الفيزياء والفلك > علم الفلك
الطاقة المظلمة_خفايا الكون 2
سنتحدثُ في الجزأ الثاني من مقالنا هذا عن الطاقة المُظلمة، وفي البداية سنتحدث عن اكتشاف الطاقةِ المُظلمة. فكيف تم اكتشاف الطاقة المُظلمة؟
في بدايات القرن العشرين تصوَّر عددٌ من الفيزيائيين _بمن فيهم ألبرت أينشتاين_ الكونَ ساكنًا وثابتًا. لكن في عام 1929 رصدَ الفلكي الأمريكي إدوين هابل Edwin Hubble حركة النجومِ المنفجرة، واكتشف أن الكون يتوسَّع. و بما أن الكون يتوسّع فلا بُدَ من وجودِ نقطة بداية لهذا التوسُّع، وقد سُمِّيَت بالانفجار الكبير.
يمُكن تصوُّر الانفجار الكبير مُشابهًا للانفجار العادي. اعتقد الفيزيائييون بأن هذا الانفجار ينبغي له أن يشْرَعَ بالتباطؤ مع مرور الزمن، لأن الثقالة ستعمل على شدِّ كل شيءٍ إلى نقطةٍ واحدةٍ مرةً أخرى.
كان السؤال المطروح على طاولة النقاش هو إن كان الكون سيتوقف عن التوسُّع ويتبدّلَ لينكمش عوضًا عن أن يتوسّع، حتى يعود إلى نقطة واحدة تُدعى "الانسحاق العظيم" هي النقطة المعاكسة لنقطة "الانفجار العظيم".
ولكن مع حلول العام 1998 تعقَّدتِ الصورة، فقد وجد الفلكيون لدى تطبيقهم طريقة إدوين هابل نفسها مع الاستعانة بأرصاد المقراب الذي حمل اسمه أنَّ توسُّعَ الكونِ لا يتباطأ، بل يتسارع. وأن المجرَّات تتطاير مبتعدةً عن بعضها البعض بشكلٍ أسرع عامًا تلو الآخر.
لقد كانت هذه نتيجةً غريبةً وغير متوقعةٍ أبدًا، كما لو أن المرء يقود سيارته على طريقٍ مُستوي ويرفع قدمه عن دواسة الوقود فتبدأ السيارة بزيادة سرعتها عوضًا عن أن تتباطأ. و مع هذا الاكتشاف التاريخيّ، أدرك الفيزيائيون أن هذا التوسُّع ينبغي أن يكون خاضعًا لتأثير طاقةٍ من نوعٍ ما، أسمَوا هذه الطاقة باسم "الطَّاقة المظلمة" Dark Energy.
ماذا نعرفُ عن هذه الطاقةِ المُظلمة؟
- الطاقة المُظلمة تؤثِّر على الكون برمَّته.
- تسلك الطاقة المُظلمة سلوكًا يكافئ جاذبيةً سالبة تُبعِدُ المجرَّات عن بعضها البعض.
- لم تظهر الطَّاقةَ المظلمةَ للوجود إلا قبل بضعةِ مليارات من السنينَ. (خلال النصف الأول من عمرها كان توسُّع الكون يتباطأ بتأثير الثقالة التي تجذبُ لكل شيء نحو بعضه البعض.)
جَعَل هذا الفيزيائيين يعتقدون بأن الطاقة المُظلمة لربما تكون صفةً متعلِّقةً بالفضاء نفسه. أي أن كثافتها ثابتةً دائمًا، ولكن بما أن الكون يتوسَّع مُنتجًا المزيد من الفضاء، فإن كميةَ الطَّاقةِ المظلمةِ لا بدَّ وأن تزداد.
يُفسِّر هذا الاعتقاد صِغرَ كميّة الطاقة المُظلمة و ضَعفَ تأثيرِها عندما كان الكون ضئيلًا جدًا.
ما هيَ الطاقةُ المُظلمة؟
من المُمكن أن يكون حلُّ لغزِ الطَّاقةِ المظلمةِ كامنًا في عالم الكم الضئيل، فبحسب النظرية الكمومية لا يكون "الفراغ" فارغًا تمامًا، فهو غنيٌ بحساءٍ من الجُسيمات التي ما تفتأ تظهرُ وتختفي من الوجود. وعلى قدر ما يبدو ذلك غريبًا، إلا أن الفيزيائيين تمكَّنوا حقًا من قياس القوة الناتجة عن هذه الجُسيمات التي يُطلق عليها اسم "الجُسيمات الافتراضية".
لكن عندما حاول الفيزيائيون حساب القَدْرِ الذي تُساهم به هذه الجُسيمات في كلِّ مترٍ مكعبٍ من الفضاء الخالي، تبيَّن لهم أن العدد هو من رُتبة 10^120، أي واحد وأمامه 120 صفرًا. رقمٌ هائل بالنظرِ إلى كثافة الطَّاقة المظلمة التي قاسها العُلماء اعتمادًا على سُرعة توسُّع الكون. أطلقَ العُلماءُ على هذه النتيجة «أسوأ تنبُّؤٍ نظريٍ على مرِّ تاريخ الفيزياء».
الجوهر الخامس:
يميل بعض الفيزيائيين إلى الاعتقاد بأن الطَّاقةَ المُظلِمةَ هي أقربُ إلى قوةٍ خامسةٍ في الطبيعة تنتشرُ في الكون بأسره. وأطلقوا عليها اسم «الجوهر الخامس» تيمُّنًا بالعنصر الخامس الذي تنبَّأ به فلاسفة اليونان.
و على عكس الثابت الكوني، اعتقد العُلماءُ أن هذا الجوهر يتغيّر عبر الزمن. كان هذا الاعتقاد جذابًا، لكنه اليوم غيرُ مقبول.
التمزُّق الكبير والطاقة المُظلمة الشَّبحية:
يُمكن للجوهر بحسب بعض النظريات أن يزداد قوةً، فيُسمَّى حينها الطاقة المُظلمة الشَّبحية. ويمكن لهذا أن يُدمِّر الكون.
فلو استمرّ تمدُّد الكون بالتسارع، لوصل في نهاية الأمر إلى سُرعة الضوء، عندها ستبدأ المجرَّات والنجوم بالانشقاق عن بعضها، ثمّ سيتمدَّد الفضاء بين الأرض والشمس بسرعة أكبر من سرعة الضوء، وستتقطَّع الذرَّات إربًا لأن الفضاء بداخلها سيتوسَّع أسرع من الضوء في سيناريو يُسمى "التمزُّق الكبير".
هل هي جاذبيةٌ جديدة؟
قد لا تكون الطَّاقةُ المظلمةُ نوعًا جديدًا من القوى، بل لعلها مؤشرٌ على أن الثقالة عند المقاييس الكبيرة لا تتبع نظرية أينشتاين في النسبية العامة.
نموذج المادَّة المظلمة الباردة لامدا ΛCDM
يمثِّل هذا النموذج الصورةَ الأفضل في نظر علماء الفيزياء الفلكية عن تكوين الكون.
فالحرف اليوناني لامبدا Λ يُمثِّل الطَّاقةَ المظلمةَ، في حين تصِفُ العبارة "المادَّةُ المظلمةُ الباردةُ" الإجماع بأن المادَّةَ المظلمةَ يجب أن تكون مكوَّنةً من صنفٍ بطيءِ الحركةِ من جُسيماتٍ لم يسبق أن عُرِفَت من قبل.
تُشكِّل المادَّة المظلمة وفق هذا النموذج 27% من إجمالي المادَّةِ والطَّاقةِ في الكون، بينما تُشكل الطَّاقةُ المظلمةُ تُشكِّل 68% من الكون، أما ما تبقى فهو المادَّةُ العاديَّةُ التي تتكوَّن منها النجوم والمجرَّات وحتى أجسامُنا، فتُشكل 5% من إجمالي الكون.
المصدر: هنا
لقراءة الجزء الأول من المقال، إضغط هنا
بِإمكانك أن تقرأ أيضًا مقال "ما هي الطاقة المظلمة"، بالضغط على الرابط هنا