الكيمياء والصيدلة > كيمياء
ماذا يحدث لو نفذ الهيليوم من كوكبنا؟
ماذا يحدث لو نفذ الهليوم من كوكبنا؟
توجد تقارير متزايدة عن نقص هائل بغاز الهليوم، ولكن بمَ يعنينا هذا الأمر؟ بماذا يستخدم الهليوم سوى في نفخ بوالين الحفلات؟ إنّه يستخدم للكثير من الأمور، كما سنرى...
مخزون الهليوم آخذ بالتناقص و هو أمر مقلق للبعض، ولكنّ البعض الآخر يتساءلون عن مبعث القلق!
تدعو العبارة بحدّ ذاتها للاستغراب بعض الشيء. فكيف يمكن أن "ينفَد مخزوننا" من ثاني أكثر العناصر وفرةً في الكون؟ قد يكون للبشرية تأثير ذو مفعول كبير على موارد كوكب الأرض، ولكن أن يبلغ بهم الأمر أن يستهلكوا ما نسبته الربع من كل المادة الموجودة في الكون؟ يبدو هذا ضرباً من المبالغة! فالغلاف الجوي لكوكب المشتري لوحده يحتوي على الهليوم بنسبة 10%، ولن نتحدث هنا عن نسبة الهليوم في الشمس...
من الواضح أنّ ما نقصده هنا هو تناقـُص مخزوننا من الهليوم الذي يمكننا الوصول إليه واستخدامه، بدون مغادرة الكوكب؛ أي ذلك الموجود في كوكب الأرض فقط. ولكن قد يتبادر إلى ذهنك سؤال: "ما المشكلة في ذلك؟ لماذا نحتاج إلى الهليوم، باستثناء بوالين الحفلات والمناطيد المزوّدة بمحرّكات؟ فكلاهما ليسا بهذه الأهمّية لنا!"
بإجرائك لعملية بحث سريعة سيتبيّن لك أنّ الهليوم هو غاز خامل (نبيل)، بمعنى أنه وإلى حد بعيد غير مؤذٍ للبشر وذلك من وجهة نظر كيميائية، فهو لا يمكن أن يصيبك بالتسمّم أو يسبّب لك ضرراً كالذي تسببه الكثير من المواد الأخرى، نظراً لكونه عنصراً مستقراً وغير متفاعل. ومع ذلك فالتعرض للكثير منه يجعله يحلّ محلّ الأوكسجين في الجسم ويسبّب الاختناق، غير أنّ هذا الأمر ينطبق كذلك على جميع الغازات التي لا نستطيع أن نتنفسها (أي جميع الغازات ما عدا الأوكسجين) .
ما يهمّنا الآن هو: ما هي العواقب المحتملة لخسارة الهليوم؟
إنّ كون الهليوم عنصراً خاملاً يجعله جزءاً مكمّلاً للعديد من العمليات مثل عملية لِحام المعادن. welding فاللحام يتضمّن تعريض المعدن لدرجات حرارة شديدة الارتفاع، لكي يصبح المعدن لدناً وقابلاً للطرق والانثناء. غير أنّ الغازات الجويّة يمكن أن تتداخل مع الوصلة المعدنية الملحومة، عند درجات الحرارة هذه، مما يضعفها ويؤدي إلى فشل العملية. يستخدم الهليوم هنا كغاز واقي أو حاجب (shielding gas) ويمنع حصول هذا التفاعل، لتتم عملية التحام القطع المعدنية بنجاح. ونظراً لشيوعها وتكرار استخدامها، فإن عملية لحام المعادن تستهلك كميات كبيرة من الهليوم.
وبالنظر إلى الخواص الفيزيائية الفريدة التي يتمتّع بها الهليوم (فهو لا يتجمد، بل يظلّ سائلاً، عند درجة حرارة الصفر المطلق التي تساوي الدرجة 273 تحت الصفر على مقياس سيلزيوس أو المئوي)، فإنه يستخدم بكثرة في علم التبريد " cryogenics " (وهو العلم المختص بدراسة الظواهر التي تحدث عند درجات الحرارة المنخفضة وتأثيرها على تركيب المادة)، وهو يشمل مدى واسع من التطبيقات. نذكر من تلك التطبيقات تصنيع الموَصِّلات الجزئية، وتُعرف أيضاً بأنصاف النواقل "semiconductors" ، والتي تستخدم تقريباً في جميع الأدوات والآلات الموجودة في يومنا هذا، كما تملك قيمة اقتصادية عظيمة.
إنّ التبريد الفائق للمغانط بواسطة الهليوم هو أيضاً عملية محورية في استخدام أجهزة الفحص المتقدمة، كأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي MRIs . لذا يعدّ الهليوم نعمة كبيرة في الحقول الطبّية والعلمية. ولكنّ الإفراط في استخدام هذه التقنية يستنفد من مخزون الهليوم بدرجة معتبرة.
إذاً، ما الذي قد يحدث إذا ما استنفدنا -أو استهلكنا- كامل مخزون كوكبنا من الهليوم في المستقبل القريب؟ يحتمل أننّا سنعاني في هذه الحالة من عواقب سلبية جدّية ومؤثرة، تطال مجتمعاتنا وبنيتنا التحتيّة واقتصادنا. ربما نصل إلى المرحلة التي نحتاج فيها إلى الحصول على الهليوم من مصادر خارج كوكبنا، وهو خيار متاح طالما أن رحلات الفضاء والصناعات المرتبطة بها لن تتأثّر بنقص الهليوم، و لكنها ستتأثّر لامحالة ولن تكون كسابق عهدها!
هذا هو الهليوم أيها السادة.... متنوّع ومتعدّد التطبيقات بشكل يثير الدهشة، على الرغم من كونه عنصراً خاملاً...لا بدّ لنا أن نفتقده إذا ما غادرَنا.
كثيراً ما نعترض عندما نسمع الناس يقولون أنّ العلم يُفقدنا متعة الأشياء وعفويتها، ولكن الآن وبعد ما عرفناه في هذه المقالة، ربما علينا أن نعيد التفكير في صحّة كلامهم، ونخفّف قليلاً من لهجتنا بالاعتراض!
المصدر: