الفنون البصرية > زيارة إلى متحف الفن
زيارة إلى المتحف الوطني في لندن، لوحة السفراء
تحتفل هذه اللوحة بذكرى شابين صاحبي نفوذٍ وثقافةٍ وثروةٍ. فعلى يسار اللوحة نرى جان دو دينتيفيل البالغ 29 عاماً والذي كان السفير الفرنسي إلى إنكلترا في عام 1533. أمّا على يمينِ اللوحةِ فيقفُ صديقه جورج دو سيلف البالغ 25 عاماً والذي كان في عدةِ مناسبات سفيراً للإمبراطور ولجمهورية فينيسيا والسدة البابوية.
تعدُّ هذه اللوحة تقليداً يُظهر رجالاً مثقفين إلى جانب كتبهم وأدواتهم. ومن الأغراض التي يمكن رؤيتها على الرف العلوي كرة سماوية وساعة شمسية محمولة وغيرها العديد من الأدوات التي تُستخدم لفهم السماوات ولقياس الزمن. أما الأغراض على الرف السفلي فتتضمن عُوداً، وصندوقاً يحوي مزامير وكتاب ترانيم وكتاب حسابٍ وكرةً أرضيةً.
يعتبر البعض هذه اللوحة أحجية من عصر النهضة فهي تحمل رمزاً ضمن الرسم ورسالة تحتاج من يفهمها. إن هذه اللوحة مليئة بالدلالات والرموز وهناك وجهات نظر مختلفة حول ما ترمز إليه الأغراض المختلفة في اللوحة.
يمكن تفسير بعض التفاصيل في اللوحة على أنها إشارات للانقسامات الدينية المعاصرة، على سبيل المثال قد يرمز وتر العود المكسور إلى نزاع ديني بينما يرمز كتاب الترانيم اللوثري إلى الدعوة للانسجام المسيحي.
الأرضية:
يتجه الاعتقاد التقليدي أن أرضية الفسيفساء هي نسخة من رصيف الكوسماتي Cosmati من القرون الوسطى الموجود في ملاذ دير ويستمينستر Westminster Abbey، وهذه الفسحة المقدسة أمام المذبح في الدير تحوي أرضية مشابهة لتلك التي تقع تحت عمل مايكل أنجلو "خلق آدم" في كنيسة السيستين Sistine Chapel. تقول الكتابة على الأرضية في دير ويستمينستر أن نمط الرسوم يمثل العالم الكبير، أي الكون، محيطاً بالعالم الصغير، أي الإنسان داخله.
إلا أن بعض الناس يستبعدون أن تكون أرضية لوحة السفراء نسخة عن تلك في دير ويستمنستر كونها ليست بنسخة دقيقة. يقول ريشتارد فوستر أن الأرضية قد تكون تلك الموجودة في قصر برايدويل Bridewell حيث كان ينزل السفيرين.
الأدوات:
يعتقد البعض أن الأدوات في الرف العلوي في اللوحة مصمّمة لتعكس حالة السماوات بينما تعكس الأدوات في الرف السفلي شؤون العالم السفلي لكن إلام ترمز كل منها بالفعل؟ سنتناول دلالات بعض هذه الأدوات. تتوضع الأغراض في الرف العلوي على سجادة حمراء تركية تم اختيارها للرسومات الهندسية عليها والتي تدعم الخطة الهندسية للوحة بأكملها، من هذه الأغراض نرى الكرة السماوية.
رُسمت الكرة السماوية في الرف العلوي بطريقة تظهر تاريخ الحادي عشر من نيسان عام 1533 وهو العام الذي أُبلغت فيه المحكمة الملكية بتقلد آن بولين Anne Boleyn منصب الملكة، إلا أن خطوط العرض في الكرة السماوية لا تشير إلى لندن، المدينة التي رسمت فيها اللوحة بل إلى موقع أقرب ما يكون لإيطاليا أو إسبانيا، ويعتقد أن هذا الاختلاف مقصود للإشارة إلى الخلافات الدينية والسياسية بين لندن وروما في ذاك الوقت.
أما الساعة الشمسية فهي أحجية بحد ذاتها، فالأوقات الظاهرة على جوانبها المتعددة غير متوافقة فهي تشير في أحد جوانبها إلى الساعة التاسعة والنصف وفي جانب آخر إلى الساعة العاشرة والنصف، بينما يشير خط العرض فيها إلى شمال أفريقيا وليس لندن، ويعتقد أن السبب في هذا متصل بفكرة محدودية العلم البشري والذي يحد منه طبيعة الإنسان المحدودة.
وفي الرف السفلي يلاحظ وجود عود ذي وتر مكسور، والذي يشير مع علبة المزامير إلى العِلم الرباعي الذي كان يدرس في جامعات القرون الوسطى والمكون من: علم الحساب، وعلم الهندسة، وعلم الفلك والموسيقى. يٌعتقد أن استخدام التوافق الموسيقي يرمز عادة للتوافق السماوي إلا أن الوتر المكسور يشير إلى النزاع. ومن ناحية أخرى، يمكن فهم العود والمزامير كرمز للعيوب في هذا العالم مقارنة بخلق الله المثالي، وهو اعتراف أن عالمنا أبعد ما يكون عن المثالية وأننا بحاجة لمساعدة الله.
الجمجمة المشوهة:
في مقدمة اللوحة يمكن رؤية صورة مشوهة لجمجمة بشرية ترمز للفناء. وحين النظر إلى اللوحة من نقطة إلى جهة اليمين نلاحظ أن تشوّه الجمجمة قد اختفى. تعتمد اللوحة على فنّ الصورةِ البصريةِ المشوّهة، وهو نوع من الخداع البصري الذي يجعل اللوحة غامضة نوعاً ما وفريدةً من نوعها حيث لا يمكن رؤية الصورة المقصودة ما لم تنظر للوحة من زاويةٍ معينة.
يقول لويس غوفيير الخبير في الرسم المنظوري أنه عندما تقف تماماً في الجهة التي يفترض أن تقف فيها لرؤية اللوحة ترى بشكل واضح الجمجمة التي تبدو ثلاثية الأبعاد مقارنة مع الأغراض الأخرى في اللوحة. فمن الواضح، يعتقد غوفيير أنها تذكير بالموت. ويضيف أننا إذا تَبِعنا الخط من الجمجمة إلى الزاوية اليسارية للوحة نلاحظ أن الشيء الصغير البارز هو عبارة عن صليب، وهو للتذكير أن هذين الرجلين مدركان لفنائهما ولحقيقة أن النجاة تكون عبر الله والمسيح والحياة ما بعد الموت.
المواضيع العامة في اللوحة:
تتلخص أهم المواضيع التي تطرحها اللوحة بما يلي:
• حتمية الموت
• التناقض بين العالمين الدنيوي والروحي
• الانسجام الكوني
• انتصار المسيح على الموت
• الفصح – تضحية المسيح وشبح الموت
• الاضطراب السياسي والانقسام الديني
• الصداقة (التي جمعت بين السفيرين)
رسم هذه اللوحة: هانز هولبين الأصغر Hans Holbein the Younger
تاريخ الرسم: عام 1533 م
الألوان المستخدمة: زيت على سنديان بأبعاد 207*209.5 سم.
تم شراؤها: عام 1890
رقم التخزين: NG1314
مكان اللوحة في المعرض: الغرفة 4
المصادر: