُ عندما يتعلَّق الأمر بالماء العادي الآتي من صُنبور المنازل. ومن المرجَّحِ أيضاً أن نقطةَ تجمُّدِ الماء تتأثَّرُ بوجود الشوائبِ والموادِّ الذائبة والغازات وموادِّ المثلجات منزليةِ الصنع.
في النهاية نرى أن فرقَ درجةِ حرارةِ الماء الساخن عن درجة حرارة الثلاجة، أكبرُ بكثيرٍ من فرقِ درجةِ حرارة الماء البارد عن درجة حرارة الثلاجة، مما يجعل الماءَ الساخن يفقدُ كميةَ حرارةٍ بسرعةٍ أكبرَ، وتصبح سرعةُ وصولِه إلى حالة التجمُّد أكبر.
كمِّيةُ الحرارةِ تُعطَى بالعلاقة :
(Q = m * C * ( T2 - T1
Q: كمية الحرارة تُقاس بالجول
m: الكتلة تُقاس بالكيلو غرام
C: الحرارة النوعية تُقاس بالجول على كيلوغرام X كلفن درجة
T: درجة الحرارة تُقاس بالكلفن درجة، حيث أن الدرجة كلفن=273.16+ الدرجة المئوية
نُلاحظ من العلاقةِ أن كميَّةَ الحرارةِ تتعلَّقُ بفرقِ درجتي الحرارة بين الوسطين. لذلك عند إعطاءِ نفسِ الكمية من الطاقة الحرارية للماء البارد والساخن، فبشكلٍ منطقيٍّ سيتجمَّد الماءُ البارد قبل الماء الساخن.
ومما سبق عزيزي القارئ فالجوابُ عن السؤال هو: لا، لا يتجمَّد الماءُ الساخن بسرعةٍ أكبرَ من الماء البارد.
شاركنا في رحلة المعرفة، ما هو التساؤل الذي طالما شغلَ تفكيرك دون أن تحصل على جوابٍ علميٍّ دقيق له؟ حان الوقت لتعرف الجواب.
المصدر : هنا