الفنون البصرية > أساطير الشعوب
أساطير النجوم، حامل رأس الغول والمرأة المسلسلة
تظهر في سماء نصف الكرة الأرضية الشمالي ثلاثة تجمعات نجمية متجاورة ارتبطت ببعضها وراقبها الإنسان منذ أقدم العصور، هي كوكبات حامل رأس الغول ( بيرسيوس) وذات الكرسي (كاسيوبيا) والمرأة المُسَلسَلة (أندروميدا).
وبالإمكان ملاحظة جميع هذه الكوكبات في معظم أوقات السنة، فهي تحتوي على مجرات وعناقيد نجمية ونجومٌ كثير منها لامع وواضح للعيان، كنجم ظهر الناقة والسنام في كوكبة ذات الكرسي، ورأس الغول في كوكبة بيرسيوس، ونجم سرة الفرس في كوكبة المرأة المسلسلة.
وربما تتميز كوكبة "حامل رأس الغول" بظاهرة فلكية يشهدها العالم كلّ سنة في الثاني عشر من آب/أغسطس على شكل هطول شهابي يعرف بزخة شهب البرشاويات.
وكعادته نسجَ الإنسان القديم من هذه الكوكبات والظواهر قصصًا وأساطيرَ في محاولةٍ منه لتفسير كتاب الكون الفسيح. فنجد الخيال الإغريقي يربط كوكبة حامل رأس الغول بأسطورة بيرسيوس الذي كان كعادة الأبطال الخارقين نصف إله، فهو ابن زيوس كبير الآلهة من امرأة فانية تدعي "داناي".
تبدأ الحكاية في بلاد يحكها ملك اسمه أكريسيس، حيث تنبأ له أحد العرافين أن ابنته الجميلة داناي ستلد غلاما يقتله. غضب الملك وثارت حفيظته خشية تحقق النبوءة، فأمر بحبس ابنته في سجن معزول،ٍ فلا ترى أحداً ولا أحد يراها.
كبرت داناي في أسرها تحيط بها الجدران من كل جانب، ولكنها أبصرت نورًا يتسللُ من النافذة ذات يوم، ثم ما لبث أن تجلى النور أمامها رجلاً. عرفت داناي أنه أحد الآلهة، ولكنها لم تكن تعرف أنَّ كبيرهم زيوس من كان يقف أمامها ويعرض عليها الزواج. مرت الأيام حتى جاء اليوم الذي كان الملك يسترق النظر إلى ابنته الأسيرة، ففاجأه منظر الطفل بين ذراعيها، كان ذلك الطفل هو "بيرسيوس" نتيجة زواج زيوس وداناي.
قرر الملك التخلص من الطفل وأمه، فوضعهما في صندوق وألقى به في عرضِ البحر لتجرفهما الأمواج إلى شاطئ جزيرة يحكمها الملك بوليديكتيس حيث كُبر بريسيوس وأصبح فتًى قوياً. وعندما سمع الملك بوليديكتيس بقصة داناي طلبها للزواج ولكنها رفضت، ولولا قوة ابنها بيرسيوس لكان تزوجها عنوة، فلجأ الملك للحيلة وقرر التخلص من الفتى، فأرسله في مهمة بدت له مستحيلة وهي قتل إحدى المتوحشات تدعى ميدوسا وتقطن إحدى الجزر.
كانت ميدوسا ممن حلّ عليهم غضب الآلهة فحُوِّلت إلى وحش تنمو في رأسه الأفاعي المميتة بدل الشعر؛ والأعجب من هذا أن نظراتها تحول كل من يراها إلى صنم متحجّر. تاهَ بيرسيوس طويلًا في البحر حتى وصل إحدى الجزر يائسًا ومحبطا،ً ولكن تدخل الآلهة أرشده إلى هدفه، إذ ظهر له اثنان من الآلهة هما أثينا وهيرميس ومَنَحاهُ حذاءً مجنحًا ودرعًا يتقي به نظرات ميدوسا الفتاكة.
تسلّل بيرسيوس إلى كهف تقطنه ثلاثُ نساء يتشاركن عينًا واحدة، وبينما همت إحداهن بتمرير العينِ لأخرى التقط بيرسيوس العين وساومهن عليها حتى يساعدنهُ في مبتغاه بالوصول إلى ميدوسا، فأخبرنه أنه يتوجب عليه إيجاد حورية الشمال لتمنحه عباءة التخفي وجراب السحر. حالما حصل بيرسيوس على العباءة والجراب توجه إلى مخبأ ميدوسا وأختيها فوجدهن نائمات. تخفّى ثم حزَّ رأسها مستخدمًا الدرع ووضع الرأس في الجِراب السّحري، إذ أنّ سِحر نظرات ميدوسا يعملُ وإن كانت ميتة، ثم حلّقَ عائدًا بحذائه المجنّح.
وكانت له مغامراتٌ عديدة في طريق عودته منها أنه قابل أطلس الذي عاقبته الآلهة بحملِ السماء على كتفيه وأراحه من عذابه بتحويله إلى حجرٍ عن طريق رأس ميدوسا.
أما ما كان من قصة بيرسيوس مع أندروميدا (التي تُمثَّلُ في السماء بكوكبة المرأة المُسَلسَلة) فتروي الأسطورة أن كاسيوبيا زوجة ملك إثيوبيا تفاخرت يومًا بأنها أجمل من جميع حوريات الماء بنات الإله نيريوس، فشعرنَ بالغضب الشديد من الإهانة التي لحقت بهن من كلام كاسيوبيا. ومن بين هؤلاء الحوريات كانت آمفيترايتي زوجة إله البحر بوسايدون والتي طلبت من زوجها أن يعاقب كاسيوبيا على تبجّحها وغرورها.
أرسل بوسايدون وحشًا من وحوش البحر يُدعى سيتوس ليهاجم شواطئ مملكة سيفوس، وعندما اشتد الأمر على الناس لجأ الملك إلى عراف أخبره أنه ليتخلص من البلاء ووحش البحر عليه أن يضحّي بابنته الأميرة أندروميدا ويتركها قربانًا للوحش. قبل الملك على مضض بعد تردد كبير، فربطت الأميرة أندروميدا على صخرة وتركت ليلتهمها الوحش، ولكنها أُنقذت في اللحظة الأخيرة على يد بيرسيوس الذي قتل وحش البحر وخلصها.
بعد أن أنقذ بيرسيوس أندروميدا من وحش البحر طلب يدها للزواج فوافق الملك سيفوس ولكن المأساة حدثت في حفل الزواج إذ اعترض أحد خاطبي أندروميدا القدامى وادعى أنه الوحيد الذي له حق الزواج من الأميرة. فحدث قتال عظيم اضطر فيه بيرسيوس لإخراج رأس ميدوسا بعد أن فاقه خصومه عددًا، فتحولوا جميعًا إلى تماثيل حجرية ومن بينهم الملك سيفوس والملكة كاسيوبيا اللذان لم يتفاديا النظر إلى رأس ميدوسا.
فما كان من بوسايدون إلا أن وضع صورتيهما بين النجوم، فخلال السنة تدور كوكبة ذات الكرسي (كاسيوبيا) حول نجم القطب مرة أعلى ومرة أسفل في عقوبةٍ لغرورها وتفاخرها.
تزوج بيرسيوس أندروميدا وطفق عائدًا من حيث بدأ رحلته أول مرة. وعندما وصل الجزيرة علم أن الملك بوليديكتيس أجبر والدته على العمل في خدمته. غضب بيرسيوس وسار إلى القصر وانتقم من الملك بتحويله إلى حجر عن طريقِ رأس ميدوسا.
سلم بيرسيوس رأس ميدوسا لأثينا لتزين به درعَها، وبعد حين بينما كان بيرسيوس في إحدى المناسبات قتل جده خطأ فتحققت النبوءة. ومات بيرسيوس مقتولًا على يد الإله ديونوسيس وتكريمًا له خلده بوسايدون بوضع صورته بين النجوم.
أما شُهُب البرشاويات التي تهطل كل سنة في صيف نصف الكرة الأرضية الشمالي، فترتبط بابن بيرسيوس الذي يدعى برسيس وأحفاده الذين كان منهم هرقل أعظم أبطال الإغريق.
المصادر: