الطب > مقالات طبية
كتوبية الجلد؛ عندما نستطيع أن نكتب على جلدنا بلا قلم
عندما يتعرَّضُ الجلدُ لِرَضٍّ أو إصابةٍ يصبحُ لونه أحمر، لكن تخيلوا أن يستطيعَ الإنسانُ بالضغطِ على جلده أنْ يكتبَ كلماتٍ تبقى نصف ساعة! في الواقع، هذا ما يحدثُ لدى البعض؛ فهل هذا سحرٌ أم أنَّ هناك تفسير آخر؟
عندما تتعرَّضُ منطقةٌ من جلدنا إلى رَضٍّ أو صدمةٍ أو ضربة؛ فإنَّها تتحولُ إلى لون أحمر، وتُوصف وقتئذٍ بأنَّها "متورمة"، هذه هي الحالةُ الطبيعية -أو سمِّهَا المرضيةَ إذا شئت لِكونها تشيرُ إلى اضطرابٍ في أنسجة الجلد- لكن أن تُمسك بأداةٍ ما كقضيبٍ معدني وتكتب به على جلدك فتظهر الكلماتُ عليه، فلا شك أنَّ ذلك يدعو إلى الدهشة الممزوجة بالقلق! وليس لهذا الأمر على الأغلب إلا تفسيران: إمَّا أنكَ "هاري بوتر" السَّاحر، والقضيبُ الذي في يدك هو عصاك السحرية، وإمَّا أنَّك مصابٌ بحالةٍ تُسمَّى "كُتوبيةُ الجلد"، وبما أنَّكَ تقرأ هذا المقال فعلى الأغلب لست هاري بوتر، لذلك لم يبقَ لنا سوى الخيار الثاني الذي سنتحدث عنه في هذا المقال..
عندما يُصاب الجلد برضٍّ أو صدمة
فإنَّ المنطقةَ المصابة تتحوَّل إلى اللون الأحمر نتيجة توسُّع الشعيرات الدموية الموجودة في المنطقة المصابة ثم نتيجة فعلٍ انعكاسي فإنَّ الشريناتِ (وهي شرايين صغيرة) تتوسع هي الأخرى مما يؤدي إلى احمرار حول المنطقة المصابة ثم يحدثُ انتفاخٌ في هذه المنطقة (إذ يؤدي توسُّعُ الشرينات إلى زيادة تدفُّق السوائل من الدم الموجود فيها إلى الوسط المحيط، وهو ما يُسمَّى طبياً "الوذمة")، وتُسمَّى سلسةُ العملياتِ هذه "استجابة لويس الثلاثية". هذا ما يحدث غالباً، لكن لدى 2.5% من البشر فإنَّ الاستجابة التي يبديها الجلدُ بعد الرض أو الصدمة تكون شديدةً جداً؛ إذ إنَّ الضغطَ على الجلد سيسببُ هذه الاستجابةَ (في حين يتطلَّب الأمر لدى البشر غير المصابين بهذا المرض صدمةً أو رَضًّا وليس مجرَّدَ الضغط).
الآلية المرضية:
لسوءِ الحظ، فإنَّ الآليةَ الفيزيولوجية (1) غيرُ معروفة لنا على نحوٍ كامل، لكن لدينا بعضُ التعليلات، وحتى نفهمها جيداً، لا بدَّ من أن نلقي نظرةً سريعةً على بعض الأمور...
يحتوي الدمُ على خلايا حمراء تنقلُ الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون وخلايا مناعية بيضاء تُقسمُ بدورها إلى خلايا تائية T وخلايا بائية B تُنتِجُ ما يُسمَّى الغلوبيولينات المناعيةَ (2) ذات الأنواع المُختلفة، وما يهمُّنا الآن هو الغلوبيولين IgE. تتثبتُ هذه الغلوبيولينات على أغشية الخلايا (3)، وعندما ترتبطُ مع المستضدات (4) (التي يُمكن أن تحدث نتيجة الصدمة أو الرَّض)، يتحرَّرُ الهيستامين من الخلايا، ويؤدي الهيستامين بدوره إلى توسُّع الشعيراتِ الدموية وزيادة نفوذيتها للسوائل التي تنزح إلى الوسط المحيط مسببةً الوذمة. وقد تتسبَّبُ هذه الحالةُ أيضاً عن بعضِ الأدوية كالبنسلين، أو حتى لسعاتِ النحل.
الأعراض:
تتمثَّلُ الأعراضُ بظهور خطوطٍ حمراء متورمة مرتفعة عن سطح الجلد كروية الشكل وحاكَّة. تظهرُ خلال دقائقَ بعد فرك الجلد أو خدشه، وتدوم هذه الأعراض نصفَ ساعةٍ على الأغلب، وفي حالاتٍ نادرةٍ يُمكن أن تستمرَّ ساعاتٍ أو أياماً.
العوامل المؤهبة:
نقصدُ بالعوامل المؤهبة تلك التي تزيد فرصةَ الإصابة بالحالة المرضية؛ إذ تبيَّنَ أنَّ الذين يعانون جفافَ الجلدِ والتهابَه لديهم فرصةٌ أكبرُ من غيرهم للإصابة بهذه الحالة، وبما أنَّ الاحمرارَ والانتفاخَ قد يحدثان بسببِ الحكة فإنَّ أيَّ مرضٍ يُسبب الحكة سيَزيدُ احتماليةَ الإصابة بـ "كتوبية الجلد" التي تسوءُ في الظروفِ الحارة كما هو الحالُ عند أخذ حمامٍ دافئ، وقد يُكوِّن كلٌّ من الانتاناتِ (كالإصابة بالملوية البوابية) والعدوى بالطفيليات كالجرب، والاضطراباتِ العاطفية وبعضِ الأدوية كالبنسلين عواملَ مؤهبةً لدى بعض المرضى، وتكون الإصابةَ بكتوبية الجلد أشيعَ عند البالغين الصغار، ويبلغُ احتمالُ حدوثها الذروةَ في العقدين الثاني والثالث من العمر.
الوقاية وتخفيف الأعراض:
يتمُّ ذلك عن طريقِ تجنُّبِ كلِّ ما يمكنُ أن يُسببَ الحالةَ المرضية؛ فبما أنَّ حك الجلد يُسببها، يجب الامتناعُ قدرَ الإمكانِ عن حكِّ الجلد بقوة. وبما أنَّ الجفافَ يؤهبُ للإصابةِ بها، فلا بدَّ من المحافظة على الجلد رطباً (ويجدر بالمصابين بـ "كتوبية الجلد" الانتباه إلى هذه النقطةِ بعد الحمام الساخن إذ يصبحُ الجلد جافاً لذلك يُفضَّل استعمالُ المراهم المرطبة).
كيف يُشَخِصُ الطبيب المرض؟
الأمر ليس صعباً البتة، فبضغطِ خافضة اللسان (وهي القطعة الخشبية التي يستعملها الطبيب عادةً لخفض اللسان) على جلد السَّاعد أو الظَّهر، سيظهرُ احمرارٌ وانتفاخٌ خلال دقائقَ إذا كان الشخصُ مصاباً بـ "كتوبية الجلد".
العلاج:
في الواقع، إنَّ "كتوبية الجلد" ليست بالحالةِ المرضية الخطرة، وعادةً ما تزولُ الأعراضُ من تِلقاء نفسِها دون الحاجة إلى علاج، إلَّا إذا كانت تسببُ إزعاجاً للمريض، أو كانت أعراضُها شديدةً، فعندها سيصف الطبيب مضاداتِ الهيستامين (تذكروا أنَّ الهيستامين هو المسؤول عن الانتفاخ والاحمرار والحكة) لكنَّ بعضَ مضاداتِ الهيستامين قد تسبِّبُ النعاسَ، وهنا يجبُ تنبيه المريض إلى عدم قيادة العربات أو القيام بالأعمال التي تتطلَّبُ الدقة؛ ومن الأمثلة على هذه الأدوية نذكرdiphenhydramine وfexofenadine وcetirizine.
على الرَّغم من أنَّ "كتوبية الجلد" ليست بالحالة الخطرة ولا الشائعة، فإنَّه وللأسف تُستعملُ أحياناً على أنَّها دليلٌ خارقٌ على شيءٍ ما، فبين مدَّةٍ وأخرى يُروَّجُ للـ "الطفل المعجزة" الذي يولد وعلى جسده كتاباتٌ ما، والحقيقةُ أنَّ هذا الطفلَ ليس خارقاً ولا معجزة، بل طفلاً مريضاً بـ "كتوبية الجلد"، وعلى كلٍّ فليس هذا موضوعَ نقاشنا، لكن تجدرُ الإشارةُ إلى أهمية المنهج العلمي في التعرُّفِ إلى حقيقة الأخبار التي تُروَّج على مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام.
الحاشية:
1. الفيزيولوجيا: هي علمُ وظائفِ الأعضاء، وبذلك فإنَّ الآلية الفيزيولوجية هي الآلية التي تعملُ بها أعضاءُ الجسم.
2. الغلوبيولينات المناعية: عبارةٌ عن بروتيناتٍ تنتجُها الخلايا المناعية البائية B Cells ترتبطُ بالمستضدات (والمستضدات هي أيُّ جسم ـ حي أو غير حي- يحفِّزُ الاستجابةَ المناعية في الجسم)، وتكون هذه الغلوبيولينات على شكل حرف Y ولها عدة أنواع هي IgGوIgA وIgM وIgD وIgE.
3. الغشاء الخلوي: عبارةٌ عن طبقةٍ مُضاعَفةٍ فوسفوليبيدية (أي مؤلفةٍ من الليبيدات- أو ما يُعرف بالشحوم- المرتبطة بجذر الفوسفات) تحيطُ بالخلية وتوفرُ حمايَتها وتنظيم دخول المواد وخروجها منها وإليها، وترتبط بها المواد الكيميائية المختلفة التي تؤدي إلى تغيُّراتٍ داخلَ الخلية ومنها – كما مرَّ في مقالنا– الهيستامين.
4. المستضدات: أيُّ جسمٍ - حي أو غير حي - يحفزُ الاستجابةَ المناعيةَ في الجسم.
مسرد ببعض المصطلحات العلمية الواردة في المقال حسب ترتيبها فيه:
كتوبية الجلد Dermatographia أوDermatographicUrticaria أوDermatographism
الشعيرات الدموية Capillaries
الشريينات Arterioles
وذمة Edema
استجابة لويس الثلاثية Triple response of Lewis
الكريات الحمراءRed blood cells أو Erythrocytes
الكريات البيضاءWhite blood cells أو Leukocytes
غلوبيوليناتGlobulins
غشاء الخلية Cell membrane أو Plasma membrane
مستضدات antigen أوImmunogen
هيستامينHistamine
البنسلين Penicillin
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4-هنا
مصدر الحاشية:
Vander’s Human Physiology، 13th edition