الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
نظرية القصاص في العقاب
ثانياً: نظرية القصاص:
1- تبرير القصاص:
فيما يتعلق بنظريات القصاص يقول "سي إل تين" أنه ليس هناك اتفاق تام حول نوعية نظريات القصاص، إلا أنها جميعاً تحاول إيجاد رابط بين المخالفات الأخلاقية والعقاب، لذلك من الصعب علينا إعطاء صورة عامة لتبرير القصاص، ولكن بإمكاننا إعطاء الملامح الأساسية التي تشكل الصورة العامة لتلك النظريات.
تحتل مفاهيم العدالة والاستحقاقية مكاناً مركزياً في معظمها، فوفقاً لمتطلبات العدالة يستحق المذنبون العذاب، والعقاب وجد لإعطائهم ما يستحقونه. ومن المفيد أن ننظر إلى نموذج نظرية قصاص محددة، لذلك سنقوم باختبار وجهة نظر "إيمانويل كانت".
كانت يسعى إلى ما يشير إليه بــ"مبدأ المساواة" في نقاشه للعقاب، وإن طُبّق هذا المبدأ إذن على مؤشر مقياس العدالة عليه ألا يميل إلى أحد الطرفين زيادة عن الآخر. فإذا ما ارتُكب ذنب ما، فالشخص الذي ارتكبه قد عبث بتوازن مقياس العدالة، وقد سبب المعاناة لأحد، وبالتالي جعل نفسه مستحقاً للمعاناة.
لذلك ولإعادة توازن مقياس العدالة يجب تعذيبه، ولكن لا يجوز تطبيق أي نوع من التعذيب عليه. ينص كانت على وجوب اعتبار أن الفعل الذي قام به الفرد كأنه ارتُكِب عليه هو ذاته، ويشير إلى ذلك بــ"مبدأ الانتقام" أو مقابلة الفعل بمثله. وإن التطبيق الأكثر وضوحاً لهذا المبدأ هو مجازاة القتل بالقتل (العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم).
إذن تبرير العقاب عند كانت مُستمد من مبدأ الانتقام، ويرتكز على مبدأ المساواة، وتلعب مفاهيم العدالة والاستحقاقية دوراً أساسياً في نظرية كانت، ويتم تطبيقها بطريقة تستبعد إمكانية تبرير معاقبة الأبرياء، بما أن الشخص البريء لا يستحق العقاب. وإن أتباع كانت لا يقومون بعقاب شخص بريء، بينما يقوم أتباع النفعية بذلك - أو على الأقل يشاركون في إنزال العقاب - في حالات معينة، وبما أن العديدين يعتبرون عدم أخذ العدالة والاستحقاقية في عين الاعتبار مشكلة كبيرة، فتبدو بذلك نظرية كنط متفوقة في هذا الصدد.
2- الاعتراضات على النظرية والردود عليها:
يقول "غيرترود إزورسكي" أنه لربما علينا تجربة الموقف الكانتي والنظريات المشابهة بــ"عالم ليس للقصاص من المجرمين فيه أي غايات تستحق السعي"، عالمٍ لا يكون العقاب فيه رادعاً، ولا يؤدي إلى إعادة التأهيل، بالإضافة إلى أن الضحايا لا تُعوَّض خسارتهم بعقاب من آذوهم.
في هذا العالم سيكون على مُتّبع الفكر الكانتي إنزال العقوبة بكل مذنب دون فائدة ترجى، وعلاوة على ذلك فإن الأفراد الذين يعيشون في هذا العالم سوف يكونون أيضاً ملزمين أخلاقياً بعقاب المذبين، وفشلُهم في ذلك يعني فشلَهم في تطبيق إملاءات العدالة. وبالتأكيد يبدو ذلك من الغرابة في موضع إن كان الجميع ملزمين أخلاقياً بإنزال العقابلن يعود بالنفع على أحد.
وتبعاً لإزورسكي إن هذه النتيجة الغريبة تكشف إشكالية في نظرية كانت.
ولا يعترف كانت أن نتيجة نظريته تدعو للاستغراب فبرأيه "إن هلكت العدالة والصواب، لن يتبقى للبشرية أي قيمة في الحياة". إذن حتى سكان عالمنا الخيالي ملزمون بضمان أن "كل شخص مُدرِكٌ لعواقب أفعاله"، وإن لم يَرقَوا إلى هذا الالتزام سوف يفشلون بتطبيق إملاءات العدالة، وحياتهم سوف تصبح أقل قيمة.
وبالتأكيد لن يقتنع منتقدو نظرية كانت بهذا الرد، في الواقع من الأفضل أن نشكك في مفهوم عدالة يدعم فكرة أن العدالة يمكن تعزيزها دون التحيّز إلى صالح أيّ أحد كان. كما ذُكر سابقاً إن العديد من النظريات التي يشار إليها بــ"قصاصية" تختلف كثيراً عن بعضها البعض. وبجميع الأحوال بما أن نظرية كانت تمتلك معظم الملامح الأساسية للنظريات الأخرى، فجميعها أيضاً تتعرض لنقد مشابه لنقد إزورسكي، وتختلف الانتقادات جزئياً بحسب النظرية.
المصدر: هنا
مصدر الصورة: هنا