الفيزياء والفلك > علم الفلك
فلكيونَ يكتشفون المجرة الأخفت بين المجراتِ المنظورة
أكَّد فريقٌ دوليٌ من العلماء اكتشافه مجرةً تُعدُّ الأكثر خفوتًا بين المجرات المُكتشفة حتى الآن، و تُعَدُ واحدةً من المجرَّات الأقدم التي ظهرت مع بدايات عُمر الكون.
باستخدامِ أحدِ أقوى المِقرابات (التلسكوبات) في العالم، و اعتمادًا على ظاهرةِ التّعدُس الثقالي Gravitational lensing تمكّن العُلماء في مرصد W. M. Keck الواقع على قمَّة جبل ماوناكيا Maunakea في هاواي، من التقاطِ إشارةٍ واردةٍ من مجرَّةٍ خافتةٍ جِدًا و بعيدةٍ جدًا، وُلدتْ بعدَ الانفجارِ الكبيرِ بفترةٍ قصيرة. تُعطينا هذه الإشارة فكرةً عن حالِ المجرّة قبل 13 بليونِ سنةٍ خَلَت، أي عندما كان الكون طفلًا صغيرًا بالمقاييس الكونيَّة.
يعودُ الفَضل بهذا الاكتشاف إلى الأداة DEIMOS التي ثبّتها العُلماء على المقراب Keck II البالغِ قطرُه 10 أمتار. كما يعودُ الفضل أيضًا إلى ظاهرةٍ كونيَّةٍ تنبأ بها أينشتاين تُسمى «التَعدُّس الثقاليّ». حيث ينحني الضوء عند مروره بجانب جسمٍ ذي قوةٍ ثقاليةٍ كبيرة (كما لو أنهُ يمر بجانب عدسة زجاجية)، الأمر الّذي يُمكنُ العلماء من رصدِ صورةٍ أكبر للجسم الّذي يصدُر عنه الضوء. في هذه الحالة فإنّ العدسة الثقالية (الجسم الّذي سبب انحناء الضوء) و الّذي أدى لاكتشافِ هذه المجرة الخافتة هو عنقودُ المجرّات MACS2129.4-0741 الذي يقع بيننا وبين المجرّة الخافتة المذكورة. إذ يمتلك هذا العنقود كتلةً كافيةً لخلق ثلاثِ صورٍ مختلفةٍ للجسم نفسه.
قاد فريقَ البحثِ الأستاذةُ ماروشا براداتش Maruša Bradač من جامعة كاليفورنيا، التي ترى أن: «المقراب Keck هو أفضلُ مقرابٍ متوفرٍ حاليًا في العالم لإنجاز هذه المَهمة، و بالاعتماد على قوَّة هذا المِقرابِ و قوَّةِ العدسةِ الثقاليةِ لعُنقود المجرَّات تمكَّنَّا من رؤيّةِ أماكنَ في الكونِ لم يرها بشرٌ من قبل».
ساهم في هذا العملِ أيضًا الفلكيُ مارك قسيس Marc Kassis، وهو من الكادرِ العاملِ في المرصدِ، وساعدَ فريقَ العملِ في مَهمته. يقول العالم مارك: «عندما تَرصُدُ ثلاثَ إشاراتٍ لها صفاتٌ مميِّزةٌ متطابقةٌ، فهذا يَدلُّ على أنها كانت إشارةً واحدةً تعرَّضت لتأثير العدسةِ الثقاليةِ. والشيء الممَيَّزُ أيضًا أن هذه الإشارة ضعيفةٌ جدًا، وما كان من الممكن رَصدُها لو لم يتِم تضخيمُها، الأمر الذي سمحَ للعلماءِ بالتعرُّف على هذه المجرَّة التي تقعُ على مَقرُبةٍ من حافَّةِ الكون المنظور، أي الذي نستطيع رَصده».
يقول العالم كوانغ-هان هوانغ Kuang-Han Huang وهو أحد المُشرفين على هذا البحث «لولا تَضخيمُ الضَّوءِ القادم من تلك المجرّة بمُعامِل 11 و7 و5 لما تمكَّنا من رصدها أبدًا، فهي تقعُ قريبًا من حِقبة إعادة التأيُّن، وهي حقبةٌ قديمةٌ من بدايات عُمر الكون، تَحوَّلت فيها مُعظم ذرات الهيدروجين الموجودة في الكون من ذراتٍ معتدلةٍ إلى ذراتٍ متأينة. وأدت هذه العمليَّة إلى اشتعال النجوم للمرةِ الأولى. لقد كشفَ هذا العملُ لنا أهميَّةَ الاستفادةِ من ظاهرةِ التعدُّس الثقالي لدراسةِ تجمعاتِ المجرَّات الخافتة، التي هيمنت على الكون خلال حقبةِ إنتاج الفوتونات و إعادة التأيُّن».
وَرَدتْ بياناتُ الصُّورِ المُكبرةِ لهذه المجرَّةِ من مَصدرين مُنفصلين، هما مرصد Keck ومقراب هابل الفضائي الذي تُديره وكالتا الفضاء الأمريكية والأوربية. فجمعَ الفريقُ هذه البياناتِ ودمجَ الصورَ الثلاثةَ الواردةَ من الأداة DIAMOND المُثبتة على المقراب Keck، ودرسها أعضاءُ الفريق فتأكَّدَ لهم أن هذه الإشاراتِ الثلاث تعودُ إلى جسمٍ واحدٍ. وأن الضَّوء الصادرَ عن هذا الجسمِ مرَّ عبر نظامٍ ثلاثي التعدُّس، أدَّى إلى ظهور المجرّة في ثلاثِ مناطقَ من السَّماء.
ويُضيف العالم هوانغ: «نملِكَ اليومَ فكرةً واضحةً عن توقيتِ نهايةِ حِقبةِ إعادة التأيُّن، فمن خلال قياس الانزياح الموجي نحو اللون الأحمر نستطيعُ أن نُقدِّرُ أنها انتهت إما قبل 6 أو قبل 12.5 بليونَ سنةٍ، لكننا ما زلنا نجهَلُ الكثير من التفاصيل عن ظروف نشأتها. ومِن المُرجحِ أن تكونَ المجرَّةُ التي اكتشفناها واحدةً من المجرَّات الخافتُة التي دفعت عمليَّة إعادةِ التأيُّنِ في تلك الحقبة».
يُعلِّقُ العالمُ قسيس Kassis على عملهم بقوله: «هذه المجرَّةٌ مثيرةٌ للاهتمام، فالفريق تمكَّنَ من رصدِ مجرٍة ضئيلةٍ لا تتجاوز كتلتها الواحدَ بالمئةِ من الواحدِ بالمئةِ من كتلةِ مجرَّةِ دربِ التَّبانةِ. إنها مجرَّةٌ صغيرةٌ جدًا، وبعيدةٌ جدًا، لكنها ستكونُ الدليلَ الذي سيساعد العلماءَ على الإجابة عن أحدِ الأسئلةِ الأساسيَّةِ في علم الفلك، لماذا تحوَّل الهيدروجين في بدايةِ عُمرِ الكونِ من الحالةِ المعتدلةِ إلى الحالةِ المتأينةِ قبل حوالي 13 بليونِ سنةٍ؟ عند هذا التوقيت ظهرت النجوم لأولِ مرةٍ، و بدأت المادة تأخُذُ أشكالًا أكثرَ تعقيدًا ».
المصدر: هنا