الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
لتنجو من الانقراض الجماعي؛ عش سريعًا ومُت وأنت في ريعان الشباب
في دراسة حَديثة نُشِرت في Scientific Reports، أثبتَ فريقٌ من علماءِ الحفرياتِ الدوليين أنَّ أقاربَ الثديات القديمة والمعروفة بـ "ثيرابسيدا" تمكَّنتْ من التأقلمِ مع التغيرات القاسية في المناخ عن طريق امتلاكِها لمتوسط عمر أقصر من المتوقع، وزادتْ فُرصَها بالنجاة بتناسلها في أعمار أصغرَ من الأعمار التي تناسلت فيها أسلافُها. درسَ الفريقُ أنماطَ النمو لدى حفريات الثيرابسيدا المستخرجةِ من حوض كارو في جنوب إفريقيا، وهي منطقةٌ كبيرةٌ تحتفظُ بمجموعةٍ واسعةٍ من الحفريات عمرها 180-300 مليون سنة تعود إلى الفترة الممتدة ما بين العصر البرمي Permian والجوراسي الباكر.
تمكَّنَ الفريقُ البحثي من خلال دراسةِ التركيبِ المجهري لعظام الثيرابسيدا قبل الانقراض وبعده من تحديد كيفية تأثير الانقراض في أنماط النمو لديها. ومن خلال دراسة تَوَزُّعِ حجم الجسم خاصةً لدى الأنواع التي كانت منتشرةً بكثرة في العصرين البرمي والترياسي، تمكَّن الفريق من تفسيرِ التحولات في حجم البنية ومعدلات البقاء على قيد الحياة لدى تلك الأنواع. اهتمتْ هذه الدراسة خاصة بسحلية المجرفة Lystrosaurus وذلك لنجاحِها في النجاة من الانقراض البيرموترياسي؛ إذ سيطرتْ على الأنظمة البيئية حول العالم لملايين السنين خلال فترة التعافي من الانقراض الجماعي، وكوَّنت ما نسبتُه (70-90)% من الحفريات الفقارية التي وُجِدَت في الصخورِ العائدةِ للعصر الترياسي الباكر في منطقة حوض كارو.
تعودُ أهمية حفريات الثيرابسيدا وخاصةً سحلية المجرفة في أنَّها شرحتْ لنا مدى المرونة التي تَمَتَّعَ بها أقاربُنا المنقرضون في التعامل مع الانقراض، وعرَّفَتنا على الصفاتِ التي أورثَتها لذريتِها والتي ساعدتها على النجاة خلال ذلك الوقت الصعب. كانت السحالي كثيرة النسل، وقد مكَّنت حفرياتُها الكثيرةُ العلماءَ من بناء قاعدة بياناتٍ كبيرة والتضحيةِ ببعض العينات لصالح علم الأنسجة من أجل دراسة أنماط النمو المسجلة في عظامها.
قبل الانقراض البيرموترياسي كانت السحالي تعيشُ قرابةَ 13 أو 14 عاماً وذلك بناءً على سجل النمو المحفوظِ في عظامها، أما بعد الانقراض كانت فترةُ الحياة لكل عينات السحالي التي اكتشفت تقريباً في سنتين إلى ثلاث سنوات فقط، وهذا يدل على أنهم قد تناسلوا في أعمار صغيرةٍ نسبياً.
إنَّ التحولات في تاريخ الحياة لدى السحالي تعنى أيضاً حدوثَ تغيراتٍ جسديةٍ لديها، فقد بلغ طولها قبل الانقراض الجماعي عدةَ أمتار وكانت تزن مئات الباوندات لتقارب بحجمها فرس النهر القزم أما بعد الانقراض فقد تَناقصَ حجمها ليصبح بحجم كلب كبير.
أظهرت النماذجُ المصممةُ لمحاكاة الأنظمة البيئية في تلك الفترة أنَّ السحالي تمكنتْ من زيادةِ فرصتها في النجاة من الظروف البيئية المتقلــِّــبةِ التي خَلَّفَها الانقراض بنسبةٍ وقدرها 40% بتناسلها في أعمارٍ صغيرة. لا يقتصرُ التغير في سلوك التناسل على الحيوانات القديمة، فقد هدَّد نشاط الإنسانِ وجودَ سمك "القدّ الأطلسي" في القرن العشرين؛ إذ تَسببَ صيدُ سمك "القدّ" للأغراض الصناعية بتنحية معظم الأفراد الكبيرة من تعداده، مما سبب تراجعاً كبيراً في متوسط حجم هذا النوع فأُجْبِرَت الأفراد المتبقيةُ على التناسل في أبكرِ وقتٍ ممكنٍ من حياتها. ظهرت أيضاً تحولاتٌ مشابهةٌ في السحالي الإفريقية وفي أنواع أخرى.
هناك أدلةٌ مادية تؤكدُ على أننا نعيش حالياً الانقراضَ الجماعي السادس على الرغم من صعوبة رؤية آثاره في حياتنا اليومية، ومن المُتوقع أنَّ تنقرض نصفُ أنواع الثديات بحلول القرن القادم في حال استمرت أنماط النمو الحالية، وهذا الأمر لم يحدثْ منذ نهاية العصر البرمي أو نهاية العصر الطباشيري، وهو أكبرُ بـ 1000 مرة من التوقعات السابقة للانقراضات الطبيعية.
في خِضَّم مواجهتِنا لحدث الانقراض الجماعي السادس في الوقت الحالي، لابدَّ لنا من الاستعانة بالدراسات الأُحفورية لفَهْم العالم من حولنا، فمثلاً من خلال دراسة كيفيةِ تَأَقْلُم الحيوانات مثلِ السحالي في مواجهة الكوارث سنكون قادرينَ على التنبؤِ على نحوٍ أفضلَ بالتغيرات البيئية التي يمكن أن تؤثرَ في الأنواع الحديثة.
المصدر:
إذا كنت من هواة مواضيع الانقراض فلا تفوت مقالاتنا السابقة من