الفيزياء والفلك > فيزياء
ما هي الطاقة المظلمة
برغم الاكتشافات المتلاحقة التي نسمع بها بشكل متواصل في المجالات العلمية فإن بعض هذه الاكتشافات يمكن القول عنها أنها قد حرفت فعلا مسيرة العلم وطرحت بعدا جديدا لفهمنا للعالم حولنا لم نكن نحلم به من قبل.
حتى تسعينات القرن الماضي كان تصور الفيزيائيين عن تمدد الكون أنه لابد أن يكون في حالة من التباطؤ نتيجة لأن القوة الجاذبة لمكونات الكون من نجوم ومجرات وعناقيد مجرية والتي تجذب بعضها بعضا ستعاكس من أثر تضخم الكون أو على الأقل تعدله لتكون سرعة توسع الكون ثابتة. كما أن الفيزيائيين كانوا مستبعدين تماما لما قد تشير إليه النظرية الأساسية في وصف الجسيمات الأولية كالالكترونات والكواركات "النموذج المعياري" من احتمال وجود حقل من الطاقة يعم الكون كاملا وقد يؤدي إلى توسعه بشكل متسارع إلى الأبد.
ولكن ما اكتشفه فريق من الفيزيائيين عام 1998 من مراقبة نوع 1a من نجوم السوبرنوفا المنفجرة بيّن عكس ذلك تماما. حيث ظهر نتيجة الحسابات أن سرعة توسع الكون تتزايد بمرور الزمن وكأن شيئا ما يدفع الكون باستمرار لزيادة سرعته في كل الاتجاهات. وقد حصل العالمان اللذان حققا ذلك الاكتشاف على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2011. فقد سلط هذا الاكتشاف الضوء تصور معاكس لما تفترضه النظريات. وبالتالي لم يكن هناك اي افتراض أو أساس نظري يمكن أن يقدم تفسيرا لنتائج الرصد. وبدراسة اعمق لهذه السرعة المتغيرة في التوسع وحساب التسارع تبين للعلماء حقيقة أكثر غرابة: تشكل هذه الطاقة بحسب أخر نتائج الرصد التي قامت بها بعثة التلسكوب بلانك ونشرت في آذار الماضي نسبة 68.3% من الكون. أي أكثر من ثلثي كوننا يتألف من شي مجهول كليا ولم نكن نعلم به قبل 15 عاما فقط. عدا عن معضلة المادة المظلمة التي لم يتم رصدها حتى الان.
يقترح العلماء حاليا ثلاث تفسيرات مختلفة :
- التفسير الأول وهو أقدم تفسير يأتي من نظرية آينشتاين في النسبيةالعامة, فمعادلات النسبية كانت في البداية تبين أن قوة الجاذبية ستتسبب في النهاية في انكماش الكون لأن كل اجزاءه تتجاذب فيما بينها مما كان يعاكس تصوره لكون ثابت مستقر. فأضاف حدا ثابتا يمثل كثافة طاقة موجودة في كل الكون تعاكس تأثير الجاذبية مما يجعل الكون مستقر دعى هذه الفكرة بــ الثابت الكوني. بعد 12 عام من هذا التنبؤ بينت نتائج الرصد التي قام به ادوين هابل أن جميع المجرات المحيطة بنا تبدو كانها تبتعد عنا مما يعني أن الكون يتوسع في جميع الاتجاهات. فتراجع آينشتاين عن فكرة الثابت الكوني ودعاه "اكبر خطأ في حياته " ولكن مؤخرا وبعد 80 عام وجد العلماء أن أفضل تفسير يتوافق مع الطاقة المظلمة هو فكرة الثابت الكوني لأينشتاين وإن كانت بصيغة مختلفة قليلا. حيث يمكن صياغة هذه الكثافة من الطاقة لتمثل طاقة الفراغ الناتجة عن التأثيرات الكمومية ولكن معضلة ثانية تبرز من مقارنة قيمة كثافة الطاقة المقدرة بالحسابات النظرية مع قيمتها المرصودة فالفرق الهائل بينهما يبين وجود خلل كبير في الفرضيات الفيزيائية. حيث الفرق بينهما ليس عشرة أو مئة أو الف ضعف حتى بل واحد وبجانبه 120 صفرا.
التفسير الثاني يقترح أن الطاقة المظلمة هي حقل منتشر ومتغير عبر الفراغ كالحقل الكهربائي مثلا ولكن تأثيره على توسع الكون عكس جاذبية المادة والطاقة العادية. حيث يفترض بعض الفيزيائيين أنها تمثل خامس قوى الطبيعة الأساسية المعروفة (الجاذبية والكهرطيسية والنوورية الشديدة والضعيفة) ولكن حتى الآن لا نعرف ماهيتها ولا المكونات التي تتفاعل معها.
هناك احتمال آخر هو أن نظرية أينشتاين للجاذبية بحاجة لتعديل أوسع. وهذا لن يؤثر فقط على تمدد الكون، ولكنه سيؤثر أيضا على سلوك المادة في المجرات وعناقيد المجرات. و من شأن هذه الحقيقة أن تحدد اذا ما كان حل مشكلة الطاقة المظلمة هي نظرية جديدة في الجاذبية.
ليست مشكلة عدم معرفتنا بماهية الطاقة المظلمة تتعلق فقط بتسارع توسع الكون فتأثيرها أيضا يمتد لأشكال المجرات وحتى المسافات ما بينها. ولا تعتقدوا على الاطلاق أن ما نتحدث عنه يحدث في مجرة بعيدة جدا جدا منذ زمن بعيد جدا فتلك الطاقة من المفترض انها تمر خلالك الآن وفي المسافة الفاصلة بين عينيك والشاشة حتى. فبالتالي لن يكون فهمنا عن العالم المحيط مكتملا مالم نتمكن من فهم طبيعة هذه الطاقة ومنشأها وذلك لن يتطلب مجرد تعديلات بسيطة على النظريات الحالية بل قد يستلزم نظريات جديدة بنظرة جديدة كليا.
حقوق الصورة: JEAN-FRANCOIS PODEVIN
بعض المصادر:
Scientific American, February 2007: The Universe’s Invisible Hand, Christopher J.Conselise