الغذاء والتغذية > منوعات غذائية
عقاقير الإقلاع عن التدخين تحارب حبنا للسكر
بينت دراسةٌ تمت في جامعة Queensland University of Technology في مدينةِ Brisbane بأستراليا، وStanford Research Institute (SRI International) في كاليفورنيا أنّ العقاقيرَ المستخدمة لمكافحة التدخينِ منَ المُمكنِ أن تَقضِيَ على الرّغبةِ الشديدة بتناولِ السُّكر أو ما يسمى بالتوق للسكر Sugar Cravings. وقد أُجريت هذه الدراسة على جرذان التجارب باستخدام عَقار Varenicline (Cahmpix)المستخدمِ لتهدئةِ نوباتِ الرغبةِ الشديدةِ بالنيكوتين للتأكد ما إن كان له دورٌ مشابهٌ في خفضِ الرغبةِ بتناول الأطعِمةِ والمشروباتِ المُحَلّاة.
يستهدفُ عَقارُ Varenicline ما يُعرفُ بـ"مساراتِ المكافأة (الإثابةِ) Reward Pathways" في الدماغ، وهي مناطقُ تستجيبُ لمثيراتٍ مُعيَّنةٍ تَتراوحُ بين العقاقيرِ المحظورة أو الجنس أو الإدمانِ على الأطعمةِ المُحَلّاة. وتستجيبُ هذهِ المساراتُ عن طريقِ تحريرِ كمياتٍ أكبرَ من الناقلِ العصبيِّ Dopamine المسبِّبِ للشعورِ الجيدِ والمُمتعِ، والذي يمكنُ أن يُحَفِّزَ مشاعرَ اللَّذة. ويقومُ عَقارُ Varenicline -الذي يَتِمّ استخدامُه للراغبينَ بالامتناعِ عن التدخينِ- بإعاقةِ المُستقبِلاتِ في هذه المساراتِ، مما يَمنعُ النيكوتين من تحفيزِ دائرةِ الإثابةِ والاستِجابة.
هذا وقد أظهرت الدِّراساتُ السابقةُ والتي تمّ فيها إعطاءُ الجرذان كَمّيةً زائدةً منَ المشروباتِ المُحَلّاةِ ارتفاعاً في مستوياتِ الدوبامين Dopamine في منطقةٍ بالدماغِ تُعرَفُ بالنواةِ المُتّكِئةِ Nucleus Accumbens، وهي جزءٌ من المسارِ الحَوفيِّ المتوسطِ المشارِ إليهِ عادةً بمسارِ الإثابة. تُسبّبُ الأفعالُ التي تَجلبُ الشعورَ بالمتعةِ كتناولِ الطعامِ أو تَعاطي نوعٍ مُعَيّنٍ من العقاقيرِ تَحرُّرَ المُركّبِ الكيميائيّ الدوبامين في هذا المسارِ، مما يُسبِّبُ رغبةً أكبرَ بالمُحفِّزِ المُؤثِّر. وقد أظهرَت الدراساتُ التي تمّ إجراؤُها على جرذانِ التجربةِ أنِّ حجب الكميات الزائدة من السكرِ لاحقاً، تسبَّب بتأثيرٍ مُماثلٍ لما نراهُ لدى الأشخاصِ المدمنين على مَوادَّ مثلَ النيكوتين والكحولِ والهيروين عندما لا يتناولون هذه المواد.
بالعودة لدراسة تأثير عَقار Varenicline فقد أُعطِيَت مجموعتان من جرذان التّجربةِ مَحلولاً سُكرياً لمدةِ أربعةِ أسابيعَ أو اثنَيْ عشرَ أسبوعاً. وعندما تَم إعطاؤُها عقارَ Varenicline بعدَ هذهِ الفترةِ الزمنية، أدّى ذلكَ إلى انخفاضِ استِهلاكِهم للسكرِ لمُدةِ ثلاثينَ دقيقةً. مما يدل على أنَّ استهلاكَ السكرِ يَرتبطُ بنفسِ مسارِ الإثابةِ الذي تَرتبِطُ بهِ الموادُ التي رُبما تكونُ مُسببةً للإدمانِ –مثلَ النيكوتين- وذلكَ لدى جرذان التّجربةِ على الأقل.
وحول تفاصيل النتائج فقد وجدَ الباحثونَ أنَّ الـVarenicline قلَّلَ بشكلٍ ملحوظٍ من استهلاكِ السُّكرِ بعدَ كلٍّ من الفترتينِ القصيرةِ والطويلةِ من التعرُّضِ المتقطِّع للسُّكر، ومع ذلكَ فإنَّ الـVarenicline كان فعّالاً فقط عندَ الجرعاتِ المرتفعةِ (2ملغ/كغ من وزن الحيوانِ) في مجموعةِ التَّعرُّضِ لفترةٍ قصيرة، أما في مجموعةِ التعرُّضِ لفترةٍ طويلةٍ فقد كان فعالاً عندَ كلٍّ من الجرعتينِ المُنخفضةِ والمرتفعةِ (1 و 2 ملغ/كغ). استمرّ تأثيرُ العَقارِ حتى ما يُقارِبُ ثلاثينَ دقيقةً، بينما تلاشى أيُّ تأثيرٍ له عندَ إجراءِ التقييمِ بعدَ مدةِ أربعِ ساعاتٍ وأربعٍ وعشرينَ ساعةً من الحَقْن.
ومن المثيرِ للاهتمامِ أن الـVarenicline لم يكُنْ فعالاً لدى الجرذان التي أُتيحَ لها استهلاكٌ مُستمرٌّ لامحدودٌ منَ المحلولِ السُّكريّ. وكان لعَقارِ الـMecamylamin تأثيرٌ مُماثلٌ للـVarenicline عند كِلا الجُرعتَيْنِ 1 و2 ملغ/كغ، وعلى خلافِ الـVarenicline كان فعالاً حتى ساعتينِ بعدِ الحَقْن.
وقد أَثْبتَ فحصُ أدمغةِ الجِرذانِ ما توقّعُهُ الباحثونَ بأنَّ استهلاكَ السكرِ يرتبطُ بزيادةِ الرِّبْطِ عندَ مستقبلاتِ nicotinic acetylcholine في النّواةِ المُتَّكِئة، وبطريقةٍ مُماثلةٍ للنيكوتين.
هل يمكن تطبيق هذا العلاج على البشر!!؟
في البداية يجب التأكيد على ضرورة اختبار هذا العَقارِ لمعرِفةِ ما إذا كانَ فعّالاً لحالاتِ الاستهلاكِ الُمفْرِطِ للسكرِ لدى الإنسان، وفيما إذا كانت فوائِدُه تفوقُ مَخاطرَ تناوُلِهِ، وإن كان يمكن استخدامه كبديلٍ عن السبلِ الاعتيادية لعلاجِ السُّمنة.
وعلى أيَّةِ حالٍ، فإنّهُ منَ الصعبِ توقُّع نتائجَ أكبر استناداً على هذا البحثِ في مراحِلِه الحاليّةِ لسببٍ هامٍّ وهو أننا لا نعلمُ ما هو نوعُ الغذاءِ الذي يتِمُّ تَناوُلُهُ من قِبَلِ الإنسانِ والذي يكافئُ استهلاكَ الجرذان للمحلولِ السُّكريِّ بشكلٍ متقطعٍ.
إن إعطاءَ الـVarenicline قلَّلَ من استهلاكِ السُّكرِ في زمنٍ آنيٍّ لمُدةِ ثلاثينَ دقيقةً فقط بعدَ المراقبة، وبعد ذلكَ عاد استهلاكُ السكرِ إلى مستوياتِه السابقة، لذا فإنه يجبُ إعطاءُ العَقارِ باستمرارٍ ليبقى فعّالاً. ويبدو أن إعطاء الأشخاصِ عقار Varenicline يومياً لإيقافِ تناوُلِهم للسكرِ بعيد الاحتمالِ تماماً، فاتخاذُ خَيارٍ كهذا على تَعدادٍ سُكانيٍّ كبيرٍ سيكونُ غيرَ مُجْدٍ وغيرَ آمنٍ، حيث أن هذا العقار يُعطى في حالِ تناولِهِ للإقلاعِ عنِ التدخين لمدةٍ أقصاها أربعةُ وعِشرونَ أُسبوعاً فقط.
إنّ قضيةَ الآثارِ الجانبيةِ للعَقارِ أمرٌ بالغُ الأهميةِ، حيثُ أقر الأشخاصُ الذين يتناولون Varenicline بوُجودِ تأثيراتٍ نفسيةٍ لهُ كسرعةِ الانفعالِ، القلقِ، وحتى الإحباطِ –وفي حالاتٍ نادرةٍ- أفكارٌ تتعلقُ بالانتحارِ، لذا فإنه من الصعوبةِ معرفةُ حجمِ الآثارِ الجانبيةِ –آنفةِ الذِّكرِ- الناتجةِ كتأثيرٍ مباشرٍ للعَقار. ولم يُعْرَف بعدُ فيما لو كانَ الأشخاصُ الذين سيتناولون Varenicline لعلاج ولَعِهِم بالحلوياتِ سيختَبِرونَ آثاراً جانبيةً مشابهةً، ولكنها ستكونُ من القضايا الهامّةِ التي يجبُ أن تُؤخذَ بعينِ الاعتِبارِ.
إنّ الدليلَ النظريَّ الوحيدَ الذي يُحتمَلُ أن نجدَه في هذه المرحلة، هو أنه من الممكن إعطاء الأشخاص الذين يعانونَ من البدانةِ ويجدونَ صُعوبةً في التوقُّفِ عن تناولِ الأطعِمةِ والوجْباتِ الخفيفةِ الغنِيَّةِ بالسُكَّرياتِ عقارَ Varenicline على المدى القصيرِ لمُساعدَتِهم في محاولةِ الإقلاعِ عنِ ذلكَ.
وبشكلٍ عامٍّ فإن هذا البحثَ يُعَدُّ حقاً مُثيراً للانتِباه، إلّا أن الـVarenicline يبقى العَقارَ الوحيدَ المُصرَّحَ بهِ للاستخدامِ بغَرَضِ الإقلاعِ عنِ التدخينِ للإنسان. وسواءٌ أكان لهُ دورٌ مستقبَلِيٌّ في حالةِ إدمانِ السكرِ أم لا فهو أمرٌ غيرُ مَعروفٍ حتى الآن، ويبقى المهم أنَّ النظامَ الغذائيَّ الصحِّيَّ المُتوازنَ أفضلُ طريقةٍ في الوقت الحاليِّ لخَفْضِ الاستهلاكِ المُفرِطِ للسُّكرِ والمشاكلِ الصحيَّةِ المرتبطةِ بمرضِ السُّكري، زيادةِ الوزنِ والسُّمنةِ؛ وللمزيد حول التوق لتناول السكر وطرق تجنُّبِهِ يمكنكم قراءة المقال التالي هنا.
المصدر:هنا