الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء
هطولات
لم ينتهي الخبر المخيف عند هطول "زخاتٍ عنكبوتية" إن جاز التعبير على رؤوس السكان في أستراليا؛ بل كانت الغرابة في تأكيد الخُبراء على أنَّ مثل هذه الأمطار العنكبوتية ليسَت حدثاً شائعاً كما قد يتصور البعض.
يعتبر هُطول الأمطار العنكبوتية في المناطق الجنوبية من استراليا، هوَ أحدث مثالٍ على الظاهرة المعروفة باسم (ظاهرة المَطر العَنْكَبوتي)، أو التَّسمية الشائعة في بعض الأوساط الشعبية (شَعر المَلاك)، نظراً للشبكة الحريرية الشَّبيهة بالشعر التي تُخلِّفها العناكبُ وراءها.
رأى السُّكان الذين يعيشون في المنطقة المتضرِّرة التي شهدت الهطول المخيف بوضوح ملايين العناكب الصغيرة العائمة في الهواء مع نَسيجِها الذي غطَّى بيوتهم، وهَرَعت وسائل الإعلام إلى العلماء من أجل تفسير هذه الظاهرة الغريبة.
يقول ريك فيتر، عالم عنكبوتيات متقاعد من جامعة كاليفورنيا؛ أن ما رآهُ سكان المنطقة التي شهدت ظاهرة شعر الملائكة، هو على الأرجح شَكل من أشكال تنقل العناكب، معروف باسم (التَضَّخُم)؛ والتضَّخُم؛ سلوك شائع في العديد من العناكب في مُختلف المناطق، فهي تتَسلَّق بعض المناطق العالية، وتُوجِّه أسفل بطنها- حيث توجد المغازل والغُدد التي تصنع وتفرز الخيوط الحريرية- إلى الهواء مُطلِقةً المادة التي تُكوِّن خيوط الحرير، ثم ترمي نفسها للأسفل.
تجري هذه الظاهرة في كُل مكان حولنا وفي كل وقت، لكننا كأُناسٍ عاديين لا نُلاحظ ذلك عادةً. وعن السَّبب الذي يجعل الناس لا تُلاحظ هذا السلوك المُبدِع الذي تقوم به العناكب، فهو أنَّه ليس من الشائع أن تقوم به ملايين العناكب في نفس الوقت، ومن ثُمَّ تلقي بنفسها إلى الأسفل في نفس المكان .
في هذا النوع من الأحداث (الامطار العنكبوتية)، ما يُعتقد أنه يحدث هو التالي: هُناك جماعة كاملة من العناكب تكون على استعداد لِلقيام بهذا السلوك التضخمي الذي يهدف إلى الانتشار، ولكن الظروف الجوية قد لا تكون مثالية ولا تسمح لها بالقيام بذلك.
يدفعها ذلك فيما بعد عند موائمة الظروف المناخيَّة وترافقه مع استعدادها للقيام بعملية الانتثار والتضخم، حيث تبدأه كلها معاً.
هذا ما حَدث على الأرجح في نيو ساوث ويلز، حيثُ تعيش أنواع معينة من العناكب الصغيرة - بالإضافة إلى أنواع أخرى من العناكب الدقيقة الأكبر حجماً- والمعروف عنها القيام بظاهرة التضَّخم في أنحاء المناطق النَّائية، في أواخر الخريف (أيار) وأوائل الربيع (آب). إن التغير المُفاجئ في الطّقس أو في أنماط الرياح الحاصل مؤخراً؛ ربما يكون حمل هذه العناكب المُهاجرة ثم أعادها إلى الأرض بشكل جماعي – وليس الانتثار المنظم كما كان يتوقَّع الناس وخاصَّة سكان المنطقة الجنوبية.
العامِل الرئيس لِحدوث هذهِ الظَّاهرة إذاً والسبب وراء إقدام ملايين العناكب عليها بنفس الوقت والمنطقة هو الطَّقْس، بعيداً عن الأسباب التي اختَلَقتها مُخيِّلة السُّكان المندهشين، التي حَفزتها فرادة وغرابة هذه الحادثة.
أمَّا عن الأضرار التي قَد تَنتُج عن هذه الظاهرة، يقول العلماء أنَّ العناكب الصغيرة التي تمطرُ من السَّماء، على الأغلب لا تشكل خطراً على البشر. إذ أنّ العناكب السامة التي تشكل خطراً على الناس هي ذات أنواع قليلة جداً.
لو حدث أسوأ الاحتمالات، وهو أن تتواجد هذه العناكب السامة بين ملايين العناكب الصغيرة في الهواء وتسقط على البشر، فستكون يافعة جداً وصغيرة لكي تستطيع أن تَلْدَغ أحداً. مع ذلك، قد تؤدي هذه المجموعة الكبيرة من العناكب إلى تَلَف المحاصيل، فقد تَحجب خيوطها أشعةَ الشمس، عندها لن تتمكَّن المحاصيل الزراعية من الحصول على إضاءة كافية.
كذلك فأن العناكب الصغيرة قَد تتَوغل في شعر الوجه البشري، خاصَّةً انَّه لا يمكن الخروج إلى الشوارع دون أن تحطَّ عليك الشبكات العنكبوتية.
قد لا تحتاج بحكم مكان إقامتك البعيد عن أستراليا إلى مظلةٍ لدرء هذا النوع من الهطولات، لكنك الآن تعلم على الأقل ماهية الظاهرة إن سمعت عنها مجدداً.
المصادر: