العمارة والتشييد > التصميم المعماري
منزلُ Keret ، أَضيقُ منزلٍ في العالمْ
تُعتبرُ العَمارةُ مِقياساً لمِدىْ تَقدُّمِ الدُّولِ، الّتيْ أصبحتْ تَتنافسُ فِيماْ بَينهاْ بِِِتَشييدِ الصُّروحِ المعمَاريَّةِ الضَّخمَةِ والمميَّزةِ الَّتيْ تَجعَلهاْ مَوضِعَ اهْتمامٍ عَالميٍّ، إِلَّاْ أَنَّ الجاذبيّة الّتي يتمتع بها مَنزِلَ keret فِيْ مَدينَةِ وَارْسُوْ بِبولَّندَا مختلفة تماماً، فعلى عكس الصروح المعمارية المشهورة، جذب هذا المنزل قَدرَاً كَبيْرَاً مِنَ الاهْتمَامِ فَقَطْ بِسَببِ مِقياسِهِ الصَّغيْرِ بِمَسَاحةٍ إِجمَاليَّةٍ حَواْليْ 14 م2 .
كيفَ يمكن لمنزلٍ متكامل أن يكونَ بهذه المساحة الصغيرة؟
يَقع هذا المنزل في مدينة وارسو ببولّندا ، مساحته الكليّة 14.5م2، حيث يبلغ عرض المقسم المعد للبناء 92سم في أضيق نقطة، و152 في أعرض نقطة منه. للوهلة الأولى يبدو أنّه من المستحيل العيش بمساحةٍ كهذهِ، إلَّا أنّ منزل Keret نقضَ هذه الصّورة الخاطئة ليصبح مثالاً فريداً لما يسمى "مباني العمارة المستحيلة" ، حيث قدّم المهندس المعماريُّ البولنديُّ Jacub Szczesny فكرتهُ الخاصّة لهذا التّصميم ضمن فعاليات مهرجان Wolaart الفنّي في العام 2009 ، لاحقاً بعد مرور ثلاث سنواتٍ ابتدأ بناء منزل Keret في كانون الأول 2011 ليصبح الخيال حقيقةً .
قبل الحديث عن المنزل، لابدّ من الإشارة إلى أنّ الشكل الحالي لمدينة وارسو البولنديّة هو نتيجة تاريخ مؤلم من الحروب والدّمار، وقرارات عمرانية لاحقة له. فالتجربة التخطيطية للمدينة في فترة الحرب وما بعدها انتهت بتقسيم المدينة وتفتيتها عبر مجموعة من المباني المؤقتة والعشوائية، لكن وعلى الرغم من عدم الترابط الموجود ضمن المدينة، تبقى مدينة وارسو استثنائية بالفوضى الخلاقة التي تحويها، فهي مليئة بالحلول غير المتوقعة التي خلّفها النسيج السابق للمدينة، والذي لم يندمج مع النسيج العمراني الذي ينمو حالياً، هذه العملية أنتجت "شقوقاً" ضمن النظام العمراني للمدينة بالمعنى الحرفي للكلمة، مما جعل المدينة مليئة بالفراغات (الجيوب) غير الفعالة.
قَرَّر المهندس المعماريّ Jacub Szczesny أن يملأ أحد هذه الجيوب غيرِ المفيدة ، وأن يُحوِّلَهُ إلى فراغ حيٍّ يؤدي وظيفته بأفضل طريقة، فنشأ تصميم منزل Keret ،حيث بُني هذا المنزل بين اثنين من المباني القائمة سابقاً في المدينة يعود تاريخهما لعصرين مختلفين، الأوّل مبنيٌّ من الطُّوب وتعرض للضّررِ بمعظم أجزائه وهو أحد معالم المدينة من فترة ما قبل الحرب العالميّة الثّانية، والثاني مبنىً سكنيٌ من الخرسانة يعتبر جزءاً من المنشآت التي هدفت إلى نفي مشهد المدينة السّابق، ممّا جعل من هذا المنزل تحفةً فنيةً تعكس التّفاعل بين الماضي والحاضر .
عرض المنزل من الداخل يتراوح بين 122 سم و 72 سم وعلى الرغم من ذلك نجد أنّ الفراغ من الداخل مضاءٌ بشكلٍ طبيعيٍ بفعل غلاف المبنى نصف الشّفاف للضّوء ، وهذا الغلاف محمولٌ على جملةٍ إنشائيّةٍ من المعدن ومؤلّفٌ من طابقين توجد فيهما كل احتياجات الإنسان المعيشيّة ، كما أنّ المنزل مخصصٌ لخلق ظروف مناسبة للعمل الإبداعي، بل أصبح منصة للتبادل الفكري العالمي ومقصداً للكتَّاب والمفكرين. وبذلك حقق وظيفة أخرى إلى جانب وظيفته السكنية وهي التّشجيع على الدّراسة والإبداع.
من الناحية الإنشائيّة، يتألف المنزل من إطار فولاذي ثلاثي الأضلاع، معزول باستخدام sandwich panels ومادة Styrofoam، ومغطى بقشرة اسمنتية مدهونة باللون الأبيض.
أما من الناحية المعمارية الوظيفية، فإن فراغ المعيشة يقع في منطقة الدرج القابل للفتح والإغلاق باستخدام جهاز التحكم عن بعد، حيث تتسطح درجاته لتصبح أرضية مستوية عندما يكون الدرج مرفوعاً، ثم يتحول إلى درج عند القيام بإنزاله.
وقد زود المنزل بنظام صرف صحي مستقل عن نظام صرف المدينة، كما تم الاعتماد على المبنى المجاور للتزود بالكهرباء. وقد استغرق الحصول على رخصة لبناء هذا المنزل فترة من الزمن كونه لا يخضع لمعايير واشتراطات البناء البولندية.
منزل Keret هو فراغٌ يحقق الوظيفة المرجوة منه تماماً، حيث بإمكان الإنسان أن يعيش ضمنه وأن يبدع ، كما أنّه سيصبح رمزاً لوارسو الحديثة ليتأصَّل ضمن تاريخها المعقّد
بفضل جهود المهندس المعماريِّ Jacub Szczesny و مهندسين آخرين بالتصدي للمشاكل التّخطيطيّة التي تعاني منها مدينة وارسو، تحوّلت المدينة إلى مثالٍ فريدٍ من التّخطيط الفوضويِّ المليء بالحلول غير المتوقّعة التي جلبت قدراً كبيراً من الاهتمام للمدينة.
في المرة القادمة التي يقول لك أحد ما أن هذا الأمر مستحيل، ذكره بمنزل Keret .... لا يوجد مستحيل في العمارة..
المصادر: