الطب > علوم عصبية وطب نفسي
أملٌ جديد.. مقاومة الشلل دون جراحة!
لطالما كانت فرصةُ التعافي من إصاباتِ الشللِ الحركيّ التام ضعيفةً للغاية، انطلقت التجاربُ والأبحاثُ العديدةُ لتحسينِ تلكَ الفرصة ومساعدةِ المصابين في استعادة الحركة.
فمنذ سنةٍ تقريباً، قام الباحثون في إحدى الدراسات بزرعِ جهازِ تنبيهٍ كهربائي في النُخُعِ الشوكيةِ لأربعةِ رجالٍ مصابين بشللٍ حركيٍ كامل. أظهرت تلك الدراسةُ قدرتَهم على القيامِ ببعض الحركاتِ الإراديةِ عند تلقّيهم لتنبيهاتٍ كهربائية من ذلك الجهازِ، ولكنّ هذه الطريقةُ تَعتمدُ على إخضاعِ المرضى إلى عملٍ جراحيٍّ لزرعِ ذلك الجهاز في نُخاعِهم الشوكي، مايشكّل عائقاً أمامَ العديدِ من المصابين غيرِ القادرين على تحمل الجراحة لسببٍ أو لآخر.
ولهذا حاولَ الباحثون إيجادَ طريقةٍ غيرِ غازية (غير جراحية) لنقلِ التنبيه، وبالتالي إتاحة فرصة الاستفادة من هذه التقنية لعددٍ أكبرَ من المصابين.
وفي دراسةٍ جديدة، تمكّن خمسةُ رجالٍ مصابين بشللٍ حركي تامٍ من القيامِ بحركاتٍ إرادية تشبهُ حركاتَ المشي بعد أكثرِ من سنتين على فقدانِهم الحركة، وذلك بعد تطويرِهم لطريقةٍ جديدةٍ تعتمدُ على نقلِ تنبيهاتٍ الكترونية للنُخاعِ الشوكي بشكلٍ غيرِ جراحي، تدعى "التنبيهات عبر الجلدية Transcutaneous stimulation"، وتقومُ على توصيلِ تيارٍ كهربائيٍّ للنُخاع عن طريق الكتروداتٍ تُوضَع فوقَ جلدِ أسفلِ الظهر، مقارنةً بالطريقة السابقة لنقلِ التنبيه الكهربائي بواسطةِ جهاز يتم زرعه على النخاع الشوكي جراحياً.
استطاعَ المشاركون في الدراسة تحريكَ أرجلِهم عندَ تعليقها بدعاماتٍ وأربطةٍ معلّقةٍ بالسقف، وذلك لمساعدتِهم بالتحرك بحريةٍ دونَ مقاومةِ الجاذبية.
وبالرَّغمِ من كون هذه الحركات ليست كافيةً لتمكينِهم من المشي إلّا أنّها خطوةٌ مهمةٌ في الطريق لتطويرِ علاجٍ لنسبة كبيرة من الأشخاص المصابين بنخاعِهم الشوكي.
وتُقَدّم نتائجُ التجربةِ المشجعة دليلاً مهماً على أنّ إصاباتِ النخاع قد لا تعني شللاً طوالَ الحياة بعد الآن، وتُمَهّدُ الطريقَ أمامَ مزيدٍ من البحوث.
ويرى القائمون على التجربة بأنّ القدرةَ على تقديمِ علاجٍ مُغيّرٍ لحياةِ المصابين دونَ اللجوءِ للجراحة سيكونُ حدثاً عظيماً، وهو مثالٌ رائعٌ على ما يمكنُ تحقيقُه عند دمج الأبحاثِ البيولوجية معَ التقدم التّقني.
وقد تمَّ أثناءَ الدراسةِ الحالية تطبيقُ التنبيهِ الكهربائي دونَ جراحةٍ على أربعةِ رجال مشلولين ورؤية مدى قابليتِهم للحركة بتأثيره وذلك لمدةِ ثمانيةَ عشَرَ أسبوع.
وبالإضافة للتنبيه الكهربائي، تّم تعريضُ المصابِ للتكييف في كلِّ مرحلة وذلك عبر تحريكِ أرجُلِهِ يدوياً بشكلٍ يشبه حركةَ المشي، والهدف من هذه العملية هو اختبارُ مدى فائدة العلاجِ الفيزيائي المترافقِ مع التنبيه الكهربائي في زيادة القدرة على التحركِ بشكلٍ إرادي.
في الأسابيعِ الأربعةِ الأخيرةِ من الدراسةِ تمّ إعطاءُ المصابين دواءً يُدعى البسبيرون Buspirone، وهو ذو مفعولٍ مشابهٍ للسيروتونين، وقد شُوهدت له نتائجٌ جيدة في الحثِ على الحركة عند فئرانٍ مصابةٍ بالشلل.
في بداية الدراسة، احتاج المصابون لتنبيهٍ كهربائي قويّ لتوليدِ الحركات لا إرادياً، ولكن بالإضافة إلى تلك الحركة، ومع وجودِ التنبيه، استطاعَ المصابون زيادةَ مجالِ الحركة عند محاولتهم تحريكِ أرجلهم إرادياً، وذلك بعد أربعةِ أسابيعٍ فقط من العلاج الفيزيائي والتنبيه الكهربائي.
ويعلل الباحثون هذا التزايد بتأثيرِ التنبيهات على تنشيطِ بعضِ الاتصالاتِ الخامدة ما بين الدماغِ والنخاعِ الشوكي للمصابين.
وفي نهايةِ الدراسة، ومع اتّباعِ الجرعاتِ الداعمة من البسبيرون، استطاعَ الرجالُ تحريكَ أرجلهم بدون أيّ تنبيه، ولمجالٍ يقاربُ مجالَ حركتهم عند وجود التنبيه.
كما سجّلَ الباحثون إشاراتٍ الكترونيةٍ من عضلاتِ الساق، وذلك أثناءَ محاولةِ الرجال ثنيَ أقدامِهم أثناءَ التنبيه.
ولوحظت زيادةُ هذه الإشارات مع مرورِ التجربةِ رَغم عدم تغيير شدّة التنبيه، مما يدعم فرضيةَ تنشيطِ الاتصال بين الدماغ والنخاع.
ويهتم الباحثون بدراسةِ إمكانيةِ التنبيهِ غيرِ الجراحي في مساعدةِ هؤلاء الرجال على الوقوف وحملِ وزن أجسادهم، وكذلكَ إعادة الوظائف الذاتية التي فقدَها الرجالُ المشلولون، كقابليةِ التعرق، وتنظيمِ ضغط الدم، والتحكمِ بالمصرَّات، والقدرةِ الجنسية. وهو ما تمّ تحقيقُه باستعمالِ التنبيه عبرَ الجهاز المزروع جراحياً. ولكن على الرّغم مما يقدمُه التنبيهُ غيرُ الجراحي مقارنةً بالجهاز المزروع جراحياً، إلّا أنّنا نحتاجُ إلى الاستمرار في تطويرِ كليهما. فقد يُستخدم التنبيهُ غيرُ الجراحي في دراسة استجابةِ المريض لهذه التنبيهات وبالتالي فيما إذا كان هناك مبرّرٌ للعمل الجراحي، وربما قد تكفي الطريقةُ غيرُ الجراحية والعلاجُ الفيزيائي وتغني المريضَ عن الجراحة.
ويرغبُ القائمون على الدراسة في اختبارِها على المصابين بالشلل الجزئي أيضاً، وهم متفائلون بقدرةِ هؤلاء على الوصول لتحسّنٍ أكبرَ من أقرانِهم.
وأخيراً لابدّ أن نذكرَ أنّ الهدفَ الرئيسيَّ من هذه الأبحاثِ هو راحةُ المريض وزيادةُ فرصتِه في انتقاء العلاجِ الأفضل له والتقليلُ من العمل الجراحي غيرِ المرغوب به.
المصادر: