كتاب > الكتب العلمية
مراجعة كتاب (البدايات): إلى كل من ينظرون إلى أعلى، وكل من لا يعرفون بعد، لِمَ عليهم أن يفعلوا ذلك.
البدايات 14 مليار عام من تطور الكون، هو قصة هذا الكون، قصة هذه الحياة، قصة لا مكان فيها سوى للحقائق والدلائل العلمية، بعيداً عن أية خرافات وأية أساطير، قصة ماضٍ مهيب ومستقبلٍ أكثر هيبة. يتألف هذا الكتاب من خمسة أجزاء ولكل جزء قصته ونكهته الخاصة وهنا سنتعرف على محتوى هذه الأجزاء دون التعمق فيها، تاركين لكم مهمة الكشف عن أغوار هذا الكتاب من خلال رحلةٍ علمية لا يمكن أن تكون أكثر متعة.
*الجزء الأول من الكتاب تحت عنوان ((أصل الكون)):
في هذا الجزء يشرح لنا الكاتب كيف أن (الفيزياء) تصف سلوك المادة والطاقة والمكان والزمان، وكيفية تفاعلها بعضها مع بعض، وكيف أن تفاعل هذه الشخصيات في الدراما الكونية الخاصة بنا هو أساس الظواهر البيولوجية والكيميائية جميعها. وعلى هذا يبدأ كل ما هو جوهري ومألوف لنا - نحن الكائنات الأرضية - بقوانين الفيزياء ويعتمد عليها. وحين نطبق هذه القوانين على النطاقات الفلكية فإننا نتعامل مع الفيزياء على مستوى أكبر، وهو مانطلق عليه (الفيزياء الفلكية).
يوضح الكاتب في هذا الجزء بأنه إذا أردنا تحويل المادة إلى طاقة أو الطاقة إلى مادة فإننا بحاجة لوصفة جبرية وللحصول على هذه الوصفة الجبرية لا بد لنا من الدخول في عالم المعادلة: ط = ك × س² أي الطاقة تساوي جداء الكتلة مع مربع سرعة الضوء. حيث نشر ألبرت آينشتاين أول نسخة من هذه المعادلة الشهيرة للمرة الأولى في عام 1905؛ العام الذي نشر فيه بحثه المبدع بعنوان ((عن الديناميكا الكهربائية للأجسام المتحركة)) في صحيفة ((تاريخ الفيزياء))؛ الصحيفة الألمانية البارزة في الفيزياء. كان هذا هو العنوان الأصلي للبحث، لكنه صار معروفاً أكثر باسم النظرية النسبية الخاصة لآينشتاين، وهي النظرية التي قدمت مفاهيم غيرت إلى الأبد أفكارنا عن المكان والزمان. وبعد معادلته ط = ك × س² ، أصبح لدينا الوصفة الجبرية التي تمدنا بأداة حسابية فائقة القوة تعزز من قدرتنا عل معرفة الكون وفهمه انطلاقا مما هو عليه الآن، رجوعا بالزمن إلى الوراء حتى جزء بسيط من الثانية بعد مولد الكون. ومن خلال هذه المعادلة يمكننا معرفة كمّ الطاقة المشعة الذي يمكن لأي نجم إنتاجه.
ويتكلم أيضا هذا الجزء عن ((المادة المضادة))، فهي مادة تفنى تماما عند أي اتصال مع المادة العادية. ويكشف لنا الكون عن رومانسية خاصة بين الجسيمات والجسيمات المضادة. إذ يمكن لهذين النوعين من الجسيمات أن يُوَلدا معاً من الطاقة الصافية، أو أن يُفني أحدهما الآخر، بحيث تعود كتلتهما المجتمعة إلى طاقة مجددا. وفي عام 1932 اكتشف الفيزيائي الأميركي كارل ديفيد أندرسون الإلكترون المضاد، ذا الشحنة الموجبة، أو جسيّم المادة المضادة المناظر للإلكترون سالب الشحنة. ومنذ ذلك الوقت اكتشف فيزيائيو الجسيمات بشكل روتيني جسيمات مضادة من مختلف الأنواع.
ونرى أيضا في هذا الجزء أنه حين كان عمر الكون لا يتجاوز جزءًا بسيطا من الثانية، وحرارته الهائلة تناهز التريليون درجة، وكان يتوهج في سطوع يستحيل تخيله، كان هدفه الرئيسي هو التمدد. ومع كل لحظة تمر كان الكون يكبر في الحجم، مع ظهور المزيد والمزيد من الفضاء من العدم ومع تمدد الكون بدأ يبرد ويخفت. وعلى مدار مئات الآلاف من السنوات تعايشت المادة والطاقة فيما يشبه الحساء الثخين، الذي تشتت فيه الإلكترونات السريعة فوتونات الضوء في كل مكان على نحو مستمر. في ذلك الوقت، لن ترى سوى ضبابًا متوهجًا في جميع الاتجاهات، وستكون البيئة المحيطة بك - الساطعة، نصف الشفافة، ذات اللون الأبيض المشرب بالحمرة - ذات درجةِ حرارةٍ مماثلةٍ لدرجة حرارة سطح الشمس.
يطرح هذا الجزء أيضا مشكلة المادة المظلمة، ففي عام 1976 اكتشفت فيرا روبين - الفيزيائية الفلكية بمعهد كارنيجي بواشنطن - ((كتلة مفقودة))، موجودة على نحو غير معتاد داخل المجرات الحلزونية نفسها. فمن واقع دراسة السرعات التي تدور بها النجوم حول مركز المجرة وجدت روبين ما توقعته: فضمن القرص المرئي لكل مجرة كانت النجوم الأبعد عن المركز تتحرك بسرعات أكبر من المجرات القريبة منه. إن النجوم الأبعد يوجد بينها وبين مركز المجرة قدر أكبر من المادة (على صورة نجوم أخرى وغازات)، وهو ما يستلزم تحركها بسرعات أعلى للحفاظ على مداراتها. ومع ذلك ففيما وراء القرص الساطع للمجرة لا يزال بإمكاننا رؤية بعض السحب الغازية المنعزلة مع عدد قليل من النجوم الساطعة. وقد اكتشفت روبين - باستخدام هذه الأجسام كمؤشرات لمجال الجاذبية ((خارج المجرة))، حيث لم تعد المادة العادية تسهم في إجمالي الجاذبية - أن سرعاتها المدارية، التي ينبغي أن تنخفض مع ابتعادها أكثر في الفراغ، تظل في الواقع مرتفعة. مع العلم بأن المادة المظلمة تفوق المادة المرئية في الكتلة بستة أضعاف. وعلى مدار الأعوام الخمسة والعشرين المنصرمة كشفت المزيد من الدراسات أن معظم المادة المظلمة لا يمكن أن يتكون من مادة عادية غير ساطعة وحسب. فهل يمكن أن تكون المادة المظلمة على شكل ثقوب سوداء؟ كلا، فنحن نعتقد أننا سنكون قادرين على كشف هذا العدد الوفير من الثقوب السوداء من خلال تأثيرات جاذبيتها على النجوم القريبة. هل يمكن أن تكون سحبا مظلمة؟ كلا، وإلا لكانت امتصت الضوء القادم من النجوم الواقعة خلفها أو تفاعلت معه، وهذا لا تفعله المادة المظلمة. لهذا، حسب علمنا، لا تتكون المادة المضادة من مادة عادية تصادف أنها مظلمة وحسب، بل تتكون من شيء أخر مختلف تماما. للمادة المظلمة قوة جاذبية تتبع القواعد عينها التي تتبعها المادة العادية، لكنها لا تفعل شيئًا آخر قد يمكننا من اكتشاف طبيعتها. بطبيعة الحال يؤدي عدم معرفتنا بماهية المادة المظلمة إلى جعل هذا التحليل قاصرا. وصعوبة اكتشاف المادة المظلمة، المرتبطة على نحو وثيق بصعوبة إدراك ماهيتها تثير السؤال: إذا كانت المادة كلها لها كتلة، وكل كتلة لها جاذبية، فهل كل الجاذبية لها مادة؟ لا نعرف الجواب. إن مسمى ((المادة المظلمة)) يفترض سلفا وجود نوع من المادة لها جاذبية، وأننا لا نفهمها بعد. لكن ربما تكون الجاذبية هي المستعصيةَ على الفهم.
يبين لنا هذا الجزء أيضًا بأن ما نطلق عليه اسم ((الكون)) ينتمي في الحقيقة إلى ((كون متعدد)) أكبر بكثير، يحتوي على عدد لا حصر له من الأكوان التي لا يمكن لأي كون منها التواصل مع غيره. فوفق مفهوم الكون المتعدد يُطمر الوجود في أسره في أبعاد أعلى، وبهذا يظل فضاء كوننا بمعزل عن أي كون آخر، والعكس صحيح. إن الافتقار إلى أي تفاعل ممكن ولو من الناحية النظرية مع أكوان أخرى يضع نظرية الكون المتعدد في مصاف الفرضيات غير القابلة للاختبار، ومن ثم غير القابلة للتأكيد، على الأقل إلى أن تجد عقول أذكى سبلاً جديدةً في أوقات عشوائية تمامًا، وتكون قادرة على التمدد بفعل التضخم حتى تصل إلى حجم مهول من الفضاء، وهي تفعل هذا دون أن تتداخل، ولو بأدنى قدر، مع الأكوان الأخرى التي لا حصر لها.
*أما الجزء الثاني فهو تحت عنوان (( أصل المجرات والبنية الكونية)):
يستطرق فيه الكاتب إلى تاريخ اكتشاف المجرات وكيف بدأت هذه العملية فيعود بالزمن إلى ما يقارب قرنين ونصف، قبل أن يبني الفلكي الانكليزي سير ويليام هيرشل أول تلسكوب كبير عملي، حيث كان الكون المعروف يتألف من لا شيء أكثر من النجوم والشمس والقمر والكواكب وبضعة أقمار للمشتري وزحل، وبعض الأجرام الغائمة، إلى جانب مجرة درب التبانة. وكان لتلسكوب هيرشل مرآة عرضها ثمان وأربعون بوصة، وهو حجم لم يصل إليه اي تلسكوب حتى ذلك الوقت، في عام 1789، حين جرى بناؤه. وقد جعل نظام الروافد المعقد الذي كان يدعم التلسكوب عملية استخدامه عسيرة للغاية، لكن حين وجهه هيرشل إلى السماء استطاع بسهولة أن يرى عددا لا حصر له من النجوم يؤلف مجرة درب التبانة. تمكن هيرشل وأخته كارولاين - بالاستعانة بالمرآة ذات الثمانية وأربعين بوصة، إلى جانب تلسكوب آخر أصغر وأسهل في الاستخدام - من وضع أول دليل فضائي مصور شامل للسدم الشمالية. واستمر سير جون، ابن سير ويليام هيرشل، في السير على خطى أسرته، وأضاف غلى قائمة السدم الشمالية التي وضعها والده وعمته، ثم أثناء إقامته الطويلة في رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي لقارة أفريقيا أدرج نحو 1700 جسم غائم يمكن رؤيتها من نصف الكرة الجنوبي.
* في الجزء الثالث من الكتاب وهو تحت عنوان ((أصل النجوم)):
يتحدث الكاتب عن الغبار الكوني، فإذا كانت المناطق المكتظة بالنجوم في درب التبانة، التي وصفها جاليلو بأن بها ((عددًا لا يحصى من النجوم))، هي موضع النشاط الفلكي الحقيقي. لماذا إذن قد يهتم أحدهم بسبر أغوار المناطق المظلمة التي لا تحوي أي نجوم منظورة؟ فالمناطق المظلمة، بناءً على مظهرها، هي على الأرجح ثقوب كونية؛ فتحات لمناطق خاوية لا نهاية لها من الفضاء. مرت ثلاثة قرون قبل أن يتوصل أحدهم لماهية البقع المظلمة في درب التبانة، وأنها ليست ثقوبًا، بل تتكون في الحقيقة من سحب كثيفة من الغازات أو الغبار تحجب عنا الحقول النجمية الأبعد وتحوي في أعماقها الحاضنات النجمية مسترشداً باقتراحات مسبقة من الفلكي الأمريكي جورج كاري كومستوك، الذي تساءل لما تبدو النجوم البعيدة للغاية أكثر خفوتا مما تستدعيه مسافاتها وحدها. ولكن وفي عام 1909 استطاع الفلكي الهولندي ياكوبوس كورنيليوس كابتين الاقتارب من الحقيقة. ففي ورقتين بحثيتين تحملان العنوان نفسه ((عن امتصاص الضوء في الفضاء))، قدم كابتين الدليل على أن السحب المظلمة – ((الوسيط النجمي)) الذي عثر عليه حديثًا – لا تحجب الضوء القادم من النجوم وحسب، بل تفعل هذا على نحو غير متساو عبر ألوان الطيف الضوئي المرئي وتشتته، ومن ثم تضعفه، عما هو الحال مع طرف الضوء الأحمر. وهو ما يجعل النجوم البعيدة تبدو أكثر حمرة من النجوم القريبة. إن مقدار هذا الاحمرار لضوء النجوم يتزايد طرديًّا مع إجمالي كمية المادة التي يقابلها الضوء في رحلته إلينا.
وبعد ذلك نذهب في هذا الجزء إلى رحلة ((لحديقة العناصر)) حيث يتحدث الكاتب عن الجدول الدوري للعناصر، إذ يجسد هذا الجدول الذي وضعه الكيميائيون والفيزيائيون بشغف على مدار القرنين الماضيين، المبادئ التنظيمية التي تفسر السلوك الكيميائي لجميع العناصر التي نعرفها في الكون، أو التي قد نكتشفها يومًا. ولهذا السبب حريٌّ بنا أن ننظر إلى هذا الجدول كرمز ثقافي؛ نموذجًا لقدرة مجتمعنا على تنظيم معارفه. كما يشهد الجدول على تبني البشر من شتى الأمم مغامرة العلم كمسعى مشترك، وأن هذا المسعى لم يقتصر على المختبرات وحسب، بل امتد إلى معجلات الجسيمات والفضاء، وحتى حدود الزمان والمكان في الكون بأسره. وسط كل ما يحظى به الجدول الدوري من احترام مستحق، يفاجئ من حين لآخر أحدُ عناصره العلماءَ بسمات غريبة، فكيف لنا أن نصدق أن الصوديوم، وهو معدن قاتل متفاعل يمكنك قطعه بالسكين، وأن الكلور النقي، ذلك الغاز السام ذو الرائحة الخبيثة، عندما نجمعهما معًا، ينتج كلوريد الصوديوم، ذلك المركب غير المؤذي الضروري للحياة والمعروف بملح الطعام؟ وماذا عن الهيدروجين والأكسجين، اثنان من أكثر العناصر وفرة على سطح الأرض وفي الكون، أحدهما غاز متفجر، بينما الآخر محفز على الاشتعال، ومع ذلك عند جمعهما ينتجان لنا الماء، الذي يطفئ النار.
* الجزء الرابع عنوانه ((أصل الكواكب)):
يبين لنا هذا الجزء بأنه حين نتحول إلى دراسة بداية الكواكب تزداد الألغاز؛ فنحن لا نفتقر فقط إلى المشاهدات الخاصة بالمراحل المبكرة الحاسمة في عملية تكون الكواكب، بل أيضا إلى أي نظريات ناجحة عن الكيفية التي بدأت بها الكواكب في التكون. ولكن ومع اكتشاف أكثر من مائة كوكب ((خارج)) المجموعة الشمسية تدور حول نجوم قريبة نسبيًّا، حصل الفيزيائيون الفلكيون على قدر أكبر من البيانات يمكنهم بواسطتها أن يستنتجوا التاريخ المبكر للكواكب، وعلى الأخص أن يحددوا كيف تكونت هذه الأجرام الصغيرة المظلمة الكثيفة على جانب النجوم التي تمدها بالضوء.
ويوضح الكاتب أيضا في هذا الجزء بأن الأرض ليست أكثر من كوكب واحد وسط كواكب المجموعة الشمسية، وأنه هنالك احتمالًا كبيرًا بوجود كواكب أخرى تشبه كوكبنا، وأنها قد تحتضن سكانًا مثلنا، يخططون ويحلمون ويعملون ويلعبون ويتخيَّلون.
* أما في الجزء الخامس (( أصل الحياة)) وهو الجزء الأخير من هذا الكتاب، يعالج الكاتب ويوضح عدة قضايا: كالحياة في الكون بشكل عام وأصل الحياة على الأرض والبحث عن الحياة في المجموعة الشمسية وفي مجرة درب التبانة. وفي الختام فإن ما اكتشفناه في النهاية هو ما عرفه الشعراء منذ قديم الأزل:
" لن نكف قط عن الاستكشاف
ونهاية كل استكشافاتنا
هي الوصول إلى حيث بدأنا
ومعرفة مكاننا للمرة الأولى... " ((الشاعر تي إس أليوت، 1942)).
معلومات الكتاب:
اسم الكتاب: البدايات 14 مليار عام من تطور الكون.
تأليف: نيل ديجرس تايسون و دونالد جولد سميث.
ترجمة: محمد فتحي خضر.
تصميم الغلاف: إيهاب سالم.
دار النشر: دار كلمات للترجمة والنشر.
الطبعة الأولى: 2014.
رقم الإيداع: 22844 / 2012 .