الطب > مقالات طبية

كم يستطيع الجسم البشري تحمل الضغط تحت الماء؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

باختلاف طريقة نظرك إلى الموضوع، فإمّا أنْ تَجدَ الجسمَ البشريَّ من أكثرَ الأشياءِ على الأرضِ مرونةً، أو من أكثرِِها عُرضةً للعطب. فمن الناحية الأولى، نحن نستطيع القيامَ بأمورٍ مذهلةٍ، كمعالجةِ الجروحِ، والقضاءِ على الجراثيمِ، أو حتى شفاءِ الكسورِ في عظامنا. ولكن إذا نظرتَ من ناحيةٍ أخرى، فبالرُّغم من قدراتِنا العديدةِ، ستجد أنّنا رقيقون للغاية مقارنةً بالعالمِ من حولنا.

هنالك حيّزٌ صغيرٌ جداً من الشروط حيث يمكننا العيشَ والازدهار، ولكنْ مقارنةً بظروفِ الكونِ من حولنا، فإنّ أيَّ تغيّرٍ بسيطٍ في هذه الشروط، كنقصٍ في الأوكسجين أو البردِ القارصِ أو القليلِ من الأشعةِ النووية، قد يعني موتَنا في لمح البصر.

ولكن ما الذي نستطيع تحمّلَه بالتحديد؟ وما هي الحدودُ التي نستطيعُ فيها النجاةََ؟، وما الذي يحدث لأجسادِنا عندما نتخطّى هذه الحدود؟

"هنا سوف نستكشف معاً بعضَ ن0قاط انهيارِ الجسمِ (العديدة). وسنتناول في هذا المقال ضغطَ الماء."

يمكن تعريفُ الضغطِ بشكلٍ عام على أنّه القوةُ المطبّقةُ على وحدةِ المساحة، على سطحٍ ما. فنحن خاضعون دوماً لحدٍ معينٍ من الضغط، ولكننا لا نلاحظُه. فنسمعُ عن ضغط الهواء في قناةِ الأحوالِ الجوية، ولكن في حقيقةِ الأمرِ لدينا ضغطٌ خاصٌّ بنا في أجزاءِ جسمِنا المحتويةِ على الهواءِ كالرئتين والمعدةِ والأُذُنَين. غالباً ما يكون ضغطُنا الداخليُ مساوياً لضغطِ الهواءِ الخارجي (وزن الغلاف الجوي الذي يضغط علينا).

عادةً ما نشعرُ بالانزعاجِ عند ابتعادِنا عن مستوى سطحِ البحر، فضغطُنا الداخليُ يصبح مختلفاً عن الضغطِ المحيطِ بنا. وهذا هو سببُ إيلامِ أذنينا عند ارتفاعِنا في الطائرةِ أو عندما نغوصُ عميقاً في البحر.

أستطيعُ التفكيرَ ببضعِ حالاتٍ ناتجةٍ عن تغيّرِ الضغطِ حولَنا، وهذه الحالاتُ ليست مثاليةً لنا كبشَرٍ على أقلّ تقدير، إحداها هي ما قد يحدث لنا في حالِ انتقلنا فجأةً إلى عمقِ البحرِ دون ارتداءِ بذلةٍ مخصّصةٍ لتحمل الضغط.

يمكن اختصارُ نتيجةِ ذلك بكلمةٍ واحدة، الموت!

ولنفهمَ ذلك أكثر..

هل تساءَلت يوماً لمَ لا نستطيعُ صناعةَ قصباتٍ طويلةٍ جداً لنتنفسَ تحتَ الماء؟ هذا يبدو حلّاً سهلاً وواضحاً لنتنفسَ دونَ الحاجةِ لحملِ أسطوانةِ أوكسجين، ولكن هناك سببٌ وجيهٌ لعدمِ جدوى هذا الحل. فلكل 10 أمتارٍ ينزلُها الغطاسُ يزداد ضغطُ الماءِ عليه بمقدار 760مم زئبقي، وهو ما يعادلُ الضغطَ الجويَّ على مستوى البحر، أي عند نزولِ أولِ 10 أمتار يزدادُ الضغطُ بمقدار الضعف.

نلاحظ على عمق بضعةِ أمتارٍ عن مستوى سطحِ الماء أنّ الضغطَ سيكون كبيراً جداً على عمل العضلاتِ المسؤولةِ عن تقلصِ واسترخاءِ الرئتين، مما يجعلُ التنفسَ أمراً صعباً جداً.

ضغطُ الماءِ الناتجِ مثلاً عن عمقِ أقلِ من مترٍ غيرُ كافٍ ليتسببَ لنا بأذيةٍ خطيرة، ولكن بالنظرِ إلى المستوياتِ الأعمقِ سيتضحُ لنا كيف يؤثّر علينا الضغطُ تدريجياً.

على عمقٍ 30 متراً، حيث يُطبّقُ عليك أربعةُ أضعافِ الضغطِ الجوي، يبدأ النسيجُ الإسفنجيُ للرئةِ بالتقلّصِ، مما يبقي لديكَ كميةً قليلةً من الهواءِ الذي استنشقتَه من على السطح. هنا تظهر ردّةُ فعلٍ تدعى "استجابةََ الغطس"، والتي تقومُ على تقلّصِ أوعيةِ الأطرافِ ودفعِ الدمِ باتجاهِ الأعضاءِ الأكثرِ حاجةً كالقلبِ والدماغ. هذا الدمُ الزائدُ سوف يؤدّي لتوسّعِ الأوعيةِ الدمويةِ في الصدر، فيتساوى الضغطُ الداخليُ مع الضغطِ الخارجي. خلالَ هذه الغطساتِ العميقة، قد ينخفضُ عدد ضرباتِ قلبِ الغوّاص إلى 14 ضربةً في الدقيقة، وهو ما يعادل ثلثَ معدلِ ضرباتِ القلبِ لشخصٍ في غيبوبة.

لا يملك العلماءُ تفسيراً محدّداً للطريقةِ التي تسمحُ لنا بالحفاظِ على الوعيِ عندَ عمقٍ كبيرٍ كهذا، ولكنّ غريزةَ البقاءِ لدينا قادرةٌ على القيام بأمورٍ عظيمةٍ عندما تكون متعلقةً بالموت أو الحياة. وهذه آليةٌ مناسبةٌ بالتأكيدِ للحفاظِ على حياتِنا في مثل تلكَ الظروفِ، ولكننا لن نستطيعَ الصمودَ طويلاً.

إذا وجدتَ نفسَك بطريقةٍ ما عالقاً في أحدِ أعمقِ أجزاءِ المحيط، فسوف يكونُ لديكَ بضعَ مشاكلٍ تقلقك. لن يكون نقصُ الأوكسجين أو البردُ القارصُ أو حتى مخلوقاتُ المحيطِ الرائعةُ أكبرَ همومك، إنّما سيُشكّل ضغطُ الماءِ الهائلُ المطبقُ عليك قلقَك الأول.

بما أنّ ضغطَ أعضائِك الداخليةِ أقلُّ بكثيرٍ من الضغطِ المحيطِ بك، فلن تستطيعَ رئتيك معاكسةَ ضغطِ الماء، وسوف تصلُ إلى عمقٍ تنهارُ فيه رئتاكَ كلياً مما سيتسببُ بقتلك مباشرةً.

يُعدّ هذا أسوأَ سيناريو قد تواجهه من الضغطِ تحتَ الماء. ولحسنِ الحظ، لن يضطرَّ معظمُنا إلى مواجهةِ عمقِ البحر بهذا الشكل.

إذاً، إلى أيّ عمقٍ نستطيعُ أنْ نصل؟ لم يستطع العلماءُ أنْ يُحدّدوا حتى الآن وبشكلٍ واضحٍ حدَّ العمقِ الذي نستطيع تحمَّله تحتَ الماء. وسُجِّلَت حالاتٌ لغوّاصين يتحملون أعماقاً هائلة (ليس من دون أعراضٍ جانبية). فبدون استخدام أيِّ وسيلةِ تنفّسٍ تحت الماء، لا يتجاوز معظم الغوّاصين المحترفين ما يقاربُ عمق ال120 متراً.

ويجدر بالذكرِ أنّ الرقمَ القياسيَ المسجّلَ بين هؤلاء الغوّاصين يعادل 281 متراً!

ولكن، وفي الطرف الآخر تماماً من المعادلة، وباستخدامِ غوّاصاتِ الأعماق، تمكّنت أربع غوّاصاتٍ حتى الآن، اثنتان منها فقط كانتا تحملان بشراً، من بلوغ عمق 10،916 متراً حيث تتواجدُ أعمقُ نقطةٍ معروفةٍ على الأرض.

يملك العلماءُ فكرةً عمّا سيحدثُ لغوّاصٍ يتجاوز حدود جسده. فقد يموت الغوّاصُ من نزيفٍ في الرئة، أو فشلِ القلبِ نتيجةَ الجهدِ الزائدِ اللازمِ لضخِّ الدمِ المُعادِ توزيعُه.

ولكن الطريقةَ الوحيدةَ لاختبارِ تلك الحدودِ ستكون بتطبيقِها على إنسانٍ حقيقي، و ليس هنالك بشكلٍ واضحٍ أيُّ دراساتٍ تساعدُنا في تشكيلِ جوابٍ لهذا السؤال.

المصدر:

هنا

هنا

هنا