كتاب > روايات ومقالات
مراجعة رواية (الجزيرة المغلقة): رحلة إلى مهد الجنون.
في جزيرة (شاتر) أي (الجزيرة المغلقة)، حيث يقع مشفى آشكليف للمجرمين المجانين، تدور أحداث هذه الرواية. في بقعةٍ منفصلةٍ عن عالمنا اليوميّ الذي نعرفه. في مكانٍ كهذا، حيث يجتمع العنف و الجنون سويّة، يضيع القارئ بين الوهم و الواقع.
يتمّ استدعاء مارشالين فيدراليين إلى مشفى (آشكليف) إبان انتهاء الحرب العالميّة الثانية، للتحقيق في اختفاء مريضةٍ هناك. تكشف مُلابسات حادثة الاختفاء أن هرب المريضة يكاد يكون أمراً مستحيلاً، نظراً لوجود مراقبةٍ مشددة، وبنفس حالة الغموض التي اختفت بها المريضة، يعثرعليها طاقم المشفى. يُفترض عندها أن مهمة المارشلين قد انتهت، إلا أنهما لا يلبثا أن يكتشفا أنها بدأت لتوّها.
تشتمل الرواية على عددٍ من العناصر الذي يجعلها تنتمي إلى تقليد روايات التشويق والغموض. فهي تقدم بطلاً عالقاً داخل مصحٍّ عقليّ، يعيش حالةً من التخبّط النفسيّ الداخلي، حيث نجده متقلّباً باستمرار بين الماضي والمستقبل والوهم. إضافةً إلى ذلك، فهنالك صراعٌ بين الخير والشر، متمثّلاً بشكلٍ أساسيّ في شخصيّتين اثنتين. لذلك، فإن جوّ الكلستروفوبيا الذي يسود الرواية يُسهم في إبراز طابع الإثارة النفسيّة لدى القارئ. ولعلّ جزءاً كبيراً من روعة وغموض (الجزيرة المغلقة) يقع في التغير المفاجئ في حبكتها، حيث يظهر دهاء الكاتب في اختياره وجهةَ نظرِ البطل كنافذة القارئ الوحيدةِ داخل مشفى (آشكليف)، إلى أن يختم روايته بفتح نافذةٍ أخرى لم يكن القارئ ليعلم بوجودها.
تحمل الرواية قدراً من الرمزية، حيث لا يمكن إغفال التشابه بين مشفى (آشكليف) ومعسكر (داكاو) النازي، الذي ساهم بطل الرواية في تحريره. وتمتد المقارنة بين الموقعين بتعرض مشفى (آشكليف) لتُهمٍ بإجراء اختباراتٍ على المرضى. وبالطبع، فإن اختيار طبيبٍ ألمانيٍّ قاسي الطبع كمسؤولٍ في المشفى لم يكن عبثيّاً. إلا أن المفارقة هنا لا تقع في فشل البطل في تحرير (آشكليف) فحسب، بل أيضاً في تحوّله إلى مريضٍ حبيسٍ داخله.
تقلب نهاية الرواية الموازين، وتنسف كل التصوّرات التي شكّلها القارئ عن الشخصيات، ليجد أنه بدوره أصبح رغماً عنه نزيلاً في (آشكليف)، يعيش حالةً من انفصام الشخصيّة، حين يكتشف العلاقات التي تلفُّ كلاً من شخصيّات الرواية. كما يظلُّ القارئ حائراً حيال أيّ جانبٍ عليه أن يختار، فهل يصدق طبيب (آشكليف) المراوغ، أم يصدّق بطلنا العاجز عن تخليص نفسه؟
ويبقى السؤال الأصعب: هل ينجح البطل في كشف الستار عن الأحداث الغامضة التي تجري في مشفى (آشكليف)؟ و أيُّ هولوكوست طبي له أن يقبع خلف جدرانه؟
الجدير بالذكر أن الجزيرة المغلقة (Shutter Island) قد مُثلت في السينما فيلما حاملاً نفس العنوان، والذي صدر عام 2010، من بطولة ليوناردو ديكابريو و مارك رفالو. وقد حصد الفيلم ناجحاً كبيراً، حيث نال ثمان جوائز، كما ترشح لـ 59 واحدةً أخرى.
• معلومات الكتاب:
عنوان الرواية: الجزيرة المغلقة (Shutter Island)
المؤلف: دينيس ليهان
ترجمة: تيا معوض
الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت 2009
عدد الصفحات: 375 صفحة.