الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
مدينةٌ غارقة أم ماذا! لغزٌ جديد يحلّه العِلم
صادفَ غوّاصون قبل عدّة سنواتٍ قبالة جزيرة زاكينثوس اليونانيّة شبكةً مُعقّدةً من الممرّات و المسارات الحجريّة تحت الماء، ووجدوا مشاهدَ تذكّرُ بقواعد الأعمدة اليونانيّة والأرضيّات المرصوفة بالحصى، ممّا استحضرَ إلى الأذهان صورَ مدينةٍ اختفت في أعماق البحار قبل آلاف السنين. ولكن عندما قامت السلطات اليونانية بنظرةٍ فاحصة، لم تجِدْ علاماتٍ تشيرُ إلى حياة الإنسان فيها مثل القطع الفخاريّة والعملات أو الأدوات. ويشير الآن البحث الجديد أنّ الهياكل ليست على الإطلاق من صنع الإنسان.
أجرى أستاذ العلوم البيئية في جامعة شرق أنجليا (East Anglia) جوليان أندروز وزملاؤه، الدراسات المخبرية للتركيب الكيميائي لعيّنات هذه الممرّات الموجودة تحت الماء. ونُشِرَ التحليل في مجلة جيولوجيا البحار والبترول، وكشفَ البحث المشترك بين جامعة شرق انجليا وجامعة أثينا (اليونان) بأنّ هذه الهياكل تشكّلت على الأرجح نتيجةً لموقعها المباشر فوقَ صدعٍ تحت السطح مخفيٍّ في قاع البحر، وهي تكويناتٌ طبيعيّةٌ منحوتةٌ بواسطة تفكك غاز الميتان في قعر البحر قبلَ ملايين السنين، حيث يتسرّبُ الميتان من قشرة الأرض بطُرُقٍ مختلفة. وتستخدمُ الميكروباتُ في الرواسبِ الكربون الموجود في الميتان كوقود، ممّا يغيّر من كيمياء الرواسب ويشكِّلُ الاسمنت الطبيعيّ، وفي هذه الحالة كان الاسمنت المتشكِّلُ عبارة عن الدولوميت (صخر رسوبي يتألف من كربونات الكالسيوم وكربونات المغنيزيوم) الّذي نادراً ما يتشكّلُ في مياه البحر، ولكنّه شائعٌ جداً في الرواسب الغنيّة بالميكروبات. ومع مرور الوقت تقوم التيّارات بحَتِّ الرواسبِ المحيطةِ بهذه التشكلات لتصبحَ أنعم، وتَنتُجَ عنها هذه الهياكل القاسية المتشكِّلة طبيعيّاً.
ويقول الباحثون أنّ اختلاف أشكال هذه التكوينات من المرجّح أن يكون نتيجةً للأنواع والأحجام المختلفة من تسريبات الميتان. على سبيل المثال، يمكن أن يكون قد تمّ تشكيلُ الهياكل الشبيهة بالأعمدة عندما أُطلِقَت منافث الميتان خلال الرواسب وتفاعلت مع البكتيريا لتتجمّعَ الرواسبُ متراصّةً حول هذه المنافث. أمّا الهياكل الّتي تشبه الأرضيّات، ربّما تشكّلت عندما تسرّب الميتان نحو السطح بطريقةٍ بطيئةٍ ومتناثرة، قبل التفاعل مع طبقةٍ أفقيّةٍ من البكتيريا داخل الطبقات الرسوبيّة، وبدلاً من تشكيلها بنيةً منفصلةً حول الأنبوب، فإنّها تنتِجُ في الواقع هيكلاً مُسطَّحاً.
تُعرَفُ هذه العمليّة باسم "التحجير"، وهي أمرٌ شائعٌ جداً ولكن عادةً ما تحدث في أعماق المحيط. فمن النادر أن تجدَ أمثلةً في المياه الضحلة مثل الخلجان ودلتا الأنهار. وعندما يجدُها الغواصون بأعماقٍ ضحلةٍ تحت الماء (كما في حالة الدراسة هذه)، فمن المتوقّع أن يخطِئُوا باعتقادهم أنّ هذه التشكيلات هي من صُنعِ الإنسان.
أثارت الجدلَ أنواعٌ أخرى من الهياكل تحت الماء، قبالة الجزيرة اليابانيّة الجنوبيّة يوناجوني فأعرب الغواصون والباحثون منذ فترة طويلة عن دهشتهم من الهياكل الحجريّة الهندسيّة التي تشبه الأقواس، أو المعابد أو المُدرجات، وهرم، وأيضاً أجزاءً من القِلاع. ولكنّ أصلَ هذا الموقع لا يزالُ موضعَ جدلٍ علميّ. ويقول العديد من الخبراء أنه يمكن أن تتكوّن مثل هذه الأشكال بسهولةٍ نتيجةً لعمليّاتٍ طبيعيّةٍ كمَيلِ الحجر الرملي لكسرِ المستويات المسطّحة، وخلق حوافَّ نظيفةٍ ومتماثلةٍ التي يمكن أن تبدو وكأنّها من صُنعِ الإنسان.
صورة: من الهياكل تحت الماء قبالة جزيرة يوناجوني والتي لا يزال سرها غامضاً
وكما يقولُ المَثَل "ليس كلُّ ما يلمَعُ ذهباً" نقولُ في حالتنا "ليست كلُّ الأعمدةِ والأشكال الهندسيّة في البحار آثاراً".
المصادر: