الهندسة والآليات > الالكترونيات
الدارات الإلكترونية المعالَجة كيميائياً - أجهزة جديدة قادرة على العمل في البيئات الرطبة
يُدرك جميعُنا الأثرَ المدمر الذي يخلّفه الماء أو أية بيئة رطبة على الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، الشيء الذي أصبح يشكل عقبة حقيقة أمام الحاجة المتنامية لاستخدامها على أجسادنا حيث يمكن أن تتلف بتعرضها للعرق، أو لسبرِ أغوار لا تخلو من الرطوبة العالية حيث يمكن أن تتلف بتعرضها للماء، تعرّفوا معنا في هذا المقال على تقنية تصنيع مبتكرة لتجهيزات إلكترونية محبّة للماء وقادرة على العمل ضمن البيئات الرطبة بفاعلية عالية.
لا تستطيع الرقائق الإلكترونية المصنوعة من السيلكون أن تقومَ بمهمتها على الشكل الأمثل عندما تكون في بيئات يصعب التعامل معها، سواءٌ أكانت ضمن الحساسات في الجلد الاصطناعي والتي تتطلب قدراً من المرونة، أو ضمن أية أجهزة إلكترونية يمكن ارتداؤها على الجلد الطبيعي حيث يجب أن تكون قادرة على تحمل البيئة الرطبة الناتجة عن تعرقنا.
وقد قام مؤخراً فريق بحثي بتطوير طريقة جديدة لتصنيع داراتٍ منطقيةٍ وحساساتٍ غير معتمدة على أنصاف النواقل، تتمتع بالمرونة والقدرة على العمل في البيئات الرطبة بفاعليةٍ وكفاءة. حيث قام الباحثون بطلاء جسيمات الذهب النانوية بجزيئاتٍ عضوية مشحونة، وقد أطلقوا على هذا النظام اسم "الدرات الإلكترونية المعالَجة كيميائياً".
قام هذا الفريق – والمكون من علماء من المركز الوطني لعلوم النانو و التقانة في بكين, ومن جامعة كارولينا الشمالية في تشابيل هيل, ومن شركة NuMat للتقنيات القائمة في الولايات المتحدة الأمريكية, وكذلك علماء من معهد أولسان للعلوم و الثقانة (UNIST) في كوريا الجنوبية – ببناء الأجهزة الإلكترونية المعالجة كيميائياً عن طريق طلي جسيمات الذهب النانوية بواحدٍ من أربعة أنواعٍ من الجزيئات العضوية التي تدعى الليغاندات ligands *، حيث أنه عند وضع هذه الليغاندات في الماء أو ضمن أي بيئة رطبة فإن كل نوع يتفاعل بتأثيرٍ يختلف عن الآخر تبعاً للشحنة التي يحملها، فنوعٌ يتحللُ مطلقاً أيوناً موجباً ومُكسباً جسيمات الذهب النانوية شحنةً سالبة، وآخرٌ يتحللُ مطلقاً أيوناً سالباً ومُكسباً جسيمات الذهب النانوية شحنةً موجبة.
وبالجمع بين النوعين السابقين من جسيمات الذهب النانوية المتعاكسة الشحنة، يمكن خلق نظام كيميائي يحاكي وصلة P-N نصف الناقلة، وذلك بتجميع جسيمات الذهب النانوية المشحونة إيجاباً على أحد الجوانب وجسيمات الذهب النانوية المشحونة سلباً على الجانب الآخر، مما يسمح للأيونات أن تنتقل بحرية بين الجانين، فتنجذب الأيونات الموجبة نحو جسيمات الذهب النانوية السالبة وتنجذب الأيونات السالبة نحو جسيمات الذهب النانوية الموجبة، و نحصل بالنتيجة على جهاز بشحنة غير متوازنة تقود إلى ما يعرف بالجهد الكهربائي البيني (interfacial voltage) الذي يخلق أفضلية في الجهاز تسبب انتقال الإلكترونات في اتجاه واحد كما هو الحال في الدايودات أو الثنائيات نصف الناقلة التقليدية.
فسّر Bartosz Grzybowski- وهو عالم من معهد أولسان للعلوم والتقانة UNIST, والذي قاد فريق البحث – في مقابلة عبر البريد الالكتروني مع - (IEEE Spectrum) وهي مجلة عالمية تُعنى بالهندسة و العلوم التطبيقية - بقوله " أن الروابط تحاط بـأيونات حرة مضادة". ويقول أيضاً " النقطة الأساسية هي أنه بعد ذلك, يمكن للأيونات المضادة المتنقلة أن تتحرّك عندما يُطبّق عليها حقل كهربائي, والذي بدوره يُفعّل التدرجات الأيونية. وفي النهاية, ستقوم تلك الأخيرة بالتحكم بالتدفق الالكتروني عبر الجسيمات النانوية.
إن لهذه الدارات الإلكترونية المعالجة كيميائياً العديد من الميزات، فهي تمتلك سرعات تحويل تعادل تلك التي تمتلكها الأجهزة الإلكترونية المصنوعة من البولميرات، ويمكنها الكشف عن التغيرات الكيمائية الصغيرة وتحويل تلك التغيرات إلى إشارات إلكترونية، كما أنها لا تحتاج إلا إلى قدرٍ قليلٍ من الطاقة، و تتميز بالمرونة والقدرة على تنفيذ العمليات المنطقية، ولكن في الحقيقة، فإن أكثر ما يميز هذه الدارات الإلكترونية المعالجة كيميائياً هو قدرتها على العمل بشكل ممتاز في كل من البيئات الرطبة والبيئات المالحة.
وبالتبديل في نوع الجزيء العضوي أو الليغانذ المستخدم في طلاء الجسيمات النانوية بين الأنواع الأربعة له، وبالدمج بين أكثر من نوع، تمكّن الباحثون من تصنيع حساساتٍ مختلفة لأغراض مختلفة، كقياس الرطوبة والغازات والأيونات المعدنية.
وعلى الرغم من الميزات التي تتمتع بها هذه الدارات والحساسات الجديدة فإن هناك بعض العقبات التي تقف أمام انتشارها على نطاق واسع، فهي تحتاج إلى سرعات تبديل أعلى وإلى متانة أكبر، حيث أنها _على سبيل المثال_ قد تتعرض للتصدع نتيجةً للجفاف إثرَ نقلها من بيئةٍ رطبةٍ إلى بيئةٍ جافة. ولكن رغم ذلك، فإن هذه الدارات قد تشكل حلاً واعداً ليس فقط لمشكلة استخدام الدارات الكهربائية المنطقية في البيئات الرطبة، بل أيضاً كطريقةٍ جديدةٍ لبناء ثنائيات وترانزستورات بالمقياس النانوي.
على الرغم من التحديات, تتطلّع الدائرة الكهربائية الجديدة لأن تكون حلاً واعداً. ليس من أجل الدوائر الكهربائية المنطقية التي تستخدم في البيئات الرطبة وحسب, ولكن من أجل نهج جديد لبناء ترانزستورات وصمامات ثنائية بمقياس النانو.
المصدر : هنا