الطب > كيف يعمل جسم الإنسان؟
الجهاز التنفسي - الأنف
لقراءة مقالاتنا الأخرى ضمن سلسلة كيف يعمل جسم الانسان: هنا
كنّا قد بدأنا في المقال السابق بالحديث عن الجهاز التنفسي هنا وسنتابع اليوم بالحديث عن الأنف:
تجويف الأنف أو الحفرة الأنفية هو الجزء العميق من الأنف والممتد من المنخرين في الأمام
(الفتحات الأنفية) وحتى البلعوم في الخلف، يقسم جوف الأنف إلى قسمين أيمن وأيسر بواسطة بنية عظمية غضروفية تدعى حاجز الأنف أو الوتيرة Deviated septum.
لمحة جنينية:
يبدأ تطور الأنف من خلايا العُرف العصبي، حيث تبدأ الخلايا بالهجرة نحو منتصف الوجه حوالي الأسبوع الجنيني الرابع، ومن ثم تبدأ اللويحتان الأنفيتان بالتشكل بشكل متناظر أسفل هذا المستوى.
تقوم الوهدات الأنفيةُ بفصل اللويحات إلى قسمين: أُنْسي و وحشي، و بحلول الأسبوع العاشر يحدث التمايز بين العضلات والغضاريف، والعناصر العظمية.
قد يؤدي الخلل في عمليات تطور الأنف في مرحلة التطور الجنيني المبكر إلى تشوهات متنوعة، مثل تعددِ الأنف، الشقوقِ الأنفية الجانبية، عدم تصنع الأنف و رَتْقِ قمع الأنف.
لمحة تشريحية:
يتألف الأنف الخارجي من زوج من العظام الأنفية و الغضاريف الوحشية العلوية و السفلية، أمّا من الداخل فيفصل الحاجز الأنفي التجويفَ بجهتيه اليمنى و اليسرى.
حاجز الأنف أو الوتيرة Nasal septum: هو الجدار الذي يفصل جوف الأنف إلى قسمين متناظرين. ويتركب من قسم غضروفي وقسم عظمي يتكون من الميكعة Vomer والصفيحة العمودية للعظم الغرباليEthmoid bone.
تمتد ضمن تجويف الأنف بنى عظمية تغطيها طبقةٌ من الخلايا المخاطية تسمّى القرينات Turbinate (متوسطة و سفلية و علوية غالباً)، حيث تتوضع فتحاتُ الجيوب الأنفية عادة تحت القرين المتوسط على الجدار الوحشي، بينما ينزح النظام الدمعي تحت الجزءِ الأمامي السفلي من القرين السفلي.
يتكون الغشاء الأنفي من ظهارة مُهدَّبة غدية مطبقة كاذبة، تقوم الأهداب من خلال حركتها المتناسقة بدفع المخاط من التجويف الأنفي و الجيوب باتجاه البلعوم الأنفي لتبلع، حيث ينتج الأنف و الجيوب ربع غالون من المخاط يومياً بشكل وسطي، و يمكن لهذه الكمية أن تتضاعفَ في حالة التهاب الأنف والتهاب الجيوب، حيث يحتوي المخاط على الغلوبولين المناعي A ، E بالإضافة إلى الموراميداز.
يحددُ الدمُ و التعصيب الأنفي مستوى الاحتقان و كمية الإفرازات، حيث يتعصب الأنف من الجهاز نظير الودي الذي يسيطر على منظومة الإفرازات، بالإضافة لوظائف أخرى عديدة، يشاركه العصب الوجهي، ناشئاً من النواة اللعابية السفلية. أما عن التروية الدموية فتأتي من فروع السباتيين الظاهر و الباطن، حيث تروي الفروع الانتهائية من الشريان الفكي معظم السطح المخاطي للأنف بينما يقوم الشريان العيني بتروية الجزء الخلفي منه.
ان كمية الدم المتدفق عبر هذا النظام مثيرة للاهتمام، حيث أنها تفوق (بمعيار تدفق\وحدة نسيجية) مثيلاتها في الدماغ، الكبد أو العضلات.
تبلغ مساحة السطح المخاطي للأنف حوالي 180 سم2 منها حوالي 10سم2 من الظهارة الشمية 170 سم2 من الظهارة التنفسية الموعاة بشكل غزير.
نأتي الان لذكر وظائف الأنف:
1- التنفس:
هو أول أجزاء الجهاز التنفسي، ويعتبر التنفس عن طريق الأنف أفضل من التنفس عن طريق
الفم؛ فالتوعية الغزيرة لجوف الأنف وأشعار الدهليز والإفرازات المخاطية تساهم بتصفية الهواء
المستنشق وتدفئته وترطيبه. ومن الجدير بالذكر أن حديثي الولادة يظلون مجبرين على التنفس
الأنفي لمدة ستة أسابيع، وهذا ما يجعل من رتق (انسداد) قمع الأنف ثنائي الجانب حالة إسعافية عند حديثي الولادة.
2- الشم:
يحتوي جوف الأنف في أجزائه العلوية على مستقبلات حسية خاصة بحاسة الشم، ولذلك يعتبر
الأنف من أعضاء الحواس.
كل من الروائح والنكهات تقوم بإلتقاطها مستقبلات شمّية تقع في سقف التجاويف الأنفية (القسم
العلوي من الحاجز الأنفي والقرينات العلوية والصفيحة الغربالية)، وإثارة هذه المستقبلات تتسبب في إرسال دفعات عصبية إلى الألياف العصبية المتصلة بهذه المستقبلات، وتعبر هذه الألياف العصبية من خلال ثقوب دقيقة في سقف تجويف الأنف (الصفيحة الغربالية) لتدخل البصلة الشمّية (تحت الفص الدماغي الجبهي)، وتسير الإشارات الكهربائية التي تنقل الإحساس بالشم عبر العصب الشمي مركز الشم في المخ.
وللتعرف أكثر على حاسة الشم يمكنكم قراءة المقالات التالية:
كما يمكنكم قراءة المقال التالي للتعرف على كم من الروائح يمكن لأنف الانسان أن يتعرف:
3- التصفية، التدفئة و الترطيب:
تقوم القرينات الأنفية بالتحكم بمرور الهواء في التجويف الأنفي، حيث تقوم بإجباره على العبور من مقاطع ضيقة مغطاة بطبقة مخاطية تنفسية رطبة.
تتم تدفئة الهواء وترطيبه عند مروره بجانب الشبكة الوعائية الغزيرة المتوضعة تحت السطح
مباشرة، هذه الشبكة الشعرية مصممة خصيصاً للمرور السريع للسوائل عبر الغشاء الوعائي، و من ثم خارجاً إلى الهواء الجاف.
4- التصويت:
الأنف هو العضو الذي يندفع من خلاله النفس مع بعض الأصوات كالميم والنون، ويعمل كفراغ
رنّان يضخّم بعض الأصوات عند النطق.
بعض الاضطرابات الوظيفية و المرضية الشائعة:
التهاب الأنف التحسسي واللاتحسسي:
تتميز الأغشية التي تبطن الأنف بأنها حسّاسة جدا للمتغيرات الداخلية والخارجية، و تعد الحساسية البيئية أشيع أسباب التهاب الأنف، أما المرتبة الثانية فتعود لاستنشاق المواد المخرشة كدخان السجائر و العطور والعديد من المواد الكيميائية والدوائية والعطرية.
هذا يؤدي الى تضخم القرنيات وافرازات كثيفة مؤديا الى انسداد الأنف وعطاس وافرازات وحكة مستمرة.
يمكنكم التعرف من خلال الروابط التالية على:
حساسية الربيع هنا
الحساسية الفصلية هنا
التهاب الجيوب الحاد هنا
التهاب الجيوب المزمن هنا
سيلان الأنف هنا
العطاس هنا
أما بالنسبة لالتهاب الأنف اللاتحسسي، فيمكننا القول بأنه ينجم عن خلل في وظيفة الأعصاب
اللاإرادية أو في تروية التجويف الأنفي بسبب خارجي أو دوائي، حيث يمكن أن يزيد احتقان الأنف وسيلانه في حال زيادة المقوية الودية أو انخفاض مقوية الجهازنظير الودي أو زيادة التروية الأنفية، بينما يمكن لنقص التروية الأنفية أو زيادة المقوية نظيرة الودية أو نقص مقوية الجهاز الودي أن تنقص من سيلان و احتقان الأنف.
ومن الجدير بالذكر أن التغيرات الهرمونية الحاصلة أثناء فترتي الحمل و انقطاع الطمث
وهرمونات الإعاضة الأنثوية تؤثر أيضاً على وظيفة الأنف، بينما يمكن للتشوهات التشريحية أن تؤثر على الاحتقان والنزح والشم.
كيف يؤثر انحراف الوتيرة و ضخامة القرينات الأنفية على الوظيفة؟
عند أغلب الناس يكون الحاجز به انحراف بسيط ولا يعطي اعراض. ولكن عند انحرافه لجهة معينة فان القرينة الأنفية تتضخم في المنطقة الواسعة لتقليل دخول الهواء للرئة. وعندما يكون الانحراف شديدا فان القرينة تتضخم بشكل يشكل انسداد للفتحة الأنفية.
انّ العلاج الوحيد لانحراف الحاجز الأنفي هو العملية وتستوجب عند حدوث الانسداد الأنفي أو
الأعراض، ومنها: صداع مزمن وانسداد مزمن في الأنف والشخير والتهاب الجيوب الأنفية
والتهابات متكررة في الأذن الوسطى والتهابات الحلق المتكررة الرعاف.
عادة يتم علاج تضخم القرينات الأنفية بشكل محافظ بالبخاخات الأنفية أو بعض الحبوب، ولكن عند عدم الاستجابة للعلاج بعد عدّة أشهر نلجأ لكيّ أو استئصال القرينات المتضخمة.
يمكنكم التعرف أكثر على الشخير وأسبابه من خلال الرابط التالي:
الشخير هنا
يمكنكم معرفة المزيد عن انحراف الوتيرة من خلال الرابط التالي:
صور تنظيرية للفتحة الأنفية اليسرى مع حاجز أنفي منحرف بشكل معتدل و قرينات وسطى وسفلية طبيعية المظهر:
الرعاف Epitaxis:
يمكنكم قراءة المقالات التالية حول الرعاف وعلاجه:
أو مشاهدة هذا الفيديو التوضيحي: هنا
الناميات Adenoids:
يمكنكم قراءة المقال التالي هنا
ماذا يفرز الأنف أيضاً بالاضافة للمخاط؟
تعد الطرق التنفسية العلوية و التجويف الأنفي مع الجيوب الأنفية المصادر الرئيسية لأحادي أوكسيد النتروجين، رغم ما يكتنف دور هذا المركب في الأنف من غموض، فإنه يعتقد بأن له دورًا في المناعة وحركية الأهداب، كما يعتقد بأنه يمكن أن يؤثر، من خلال استنشاق الانسان نفسه له، على نسبة تهوية - تروية في الجهاز التنفسي، كما أن الباحثين وجدوا بأن تراكيز منخفضة منه تترافق مع العديد من الأمراض مثل خلل حركة الأهداب، التليف الكيسي و التهاب الجيوب الفكية الحاد والمزمن، بينما ترافقت تراكيزه العالية مع انتانات الطرق التنفسية العلوية و التهاب الأنف التحسسي والبوليبات الأنفية.
للتعرف على أهمية المخاط يمكنكم الضغط على الروابط التالية:
كما يمكنكم التعرف على دلالات تغير لون المخاط من خلال الانفوجرافيك التالي:
كيف يتم امتصاص بعض العقاقير من الغشاء المخاطي للأنف إلى الدم؟
تعتبر الشبكة الوعائية عالية النفوذية، المذكورة أعلاه، و التي تغطي السطح المخاطي للأنف مفتاح عملية توصيل الأدوية، حيث أن السوائل المحمولة بالهواء الداخل للأنف تعبر هذا السرير الشعري باتجاه الدم.
تتطلب هذه العملية شروطاً معينة، من تركيز دوائي مناسب وبنية جزيئية ملائمة، عندما تتحقق هذه الشروط فإن عملية النقل من الأنف إلى الدورة الدموية تستغرق وقتاً قصيراً نسبياً.
كذلك يمكن لبعض الظروف المتعلقة بالمريض أن تعيق الامتصاص الأنفي أو أن تتسبب بنقل
الدواء بعيداً، مثل وجود كميات عالية من الدم أو المخاط على الغشاء المخاطي.
يمكن للاستخدام المسبق للمضيقات الوعائية مثل: Oxymetazoline، Phenylephrine أو غيرهما أن يحد من الامتصاص أيضاً، حيث أثبت مجموعة من الباحثين أن المضيقات الوعائية تحدّ (و لكنها لا توقف تماماً) الامتصاص الأنفي للدواء، بينما لم يكن هناك تأثير، أو أنه كان طفيفاً، لانتان الطرق التنفسية العلوية.
وماذا عن الامتصاص المباشر للأدوية من الأنف إلى السائل الدماغي الشوكي و الدماغ؟
هناك أدلة جيدة على أن الأدوية التي تكون على تماس مع المخاطية الشمية يمكن أن تخضع لعملية نقل جزيئي عبر النسيج إلى السائل الدماغي الشوكي.
بما أن المخاطية الشمية تقع في أعلى التجويف الأنفي، تحت الصفيحة الغربالية تماماً، فإن الخلايا الشمية تعبر هذه الصفيحة باتجاه التجويف القحفي، مما يعطيها الأفضلية في تجاوز الحاجز الدماغي الدموي، وانتشارها بشكل أسرع في السائل الدماغي الشوكي، غالباً أسرع من تلك الناجمة عن التطبيق الوريدي للدواء.
تعتبر هذه الآلية مهمة للغاية، خاصة عندما يتم تطبيق الأدوية مركزية التأثير كمضادات الاختلاج والأفيونات و غيرها عن طريق الأنف، حيث أظهرت التجارب توصيلاً (شبه فوري) لبعض الأدوية المطبقة بهذه الطريقة.
المصادر: