الهندسة والآليات > المركبات والآليات
شحن لاسلكي لوسائل النقل الكهربائية
دفعت التطوّرات والابتكارات الهائلة في تكنولوجيا البطاريّات العلماءَ إلى النظر للمركبات الكهربائيّة وتطويرها، فقد تمّ ابتكار تكنولوجيا جديدة لشحن المركبات الكهربائية والتي تعتمدُ على استخدامِ شرائط يتمّ تثبيتها على أسطح الطرق، والتي تقومُ بدورها بنقلِ الطاقةِ لاسلكيًّا.
إلتفات الباحثين حقيقةً إلى هذه الأنواع من المشاريع المُستدامة ومحاولة تطبيقها من قبل بعض الحكومات من شأنهِ فتح المجال لانتشارها في مختلف دول العالم فهو كفيلٌ بقلب معادلات التلوّث الناتج من عوادم السيارات رأسًا على عقب.
لمعرفة المزيد عن هذا المشروع دعونا نتابع هذا المقال
ستُتيح هذه التقنية إمكانيّات جديدة للمركبات الكهربائية خصوصًا مركبات النقل الجماعيّ كالحافلات والترام (trams)، حيثُ ستطبّق هذه التقنية يومًا ما على جميع المركبات الكهربائيّة.
استحوذت فكرة نقل الطاقة لاسلكيًا على العالم نيكولا تسلا، فقد كان أول من قام بهذه العملية في العام 1891، وفعلًا كان لهوس تسلا نتائجه، فقد مكّنه من تطوير ما يُسمى ب (ملف تسلا). يقوم هذا الجهاز بإنتاج تيار كهربي مُتناوب ذو فولتيّة وتردد مرتفعين، مما مكّنه من نقل القدرة الكهربائية لاسلكيًا بواسطة خاصيّة الرنين الكهربائية-وهو نقل قصير المدى للطاقة بين ملفين مرتبطين مغناطيسيًا -خلال مسافة صغيرة.
تمّ اختبار هذه الطريقة من قِبل دول مُختلفة كوسيلة مُحتملة لشحن المركبات الكهربائية أثناء الحركة، وتتضمّن انتقال الكهرباء بين سطحين مشحونين مغناطيسيًا أحدهما مدفونٌ تحت الأرض، بمعنى الطريق الذي تمر فيه المركبات، أو سكة الحديد والآخر مثبت في أسفل هيكل السيارة.
في ايطاليا مثلًا يُستخدم هذا النظام منذُ أكثر من عشرة أعوام في جنوا وتورين وتزود (10% -15%) من الطاقة لثلاثين حافلة والتي تقوم بإعادة الشحن في كل محطة توقّف. تّم تطوير النّظام على يد شركة ألمانية تسمى (Conductix-Wampfler) وقد حقق كفاءة انتقال طاقة تصل إلى 95% وفق تصريحات الشركة.
وهناك نظامٌ آخر يجري تطويرهُ في جامعة ولاية اتاوه بدعمٍ من إدارة النّقل الفدرالية ونظامٌ آخر جرى إطلاقُه في هولندا عام 2010.
قام معهد كوريا المتقدم للعلوم والتكنولوجيا (KAIST) في عام 2009 باختبار مشروعه والمُسمّى بـ (online electric vehicle(OLEV)) ودُمجت فيه تقنيّة تُسمّى المجال المغناطيسيّ المُشكّل في حالة الرنين( the Shaped Magnetic Field in Resonance (SMFIR))، وتَتضمّن هذه التقنيّة دفن خطوط قدرة كهربية على عمق 30 سم (11.8 انش) تحت سطح الطريق والمُتصلة بدورها بالشبكة الوطنيّة للكهرباء. وقد تمّ استخدام عربة قطار ترفيهيّ كمركبة اختبار، وتتكون من جرّار مُزوَّد بملفات حَثّ مغناطيسيّة لاقطة وثلاث عربات ركاب.
وقد قام المعهد في وقتٍ لاحقٍ بعمل ترام يَستخدم هذا النّظام في حديقة سيول جراند بارك الترفيهيّة ليتمّ بعدها إنتاج أول حافلة كهربائيّة في العالم في يوليو 2013، والتي تُسافر مسافة 15 ميل بين محطة القطار مدينة جومي ومقاطعة ايين دونج. وقد نتجَ عن هذا المشروع تكوين شركتين هما كوريا OLEV وبوسطنOLEV ليتمّ إطلاق الأخيرة في 2011 لاستهداف السوق في الولايات المتّحدة.
يُذكَر أنّ نقل الطاقة لاسلكيًا من شأنه تقليل حجم البطاريّة إلى الثُّلث من تلك المُتعارف عليها والمستخدمة في السيارات الكهربائيًة. فحيّز مقداره 6.7 انش ما بين سطح الطريق وأسفل الحافلة كفيلٌ بتوصيل 100كيلو واط بكفاءة شحن تصل إلى 85 % حيثُ تحتلّ الألواح المدفونة (5%-10%) من مساحة الطريق ككل، وتظلّ غير مُفعّلة حتى تصل المركبة. وتستغرق الحافلة (OLEV) 30 دقيقة لكي يتمّ شحنها بالكامل، ويُمكنها أن تسير مسافة تصل إلى 40 كيلومتر بين الشواحن (حوالي 24 ميل) مما يعني أنّ الحافلات يُمكنها أن تتنقل بعيدًا عن مسار الشحن إذا احتاجت ذلك. وتسير الحافلة بسرعة اعتياديّة تصل إلى 60 كم/ساعة في ظروف التشغيل العاديّة وقد تصل إلى 85 كم/ساعة.
اكتسب هذا المشروع صفة العالمية فقد بدأت بعض الشركات بتبنّي هذا النظام، ويُذكر أنّ شركات مثل (Qualcomm، Momentum Dynamics، WiTricity، Evatran and WAVE) تمتلك أنظمة تحت التطوير في الوقت الرهان. ويتساءل البعض عمّا إذا كان من المُمكن تعديل النّظام ليُلائم السيارات لأن النظام أساسًا يُستخدم مع المركبات الكبيرة والتي تزن حوالي 400 رطل. وبالرغم من ذلك، تُعدّ هذه الأنظمة مثاليّة مع الحافلات وقد أزاحت عن كاهلها عبء وزن بطاريات الشحن. ومع أنّ هذا النظام غيرُ منافس للديزل من حيث التكلفة الابتدائيّة إلا أنّه مُنافسٌ جيّد من حيث تكاليف التشغيل وتخفيض حجم البطاريّات وأيضًا من حيث متطلّبات الصيانة. وقد أعلنت المملكة المتحدة اعتزامها اختبار الطرق السريعة في حالة الشحن أثناء القيادة في أغسطس من العام المنصرم، واتبعتهُ دراسة جدوى كاملة بواسطة (Highway England). وستقوم الاختبارات-ليتم تطبيق المشروع في هذا العام أو العام القادم –بتحديد الإمكانيّات المُحتملة للنظام للتقليل من تكلفة الوقود، وتقليل الضرر لأسطح الطُّرق وأيضًا التقليل من التأثير البيئيّ على الطبيعة المُحيطة شاملةً التحسين من جودة الهواء وتخفيض انبعاث العوادم وتقليل الضوضاء.
وقد صرّح وزير النقل الانجليزي اندرو جونز أنّ هذا النّظام يُقدّم إمكانيّات مُثيرة للدولة مُضيفًا أنّ الحكومة خصّصت 500 مليون يورو على مدار الخمسة أعوام القادمة لكي تجعل المملكة المتحدة مُتقدمة في هذه التكنولوجيا وإمكانية رفع فرص العمل والتنمية.
فيما لو نجحت التّجارب التي تجري في المملكة المتحدة فمن الممكن أن تقود إلى ثورة في سُبل النّقل المُستدام وستستمر هذه الاختبارات على مدى 18 شهر، وسيتمّ فيما بعد نقل التجارب إلى الطُّرق.في هذا الوقت بدأت بالفعل مدينة واحدة وهي مدينة ميلتون كينز العملَ بهذا النّظام بالرغم من محدوديّته ووجوب توقف الحافلات عدة دقائق للشحن.
بالتأكيد لا يخلو نظام الشحن اللاسلكي في المملكة المتحدة من المنتقدين، فعلى سبيل المثال د.بول نيوفنهويس، مدير مركز المركبات الكهربائيّة في كليّة كاردييف لريادة الاعمال، يُعتبر من المُشكّكين في هذا النظام من ناحية التكاليف وكون تكنولوجيا البطاريات آخذة في التحسن الدائم إذا أخذنا بعين الاعتبار ما قامت به شركة تسلا في الأعوام الأخيرة في هذا المجال.
وحتى لو تمكن نظام الشحن اللاسلكي من بلوغ شوارع بريطانيا، ستظل شركة Highway England عازمة على تركيب محطات شحن سلكية (plug-in charging point ) للمركبات الكهربائيّة كل 20 ميل على شبكة الطرق والذي بدوره سيساعد في تحسين استهلاك السيارات الكهربية .
يُذكر أنّ بعض الباحثين في مجال طاقة الرياح وتكنولوجيا الطاقة(IWES) في معهد فراونهوفر الألماني، وهو أحد المعاهد التي تبحث في امكانيّات الشحن اللاسلكي للمركبات الكهربية، قاموا بتطوير تصميم فعّال من حيث التكلفة -في اغسطس العام الماضي-مستخدمين مكونات قياسيّة مُنتشرة ومُتوفرة في سوق الجملة. واستطاعوا تقليل عدد صفائح الفريت الضخمة مُستخدمين نظام من الملفات والذي بدوره أدّى إلى تقليل التكلفة. وقد وجد المعهد أنّ السيارات التي تبعد 20 سم عن الملفات المدمجة بالطريق تصل كفاءة الشحن فيها إلى 93-95% وتظلّ هذه النسبة مُمكنة في مدى كلّي للشحن بين 400 واط إلى 3.6 كيلو واط. ومن المميزات الأخرى لهذا النظام أنّه يمكن عكس العملية، حيث من الممكن أن تعطي السيارة الكهرباء للشبكة مرة أُخرى إذا احتاجوا لذلك أيّ أنّ السيارات ستعمل كمخزن للطاقة الزائدة عن حاجة الشبكة وتعيدها عند الحاجة إليها.
وقد نجح المعهدان آخران في فراونهوفر (معهد تكنولوجيا التصنيع والمواد المتطورة IFAMو(معهد نُظم النقل والبنية التحتية IVI) في اختبار الشحن اللاسلكيّ للسيارات مُستخدمين طريق طوله 25 متر وملفات مُدمجة في الطريق. وقد استطاعت سيارة الاختبار -وهي عبارة عن سيّارة رياضيّة تم تحويلها لسيارة كهربائيّة-أن تقطع المسارَ بأكمله بسرعة متوسّطة بينما كانت تشحن البطاريات بشكلٍ آنيّ.
تقنيّة كهذه لا يجب أبدًا التقليل من شأنها وإن كانت في بادئ الأمر أبحاثًا حبيسة الأوراق في المختبرات فها هي الآن تُبصر النور في شوارع بريطانيا وايطاليا.
المصدر: هنا