الهندسة والآليات > الاتصالات والشبكات
نافذة جديدة إلى عالم التيرا هيرتز - عدساتٌ بمعماريَّة مبتكَرة تعمل ضمن نطاق أشعة التيرا هيرتز.
كثيرٌ من الأجهزةِ في وقتنا الحالي تستخدمُ الموجاتِ للقيامِ بِوظائفها، ومن هذه الموجاتِ المستخدَمةِ (موجات الراديو، موجات الهاتف النقال، موجات المايكرويف، موجات الرادار، موجات الأشعة السينية.. إلخ).
ومن المعلومِ أنَّ لكلِّ نوعٍ من تلك الموجاتِ استعمالاتُها الخاصة.
وهناك نوعٌ من الموجات لم تُستَغل بالشكلِ الأمثل وهي الموجاتُ التي تعمل ضمن نطاقِ التيرا هيرتز، وذلك يعود لقِلَّة الأجهزة التي يُمكن أن تتعامل مع هذه الموجات.
مؤخَّراً قام العلماء بتطوير نوعٍ جديدٍ من العدسات قادرٍ على تركيز أشعة التيرا هيرتز بكفاءةٍ عالية، مما سيفتح المجالَ لاستغلالِ هذا النوع من الموجات.
كيف صُمِّمَت هذه العدسات وما مجالات استخدامِها؟ تابعوا معنا المقال التالي:
يقعُ نطاقُ أشعةِ التيرا هيرتز في الطيفِ الكهرومغناطيسي بين نطاقِ الموجاتِ تحتَ الحمراءِ ونطاقِ موجاتِ المايكرويف، أيْ أنَّ تردُّدَ أشعةِ التيرا هيرتز يتراوحُ بين 100 GHz حتى 10000 GHzأيْ (10 THz). وتُعتبَرُ الأشعةُ ضمن هذا النطاقِ التردُّدي من الأشعةِ التي لمْ تُسْتَغلْ بشكلٍ كافٍ، على الرغم من أنَّها تُبَشِّرُ بِعددٍ كبيرٍ جداً من تطبيقاتِ التصويرِ الجديدةِ وشبكاتِ الاتصالاتِ اللاسلكيةِ التي تعملُ عند نطاقاتٍ تردُّديةٍ عاليةٍ جدًا وغير ذلك من التطبيقات، ويعودُ سببُ عدمِ الاستغلالِ الأمثلِ لهذه الأشعةِ إلى قِلَّةِ عددِ الأجهزةِ أو العناصرِ الإلكترونيةِ التي تستطيعُ أنْ تتعامل مع موجاتٍ في هذا النطاقِ التردُّدي.
إنَّ أيَّ نظامٍ ضوئيٍّ يتعاملُ مع تردُّداتٍ من رتبة التيرا هيرتز سيحتاج حتماً إلى عدساتٍ تقومُ بوظيفةِ تركيزِ الأشعةِ الواردةِ، سواءً أكان ذلك في مجالِ التصويرِ أو في مجالِ الاتصالاتِ اللاسلكيةِ أو في أيِّ مجالٍ آخر، ومعظمُ العدساتِ المُستخدَمةِ حالياً تقومُ بتركيزِ الطاقةِ الضوئيةِ بالاستفادةِ من خصائصِ انكسارِ المادةِ المُستخدَمة. فالنظاراتُ الطبيةُ على سبيلِ المثال، تستخدِمُ الزُّجاجَ المحدَّبَ لِثنيِ الضوءِ المرئيِّ وتركيزِهِ على بقعةٍ معينة. ولكن كما سنلاحظُ لاحقاً، أنَّ عدساتِ التيرا هيرتز هذه لا تعتمدُ على خصائصِ المادةِ التي تمَّ تصنيعُها مِنها وإنما تعتمدُ على طريقةِ بناءِ هذه المادة.
فقد قام مجموعةٌ من الباحثين في جامعةِ براون بِتطويرِ نوعٍ جديدٍ من العدساتِ التي تعملُ على تركيزِ أشعةِ التيرا هرتز بطريقةٍ مختلفةٍ وبكفاءةٍ تساوي أو تفوقُ كفاءةَ عدساتِ التيرا هيرتز الموجودةِ حالياً.
تتكونُ هذه العدساتُ الجديدةُ من مصفوفةٍ من الصفائحِ المعدنيةِ المَكْدَّسَةِ بحيث تفصلُ بينها مسافاتٌ صغيرةٌ. وما يُمَيِّزُها عن غيرها، هو معماريةُ التصنيعِ المبتكرةِ التي يمكنُ أنْ يُسْتَفَادَ منها لِتصنيعِ عناصرَ أُخرى قادرةٍ على التعاملِ مع أشعةِ التيرا هيرتز، حيث أنَّ خصائصَ الموادِّ المستخدَمةِ في هذه العدساتِ ليستْ مهمةً -كما في العدسات القديمة- بِقَدْرِ أهميةِ طريقةِ ترتيبِها.
عنوان الصورة (2): عدسات التيرا هيرتز
تتكونُ هذه العدساتُ من 32 صفيحةٍ معدنيةٍ، كلُّ صفيحةٍ بِسماكةِ 0.1 ميلي متر، ويفصلُ بينَ كلِّ صفيحةٍ وأخرى مسافةُ 1 ميلي متر. تحتوي هذه الصفائحُ على شقوقٍ نصفِ دائريةٍ بقياساتٍ مختلفةٍ مَقْصُوصَةٍ من إحدى حوافِّها. فعِندَمَا يدخُل شعاعُ التيرا هيرتز طَرفَ الإدخالِ لِلجهاز، يتمُّ تقسيمُهُ إلى أجزاءٍ تعبُرُ العدَسَةَ من خِلالِ المسافاتِ الفاصِلةِ بين الصفائحِ المعدنية، ويقومُ طرفُ الخَرْجِ المُقَعَّرِ من العدسةِ بِثَنيِ أجزاءِ الشُّعاعِ المختلفةِ بدرجاتٍ متفاوِتَةٍ بحيث يتمُّ تركيزُها جميعاً في نقطةٍ معيَّنة.
وقد أدَّتْ هذه المِعْمَارِيَّةُ المبتكَرةُ في ترتيبِ العناصرِ ضمنَ هذه العدساتِ إلى تخفيضٍ كبيرٍ في فَقْدِ الإرسالِ(1)، مقارنةً مع تلك العدساتِ المصنوعةِ من السيلكون أو التيفلون والتي قد يصلُ فَقْدُ إرسالِها إلى 50% تقريباً، بينما يبلغُ فقدُ إرسالِ العدساتِ الجديدةِ 20% فقط.
وهناك ميزةٌ أخرى لهذهِ العدساتِ الجديدةِ ليستْ موجودةً في العدساتِ المستخدَمةِ اليوم، وهي إمكانيةُ مُعَايَرَتِها لتُصبحَ مناسبةً لِأطوالٍ محدَّدةٍ من موجاتِ التيرا هرتز، وذلك من خلالِ تغييرِ المسافاتِ الفاصلةِ بين الصفائحِ المعدنيةِ لِلعدسات. وتكمنُ أهميةُ هذه الميزةِ في أنَّها تُتِيحُ إمكانيةَ تصويرِ الأشياءِ عندَ تردُّدٍ واحدٍ فقط بعدَ استبعادِ بقيةِ التردُّدات.
كما يُمكِنُ أنْ تُستخدَم نفسُ التقنيةِ أيضاً في تصنيعِ جهازٍ يعملُ على فصلِ الأشعةِ المستقطَبةِ(2) في موجاتِ التيرا هرتز، حيث يقومُ بالفصلِ بين الموجاتِ حسب حالتِها الاستقطابية. ويمكنُ استخدامُ مثلِ هذا الجهازِ في تصنيعِ بواباتٍ منطقيةٍ للأنظمةِ الضوئيةِ التي تعملُ عندَ تردُّداتٍ من رتبةِ التيرا هرتز، حيثُ يتمُّ تعيينُ الحالةِ المنطقيةِ الثنائيةِ (0 أو 1) بحسب حالتي استقطابِ الشعاع.
الخاتمة:
لطالما كانتِ الموجاتُ الكهرومغناطيسية تُخفي في ثناياها الكثيرَ والكثيرَ من الفوائدِ والاستخداماتِ لِجنسنا البشري، فأنظمةُ الاتصالِ اللاسلكي بِجميعِ أنواعِها ما هي إلَّا إحدى تطبيقاتِها، بل إنَّ الضوءَ المرئيَّ بِجميعِ ألوانِهِ ما هو إلا جزءٌ صغيرٌ من أجزائِها. شاركونا بآرائكم عن الفوائدِ والاستخداماتِ التي قد توفِّرُها لنا موجاتُ التيرا هيرتز في المستقبلِ القريب.
(1) يُعبِّر فقْدُ إرسال الشُّعاع عن الخسارةِ في كميةِ الإشعاعِ أو طاقة الشعاعِ عندَ عبورِه من مدخلِ الجهازِ إلى مخرجِه نتيجةً لانعكاسِ أجزاءٍ من الشُّعاعِ و تَبَدُّدِ أجزاءٍ أخرى.
(2) الموجة المستقطَبة: هي الموجةُ التي تَتَذَبْذبُ في اتجاهٍ واحدٍ فقط.
المصدر: