التاريخ وعلم الآثار > حقائق تاريخية
معركة قرقر، التحالف الأقدم بين العرب ومملكة إسرائيل
عندما كان الآشوريون يشنون هجماتهم على الآراميين في الشام قبل ٢٨٠٠ عام، توحد ١١ ملك واضعين اليد باليد على اختلاف أعراقهم وأصولهم لمواجهة هذا الغزو، وهنا تمّ ذكر العرب للمرة الأولى في التاريخ وكان ذلك ضمن تحالفٍ يشمل مملكة إسرائيل وغيرها لمواجهة القوة الآشورية. وتكرس هذا الاتحاد في إحدى أقوى المعارك التي هزت العالم القديم ألا وهي معركة قرقر. معركة قرقر وما سبقها وما تلاها تطّلعون عليها في مقالنا التالي...
الشكل(1): الملك الآشوري شلمنصر الثالث
مع تصاعد القوة الآشورية في العالم القديم ووصول الملك الآشوري شلمنصر الثالث المعروف بقدراته القتالية والقيادية المتميزة كُرست كل الجهود لتوسع المملكة الآشورية نحو غرب نينوى حيث بلاد الشام، حتى كان الآشوريين في عام 857 ق.م يتجولون بحريةٍ في جبال أمانوس "تركيا الحالية" وشواطئ البحر الأبيض المتوسط. توسع الآشوريون لم يجلب أيّ استقرار بل جعل المنطقة تغلي حيث وجد ملوك الحاضرات القديمة القريبة من الحدود الآشورية التوسعية أنّهم في خطرٍ وجودي.
ونتيجةً لذلك تجمعت المدن والممالك وتعاهدت على أنّ يكونوا يداً واحدة في محاربة الآشوريين في واحدة من أوائل التحالفات الدولية في التاريخ. عمل المتحالفون أيضاً على زعزعة الاستقرار في المدن الآشورية، الأمر الذي ازعج شلمنصر الذي قرر الدخول معهم في مواجهةٍ لإثبات من هو الأقوى في العالم القديم.
غادر شلمنصر على رأس جيوشه نينوى عام 853 ق.م لغزو الغرب فاكتسح كل ما أراد أن يكتسحه وسيطر على كل المدن التي أراد أن يسيطر عليها حتى عبر نهر الفرات، فتوافدت عليه الهدايا من المدن التي أعلنت الخضوع له بلا قتال. سيطر بعدها على حلب وتسلق قلعتها الشهيرة وأطاح بالإله "حدد" الموجود على قمتها. وقاد الجيوش جنوباً نحو حماة المملكة المشاركة في التحالف ضده ليسيطروا على المدن القريبة منها ويحرقوا قصور ملكها العاصي لهيمنة آشور على العالم.
تُحدثنا الوثائق أنّ شلمنصر توجه بعد ذلك إلى قرقر وهي مدينةٌ تقع على نهر العاصي، وإذ كان الملك يهدف لغزو حماة فمن غير المنطقي أنْ يتجه إلى هناك، لكن يبدو أن شلمنصر قد علم أن قوات التحالف المضاد له قد تجمعت في قرقر لتحرير مدينة باتينا التي احتلها الآشوريون للتو، ونستنتج أنّه كان متحمساً لمواجهتم سريعاً.
التحالف:
يذكر لنا الآشوريون أنهم وصلوا قرقر فحطموها وأحرقوها جزاءً لجسارتها في مواجهة الجبروت الآشوري ويذكرون لنا أسماء الملوك المتحالفين وجيوشهم المدمرة:
* الملك حدادزير نفسه، ومعه 1200 عربة حربية، و 1200 فارس، و20000 جندي.
* الملك إروليني ملك حماة، ومعه 700 عربة حربية، و700 فارس و 10000 جندي.
* الملك أحاب ملك إسرائيل، أرسل 2000 عربة حربية و 10000 جندي.
* أرسلت مدينة جيل 500 جندي.
* أرسلت مدينة سومور 1000 جندي.
* أرسلت مدينة أركانتا (تل أركا) 10 عربات حربية، و10000 جندي.
* أرسلت مدينة أرواد 200 جندي.
* أرسلت مدينة أوسنطة 200 جندي.
* أرسلت مدينة شيانو 30 عربة.
* أرسل الملك جنديبو (قد يكون جندب) ملك العرب 1000 فارس (جمال).
* أرسل الملك بعشا بن روحوبي، ملك العمونيون المئات.
المعركة:
يصف شلمنصر المعركة بالإسلوب النمطي الآشوري كالتالي:
مع القوى العظمى التي منحها لآلهة آشور، ومع الأسلحة ذات المعيار الإلهي التي تقدمتني، حاربتهم. وهزمتهم بشكلٍ ساحقٍ من قرقر إلى مدينة جيلزاو. 14000 من جنودهم ذبحتهم بالسيف. مثل أداد (إله الرعد الآكدي) أمطرت الدمار عليهم. فرقت ألويتهم وملأت بسيفي الأرض الواسعة بجنودهم. جعلت دمائهم تسيل في الوادي. كانت الأرض أصغر من أن تكفي لجثثهم. أغلقت نهر العاصي بجثثهم لأجعل منها جسراً وجردتهم من عرباتهم وفرسانهم وأحصنتهم.
وهنا كُسر اللوح الطيني الذي نستقي منه هذه المعلومات، ومع وجود عدد ٍكبيرٍ من الأخطاء الإملائية في اللوح نستنتج أنّه كُتب سريعاً لتدوين الانتصار الرائع الذي حظي به شلمنصر.
بعد المعركة:
على الرغم من الانتصار الساحق الذي دونه لنا الآشوريين. فيبدو أن معركة قرقر لم تكن حاسمةً لأننا نستمر بقراءة المزيد من الأعمال الحربية ضد التحالف المعادي للآشوريين. فنجد أنه بعد عشر سنوات من الواقعة يأمر شلمنصر بإعادة تدوين أحداث المعركة ليصبح عدد القتلى هذه المرة ٢٥٠٠٠ رجل وأن شلمنصر ركب البحر من خلال سفنه بعد ذلك.
في عام ٨٤٩ ق.م خاض شلمنصر حرباً ضد مدينة كركميش ومدينة أرباد واللتان كانتا مواليتان له والتحالف المضاد له. في العام اللاحق خاض الآشوريون معركة أخرى ضد كركميش وأرباد وحماة وقوات التحالف وانتهت بانتصار آشوري ساحق.
الشكل(2): ملك اسرائيل جيحو ساجداً ليقدم الجزية لشلمنصر الثالث
في عام ٨٤٥ ق.م حدثت معركةٌ أخرى مع التحالف لكن هذه المرة بدون أن يتلقى التحالف أي دعمٍ من كركميش وأرباد ويبدو في هذه المرة أن النصر كان ساحقاً فهنا اختفى اسم التحالف من التاريخ بشكلٍ نهائي. تحكي لنا الوثائق التاريخية عن حملةٍ أخرى شُنت عام ٨٤١ ق.م خاضها الآشوريون ضد حزائيل ملك دمشق الذي واجه الغزو الآشوري لوحده، انتصر الآشوريون واحتلت دمشق وقدمت صيدا وصور واسرائيل الجزية لإعلان الخضوع لآشور. تكررت هذه الحملة بعد ثلاث سنوات وقدمت صيدا وصور وجبيل الجزية والخضوع لآشور. فانفرد الآشوريون بحكم سوريا لمدة قرنين من الزمن.
صحيحٌ أن معركة قرقر لم تكن حاسمة لكنها كانت بداية النهاية لسورية المستقلة، في عام ٨٣٣ ق.م أمر شلمنصر ببناء تمثاله بالقرب من إحدى بوابات آشور. سُجل على هذا النصب كل العمليات العسكرية في كل أنحاء العالم، لكنها لم تذكر من معارك الجبهة الغربية سوى معركة قرقر والهجوم الأول على دمشق.
المصادر:
Yamada. Shigeo، The Construction of The Assyrian Empire: A Historical Study of the Inscription of Shalmanesar lll (859- 824 B.C.) Relating to His Campaign to the West، Brill، Leiden، 2000.
Luckenbill. Daniel، Ancient Records of Assyria and Babylonia، Chicago، 1926.