الطب > متلازمات طبية
56- متلازمة البطة القبيحة Ugly duck syndrome
"ابنُ البطّة السوداء" كثيراً ما نستعمل هذا المصطلحَ عند عدم حصولنا على ما نريد، ولكن هل تعلمون أنَّ "البطة السوداء" هي حالةٌ طبيةٌ نفسيةٌ؟ لنعرفَ أكثرَ عن هذه المتلازمة، دعونا نقرأ المقال التالي...
ما تعريف متلازمة البطة؟
تُدعى أيضاً "متلازمةُ بطّةِ ستانفورد" أو"متلازمةُ البطة القبيحة" وتُسمَّى في بلادنا "البطّة السوداء"، وهي ليست اضطراباً عقلياً حقيقياً، بل ظاهرةً تُشاهَد بشكلٍ رئيسيّ لدى طلاب الجامعاتِ والمدارسِ الذين يحملون الكثيرَ من الهموم على عاتقهم، ومن الممكن أن يظهرَ فيها العديدُ من الأعراض الأولية للأمراض النفسية المختلفة كالاكتئابِ والقلقِ وغيرها، ونظراً للآثار الخطيرةِ الناتجةِ عن القلق والاكتئاب، يجب أن تؤخذَ هذه المتلازمةُ على محملِ الجِّد وتُعالَج.
ما الأسبابُ وعواملُ الخطورةِ المؤديةُ للإصابة بمتلازمة البطة؟
• تشمَلُ عواملُ الخطورة النوعية لهذه المتلازمة ضغوطاتِ الحياة المدرسية والجامعية، كالعيش بعيداً عن العائلة لأوَّل مرة، وزيادة المسؤولياتِ والمتطلباتِ الحياتية والاجتماعية لهذه الحياة الجديدة بعد المدرسة الثانوية.
• كما من الممكن أن تلعبَ وسائلُ الإعلام دوراً، إذ يرى الطالبُ الجامعيُّ أشخاصاً في مثلِ عمره يحققون العديد من الإنجازات دونَ جَهدٍ أو تعبٍ مقارنةً بما يمرُّ به هو.
• للعائلة دورُها أيضاً، إذ إنَّ مطالبةَ الأهل بالنتائج والإنجازات الكبيرة، يضعُ الطالبَ تحت ضغط كبير، وكذلك فإنَّ إفراطَ الأهل في حماية أبنائهم والتدخلِ في تفاصيل حياتهم، يجعلُ الأبناءَ أقلَّ مرونةً وقدرةً على مواجهة المصاعب الحياتية.
• تُعدُّ عواملُ الخطورة للإصابة بالقلق والاكتئاب عواملَ خطورةٍ للإصابة بمتلازمة البطة، ولكنَّها أقلُّ نوعيةً من العوامل سابقة الذكر. كما أنَّ المصابين باضطراباتٍ سلوكية، كسوء الانتباه وفرط النشاط ADHD، وصعوبة التعلم يكونون تحت خطر الإصابة بمتلازمة البطّة.
• وكغيرها من الأمراض النفسية والعقلية، فإنَّها في الغالب لا تنتجُ عن عامل واحد، بل عن اشتراك العديد من العوامل البيولوجية والنفسية والبيئية وغيرها. إذ يَنتجُ الاكتئابُ والقلق بيولوجياً عن مستوياتٍ غير طبيعية من النواقل العصبية في الدماغ أو عن ضَعف بعض مناطق الدِّماغ وزيادةِ نشاط مناطقَ أخرى.
• تكونُ الإناث أكثرَ عرضةً للإصابة بالاكتئاب والقلق وغيرها من الاضطرابات النفسية من الذكور، وقد يكون هذا عائداً إلى الاختلافات البيولوجية والمورثية بين الجنسين، كما قد يتدخَّلُ العامل الوراثي أيضاً، فالأبناءُ لأبٍ مصابٍ بالاكتئاب أكثرُ عرضةً للإصابة بالاكتئاب أيضاً.
• أما عواملُ الخطورة النفسية فمنها: الغرورُ، وعدمُ الثقة بالنفس، والشعورُ بالنقص، وشعورُ الشخص أنَّه ليس ذا نفعٍ لنفسه وللآخرين.
• من الممكن للاعتداءاتِ النفسية والجسدية أن تلعبَ دوراً رئيسياً أيضاً كالتعرُّض للضرب، أو الاغتصاب، أو الاضطهاد، أو العنف المنزلي، أو وفاة أحد الأشخاص المقربين، أو مشاكلِ المدرسة، أو التنمُّر (إظهار الغضب وسوء الخلق بقصد إخافة الآخرين) وغيرها.
• وكذلك فإنَّ الضغط الاجتماعي يلعبُ دوراً، كالإهانات، وطلاق الوالدين، وسخرية الآخرين من الطلاب ذوي العلامات المتدنية.
ما أعراض متلازمة البطة؟
يبدو المصابُ بهذه المتلازمة هادئاً ومسالماً ومُنعزلاً (كالبطّة) بعد أن يفشلَ في تحمُّل الضغوط التي تُطبَّق عليه، ولكنَّه في الحقيقة يعيشُ صراعاً داخلياً نتيجةَ ضغوطِ حياته، وكأنَّه يركبُ قارباً في نهر هائج، ويُجذِّف بقوة للبقاء على سطح الماء وتفادي الغرق، محاولاً التغلُّبَ على ضغوط الدراسة والمجتمع والعائلة، كما أنَّ شعورَه أنَّ جميعَ أقرانه ناجحون وسعيدون ويحققون الانجازاتِ على عكسه، يدفعه لمراقبتهم واختبارِ قدراتهم في جميع المواقف على نحوٍ مستمر.
كيف تُشخَّص هذه المتلازمة؟
لا توجد معاييرُ دقيقةٌ لتشخيص متلازمة البطّة ولكن يعتمد تشخيصُها على نفي الأسباب الأخرى للأعراض السابقة؛ إذ من الممكن أن يحدثَ خلطٌ بين هذه المتلازمة واضطراباتِ القلق والاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى لذلك يجب أن ينفي المختصون الأسبابَ الأخرى.
يجب أن تُجرى أيضاً الفحوصاتُ المخبرية الأساسية لتقييم هذه الأعراض، وكذلك بعضُ الفحوصات الشعاعية، كما أنّه من الضروري تقييمُ حالة المريض العقلية من خلال بعض الأسئلة لِتَحرّي احتمالية ميل هذا المريض للانتحار.
ما العلاج؟
يكون علاجُ متلازمة البطة تشاركياً بين العلاج النفسي والدوائي في الحالات الشديدة التي قد تتطور لمشكلاتٍ عقلية حقيقية، وحتى العجزِ والموت المبكر، كما تجبُ السيطرة على جميع الاضطرابات الصحية التي من الممكن أن تزيدَ الحالة سوءاً، فعند مرضى الداء السكري ـ على سبيلِ المثال ـ يجبُ أن تتمَّ السيطرة على مستوى سكر الدم لديهم قبل كل شيء، وتجدر الإشارة إلى أنَّه عند إعطاء الأدوية المناسبة، فإنَّ التحسنَ سيكون سريعاً وملحوظاً.
العلاج النفسي (العلاج عن طريق الكلام):
يقوم به مختصٌّ في العلاج النفسي، من أجل التوصُّل لحلول للمشكلاتِ والضغوط التي يعانيها المريض، ومن الممكن أن تستغرقَ هذه العلاجات أسابيعَ إلى أشهرٍ، ولكن في بعض الأحيان قد نلجأ للعلاج المُكثَّف للوصول إلى نتائجَ سريعةٍ في الحالات الصعبة.
علاج العلاقات الشخصية Intrapersonal Therapy (IPT):
نوعٌ من أنواع العلاج النفسي الذي يسعى لتخفيف الاكتئاب والقلق المُرافِقَين من خلال تطوير بعض المهارات لدى المريض، كمهارات التعامل مع الآخرين.
يستخدم علاج العلاقات الشخصية IPT لتحقيق أهدافه تقنيتين:
1- تثقيفُ المريض حول طبيعة الأعراض التي يعانيها، إذ يُطَمئِن المعالجُ المريضَ أنَّها أعراضٌ شائعة يعانيها الكثيرُ من الناس في مرحلة ما من حياتهم.
2- تعريفُه بمشكلاته كقلة الثقة بالنفس أو مشكلات التواصل، فبمجرَّد تحديد المشكلة، يُمكن للمعالج أن يضعَ خُطةً علاجيةً للمريض ويساعده في تطبيقها.
العلاج السلوكي الإدراكي Cognitive behavioral therapy (CBT):
يخفّف هذا النوع من العلاج الأعراضَ من خلال مساعدته في تغيير نمط تفكير المريض تُجاه العديد من الأمور، ويستخدم المعالج ثلاث تقنياتٍ من أجل تحقيق أهداف المعالجة:
1- المرحلة التوجيهية: في هذه المرحلة يقوم المعالج ببناء نظرة إيجابية لدى المريض تُجاه خُطة العلاج، ونتائجِها المتوقعة.
2- المرحلة الإدراكية: يعمل فيها المعالج على جعل المريض يفهمُ طبيعةَ الأفكار والاعتقاداتِ التي تتحكم في سلوكه، وخاصةً الأفكارَ التي من الممكن أن تدفعَه نحو الاكتئاب أو القلق.
3- المرحلة السلوكية: في هذه المرحلة يعمل المعالج على تعديل سلوك المريض، ليصبحَ أكثرَ فعاليةً في حل مشكلاته.
أما بالنسبة للأدوية المستخدمة فإنَّ أكثرّها شيوعاً هي حاصراتُ عودة الالتقاط المشبكي للسيروتونين (SSRIs)، إذ تؤثر هذه المجموعة من الأدوية على مستويات السيروتونين في الدماغ، وتُعدُّ الأكثرَ استعمالاً نظراً لفاعليتها وأمانها، كما توجدُ العديدُ من الأدوية الأخرى التي تؤثر بآلياتٍ مختلفةٍ، ويُمكن استخدامها عند عدم نجاح الأدوية سابقة الذكر.
ما اختلاطات متلازمة البطة؟
إذا تُرِكَت هذه المتلازمةُ دون علاج، فمن الممكن أن يستمرَّ الاكتئابُ والقلقُ مدةً طويلة، أو من الممكن ألَّا يحدثَ التحسُّنُ أبداً، بل قد تزدادُ الحالةُ سوءاً، أمَّا مع العلاج فهناك فرصٌ كبيرةٌ للتخلُّص من هذه الأعراض والشفاء. يكونُ المصابُ أكثرَ عرضةً للإصابة باضطراباتٍ عقلية وصحية أخرى، كانخفاض الإنتاجية الدراسية أو المهنية، وزيادة احتمالية التعرُّض للاضطهاد، والوقوع في المشكلاتِ الاجتماعية والعائلية.
هل من الممكن الوقاية من متلازمة البطة؟
تتضمَّن الوقايةُ من هذه المتلازمة تجنُّبَ الضغوطِ العائلية والمدرسية على الطلاب، والدعمَ النفسيَّ والاجتماعي، وكذلك تركيزَ الاهتمام على حالة الأشخاص الذين يكونون أكثرَ عرضةً من غيرهم للإصابة بهذه المتلازمة، كالطلاب الذين يلتحقون بالجامعة ويعيشون وحيدين بعيداً العائلة، أو الذين يتعرَّضون لعواملِ الخطورة التي تحدثنا عنها، ومن الضروري أيضاً توفيرُ اختصاصيين ومُعالجِين نفسيين ومراكزَ تُعنى بمثل هذه الحالات في المجتمع.
المصدر: