الفيزياء والفلك > فيزياء
هل تعلم الذرات في تجربة الشقين أنها تخضع للمراقبة؟
طوّر نيوتن في القرن السابع عشر شرحاً لكيفية حركة الأشياء والذي يعرف باسم الميكانيك الكلاسيكي، حيث تربط قوانين نيوتن في الحركة بين القوة والاندفاع والتسارع وهي ممتازة في وصفِ حركة الأجسام التي نشاهدها في يومنا، ولكن عندما ننظر إلى الأجسام الصغيرة جداً كالذرات والجزيئات فإن الأمر مختلف حيث نجد أنه لا يمكننا تطبيق قوانين نيوتن هنا، لذلك فقد تم تطوير ميكانيك الكم لشرح سلوك هذه الأجسام الصغيرة جداً ومن أجل محاولة فهم نظرية الكم يجب علينا أن ننسى كل شيء نعرفه عن السبب والنتيجة حيث أن هذا عالم مختلف له قواعده الخاصة به، قواعد الاحتمالات التي ليس لها معنى في عالمنا اليومي ، يقول ريتشارد فاينمان في نظرية الكم " انه من المستحيل ، من المستحيل تماما تفسيرها بأي طريقة كلاسيكية "
أحد المبادئ الرئيسية في ميكانيك الكم مبدأ عدم التعيين لهايزنبرغ والذي يقول بأنه لا يمكننا معرفة كل من مكان واندفاع جسم صغيرة جدا في نفس الوقت، حيث أنه كلما كنا نستطيع تحديد مكان جسم ما بشكل أدق كلما قل ما نعرفه عن اندفاعه والعكس بالعكس.
ظهرت فكرة كون الضوء ذو طبيعية جسيمية وموجية في تفسير أينشتاين للمفعول الكهروضوئي ، ولكن لم تؤخذ الطبيعة الموجية الجسيمية للضوء على محمل الجد إلا بعد أن اقترح دي بروي أن الطبيعة الموجية الجسيمية للإلكترون هي المسؤولة عن سويات الطاقة المكممة في الهيدروجين وقد كان هناك تردد كبير في تقبل اقتراح دي بروي
من جميع التجارب في الفيزياء ربما تكون تجربة الشقين أحد أهم التجارب التي ساهمت في إثبات الطبيعة الموجية الجسيمية للضوء، ففي تجربة الشقين الشهيرة تمر الجسيمات الأولية كالفوتونات واحدة تلو الأخرى من خلال شاشة تحتوي على شقين. مما يؤدي إلى الحصول على أهداب تداخل على شاشة، هذا النوع من التداخل هو سمة مميزة لسلوك الأمواج مما يعني أن الضوء لابد وأنه يسلك سلوك موجة،
ولكن ماذا سيحدث في حال قررنا محاولة معرفة أي من الشقين هو المسؤول عن مرور هذا الشعاع
في حال تمت مراقبة أي من المسارين سيبدو الفوتون وكأنه يمر من أحد هذين المسارين ولن يتم رصد أي تداخل. وعلى العكس من ذلك فعند عدم مراقبة أي من المسارين سيبدو الفوتون وكأنه مر من خلال الشقين معاً في الوقت ذاته قبل التداخل مع نفسه والتصرف كموجة،
ولكن السؤال هنا هل للجسيمات الكونتية الكبيرة كالذرات مثلاً في تجربة الشقين الشهيرة أن تتصرف بشكل مختلف تبعاً لما إذا كانت تخضع للمراقبة أم لا؟.
طرح "جون ويلير" هذا السؤال في عام 1978 في تجربته الشهيرة "الاختيار المتأخر"، حيث أنه و في العام 1978 قام عالم الفيزياء النظرية الأمريكي "جون ويلير" باقتراح سلسة من التجارب الفكرية والتي قام فيها بالتساؤل عن امتلاك جسيم يمر ظاهرياً من شق مساراً محدداً بدقة يمر فيه من أحد الشقين أو كليهما معاً. وفقاً له اذا قام المجرب بفعل أي شيء لمعرفة أي الثقبين سوف يمر عبره الفوتون فإنه سيغير من نتيجة التجربة ومن سلوك الفوتون، فإن عرِفَ المجرب أي الثقبين سيمر عبره الفوتون فإن الفوتون سيسلك سلوك جسيم بينما سيسلك سلوك موجة اذا لم يكن المجرب على علم بأي الثقبين سيمر الفوتون.
تم الآن إدراك جواب السؤال الذي قام ويلير بطرحه تجريبياً باستخدام جسيمات كبيرة لأول مرة، حيث أظهرت النتيجة أنه من غير المنطقي تحديد فيما إذا كان لجسيم كبير أن يوصف بسلوكه الموجي أو الجسيمي قبل القيام بعملية القياس..
يجدر الإشارة إلى أنه في التجربة يتم اتخاذ قرار مراقبة الفوتونات بعد انبعاث الفوتونات، وبالتالي دراسة التأثيرات الممكنة لعملية المراقبة
كمثال على ذلك، ماذا يحدث عند اتخاذ قرار إغلاق أو فتح أحد الشقين بعد أن تختار الجسيمات المرور بأحد الشقين أو كليهما؟
إذا استمر ظهور نمط التداخل عند الإبقاء على الشق الثاني مفتوحاً، فهذا إما يرغمنا على الاستنتاج بأن قرارنا بمراقبة مسار الجسيم يؤثر على قراره السابق بخصوص أي المسارين سيأخذ، أو التخلي عن المبدأ الكلاسيكي القائل بأن موضع الجسيم يحدد بشكل مستقل عن قياساتنا.
الفوتون أولاً:
بينما كان ويلير متصوراً ذلك على أنه مجرد تجربة فكرية، فإن تقدم التجارب سمح لـ "ألين أسبيكت" وزملائه في فرنسا بتطبيق ذلك فعلياً عام 2007 باستخدام فوتون واحد، بالاعتماد على مقسمات الأشعة –أجهزة تستخدم لتجزئة شعاع ضوئي أو أي شعاع كهرومغناطيسي إلى شعاعين أو أكثر – بدلاً من الشقوق التي تصورها ويلير. عند مقسم الحزمة الأول BSinput سيمر قسم من الشعاع وينعكس قسم آخر، وبالتالي سينقسم الشعاع بين مسارين path 1 و path 2 يسافر كل منهما مسافة 48 متراً تقريباً، وعن طريق إدخال أو إزالة مقسم شعاع ثانٍ BSoutput بشكل عشوائي (عن طريق مولد أرقام عشوائي يقوم بإعطاء رقم عشوائي بعد انبعاث الفوتون بقليل مما يحدد اذا ما كان سيتم وضع أو إزالة مقسم الشعاع الثاني ) تمكن الباحثون إما من إعادة توحيد المسارين ( بإدخال مقسم شعاع ثان ) أو تركهما منفصلين (بإزالته ) جاعلين بذلك من المستحيل لمراقبٍ ما أن يعلم المسار الذي سلكه الفوتون. تُسمى هذه التجربة " تجربة ممحاة الاختيار الكمومي"، لأنه تقوم بمحي الأدلة التي تخبرنا عن القرار المحتمل للجسيمات (الفوتون في تجربة ألين أسبيكت).
كما أظهروا انه إذا تم إدراج مقسم الشعاع الثاني، حتى ولو بعد مرور الفوتون من المقسم الأول، فإن نمط التداخل سيظهر.
وقد تابع "أندرو ترسكوت" وزملاؤه في الجامعة الوطنية الاسترالية تجربة ويلير ولكن باستخدام ذرات تم حرفها باستخدام نبضات ليزر بدلاً من الفوتونات التي تم حرفها بواسطة المرايا ومقسمات الأشعة.
حيث قاموا باحتجاز مجموعة من ذرات الهيليوم في حالة معلقة تعرف باسم كثافة بوز أينشتاين ثم قاموا بقذفها إلى أن لم يبقى سوى ذرة وحيدة فقط ، تم صدم هذه الذرة بنبضات الليزر مما أدى إلى حرفها إلى تراكب متساوٍ من حالتين لحظيتين تسيران باتجاهين مختلفين مع فرق طور قابل للتغيير وكان هذا أول مقسم شعاع.
قرر بعدها الباحثون اذا ما كانوا سيقومون بتطبيق نبضة ليزر ثانية لإعادة دمج الحالتين وخلق حالة مختلطة –واحدة ناتجة عن جمع الموجتين والأخرى عن طرحهما أي بمعنى أخر الحصول على تداخل بناء أو هدام وهو الأمر الذي سنقوم بافتراضه فيما لو تحركت الذرة في كلا المسارين كموجة، ولكن عند عدم إضاقة نبضة الليزر الأخرى لم يرصد أي تداخل كما لو أن الذرة قامت باختيار احد المسارين فقط.
تم اتخاذ قرار إضافة أو إزالة نبضة الليزر الثاني باستخدام مولد أرقام عشوائية كمومي. عند تطبيقه فإن نبضة الليزر الأخيرة هذه جعلت من المستحيل معرفة أي من المسارين سلكه الفوتون.
نبض مزدوج:
وجد فريق "ترسكوت" أنه عند عدم تطبيق نبضة الليزر الثانية، فإن احتمال رصد الذرة في كل من الحالتين اللحظيتين كان 0.5، بغض النظر عن تأخير الطور بينهما. مع ذلك فإن تطبيق النبضة الثانية أنتج نمط تداخل مميز على شكل موجة جيب "Sine-wave". فعندما كانت الموجات في الطور نفسه عند وصولها إلى مقسم الشعاع تداخلتا بشكل بناء حيث دخلتا في الحالة المتشكلة عن جمعهما. أما عندما كانتا في طورين متعاكسين دخلتا في الحالة المتشكلة عن طرحهما.
وهذا عنى أن القبول بحدسنا الكلاسيكي حول المسارات المحددة بدقة للجسيمات المتحركة من شأنه أن يجبرنا على قبول السببية العكسية.
يقول ترسكوت "لا يمكنني أن أبرهن أن ذلك ليس الذي يحدث ، ولكن 99.999% من الفيزيائيين سيقولون أن القياس يجلب الراصد إلى الواقع، وإلى النقطة التي تختار فيها الجسيمات أن تكون موجة أو جسيم"
بالفعل، إن النتيجة النهائية لكل من تجربة ترسكوت وأسبيكت تظهر أن طبيعة الجسيمات كموجة أو كجسيم على الأغلب لا تحدد إلا بعد القيام بالقياس. أما الخيار الثاني و الأقل رجحاناً سيكون خيار السببية العكسية والذي يقول بأن الجسيمات بطريقة ما لديها معلومات من المستقبل، ولكن هذا يتضمن إرسال رسالة أسرع من الضوء، ومن الجلي أن قوانين النسبية تمنع ذلك.
أسبيكت كان مندهشاً جداً من البحث وقال: "إنه لعمل رائع بحق، بالطبع في هذا النوع من الأمور لا يوجد مفاجئات حقيقية، ولكن هذا إنجاز جميل"، بعيداً عن الفضول سيكون لهذه التكنولوجيا التي طورت استخدامات عملية. إن قُدرتنا على التحكُم بذرةٍ وحيدةٍ بهذا القدر من الدقة ستكون مهمة ونافعة جداً في مجال المعلومات."