الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
إعادة التدوير... وهذه المرّة لأعقاب السجائر!
تملأ أعقاب السجائر طرقاتِنا وشواطِئَنا وتشكِّلُ قسماً كبيراً من نفاياتِنا اليوميّة، وهو أمرٌ متوقَّعٌ إذا ما علمت أنّه في عام 2004 تمّ إنتاج ما يزيدُ عن 5.5 تريليون من السجائر عالميّاً أي ما يكافئ تقديريّاً 1.2 مليون طن من نفايات أعقاب السجائر في السنة الواحدة، ومن المتوقّع أن تزداد هذه النسب بأكثر من 50% بحلول عام 2025، وإذا ما تحدّثنا عن أساليب التخلُّص من النفايات كالطمر الصحّيّ والحرق فإنّها ليست من الطرق المستدامَة عالميّاً ولا المجدية اقتصاديّاً للتخلُّص من أعقاب السجائر؛ فطمرُ النفايات ذات المحتوى العضويّ المرتفِع والموادّ السامّة يزدادُ تكلفةً وصعوبةً مع الأيّام، وحرقُ أعقاب السجائر ينتج عنه انبعاثاتٌ تحتوي العديد من المواد الخطرة. كان يُعتقَد على مدى عقودٍ بأنّ أعقاب السجائر من المواد غير القابلةِ لإعادة التدوير لعدم وجود آليّاتٍ سهلةٍ تضمنُ الفصلَ الفعّال والاقتصاديّ لمُحتوى الأعقاب والمعالَجة المناسِبة للكيماويّات المحصورة فيها... إلى أن تولّت هذه المهمّة شركةٌ في نيو جيرسي تدعى TerraCycle وحوّلت الملايينَ من الأعقاب إلى منتجاتٍ بلاستيكيّة صناعيّة.
تملكُ الشركة أكثر من 7000 حاويةٍ لجمع أعقاب السجائر في تسعةِ بلدانٍ حول العالم، من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، وأستراليا، كما يمكن للناس إرسال أعقاب سجائرهم بالمجّان لإعادة تدويرها.
مؤكَّدٌ أنّ الإقلاع عن التدخين سيكون حلّاً أفضل بالنسبة للبيئة، لكنّ الإحصائيّات تُظهِرُ أنّ هذا لن يحصل في أيِّ وقتٍ قريب، حيثُ ازدادت مبيعات السجائر بين عامَي 2000 و 2014 بنسبة 8%، وتنتهي الكثيرُ من أعقاب هذه السجائر الحاوية على مجموعةٍ كبيرةٍ من السموم كنفاياتٍ متناثرة في البيئة وفي المجاري المائيّة، كما يمكن لعقب سيجارةٍ واحدة أن يلوِّثَ لتراً كاملاً من المياه، بالإضافة إلى خطرها على الحيوانات الّتي قد تتناول هذه الأعقاب معتقِدةً بأنّها طعام....
إذاً كيف يمكنُ تحويلُ كلّ تلك السموم إلى شيءٍ مفيد؟
تقوم الشركة أوّلاً بتفكيك أعقاب السجائر إلى أجزائها الفرديّة، وتحوِّلُ ما تبقّى من المواد العضويّة كالتبغ والورق إلى سمادٍ بعد خلطها مع فضلاتِ طعامٍ أخرى، وتستخدم السمادَ الناتجَ في أراضٍ غير زراعيّة، كملاعب الغولف مثلاً، أمّا بالنسبة للفلاتر فأغلبُها مُصنَّعٌ من مادّة خلّات السيللوز، وهي نوعٌ من البلاستيك المستخدَم أيضاً في صناعة النظّارات الشمسيّة، ولإعادة تدويرها تقوم الشركة بدايةً بتعقيم الفلاتر وتقطيعها، ثمّ خلطها مع موادّ أخرى يُعاد تدويرها، لتُذابَ مشكِّلةً البلاستيك الصناعي، وهو نوعٌ من أنواع الخشب البلاستيكي مُنخفِض الجودة الّذي يمكن استخدامُه لبناء منصّات شحن البضائع، وراقدات السكك الحديديّة (عوارض دعم خطوط السكك الحديديّة)، كما تقوم الشركة بابتكار عناصرَ أخرى كمنافض السجائر، مضارب تنس الطاولة، إضافةً إلى ساحات الملاعب والحدائق العامّة. واقترحت دراسةٌ عام 2009 إمكانيّة إدخال أعقاب السجائر في صناعة الطوب حيثُ أنّ دمجها مع مواد البناء هو حلٌّ عمليٌّ لمشكلة التلوُّث.
إنّ عمليّة تصنيع البلاستيك واضحة وبسيطة فهي تشمل إذابة المواد وإعادة صبِّ البلاستيك، إلّا أنّ المشكلة الحقيقيّةَ تكمنُ في الكلفة، فلإنتاج 1 كيلوغرام من البلاستيك نحتاجُ 2000 سيجارة، وتكلفة عمليّة إعادة التدوير للأسف هي أكبر من سعر المنتجات البلاستيكيّة الّتي يمكن بيعُها، لذلك لن يتمَّ اعتمادُها في معاملِ إعادة التدوير الكبرى في وقتٍ قريب، لذلك فقد حصلت شركة TerraCycle على رعاية شركات (من ضمنها شركات السجائر) لتمويل عمليّة إعادة التدوير، بحيث تبقى مجّانيّةً للمدن والناس الذين يرسلون أعقاب السجائر. وتوسِّعُ الشركة عروضَ إعادة التدوير لتشمُلَ المتبقّي من نسبة الثمانين بالمئة من النفايات المنزليّة غير القابلة لإعادة التدوير، كأغلفة الشوكولا، الأقلام، وأجهزة الخليوي.
هو واحدٌ من الأبحاث الهادفة لإيجاد وسيلةٍ تمنعُ أن ينتهي مطاف الكثير من النفايات في المطامر، ومن ثمّ الحصول على تمويل الشركات للعمليّة البيئية الهامة. لم تجد الشركة حتّى اليوم ما تعجز عن إعادة تدويره، لكن مع كميّة وتعدُّدِ أنواع التغليف والنفايات في العالم، يجب البحثُ باستمرار عن مصادر نفاياتٍ جديدةٍ للتعاملِ معها ومعالجتِها.
المصادر:
هل أعجبك المقال ... ماذا عن تدوير البشر أيضاً ؟ هل يمكن أن تتخيل الفكرة .. اقرأ مقالنا السابق هنا