الهندسة والآليات > التكنولوجيا
مشاريعُ الواقعِ الافتراضيّ، ابتكاراتٌ هندسيةٌ لتعزيز التعاطفُ الإنساني
شاهدَ أغلبَ الناسِ فلم The Matrix حيث يعيشُ أبطاله الأحداث ضمن واقعٍ افتراضي تمّ بناؤه؛ ليحاكي الواقع الحقيقي بشكل كبير جداً، فأبطال المسلسل يحاربون ويقاتلون بشكل وهمي، ولكنهم في الحقيقة يستلقون على أسرة مريحة. استطاع طالبُ الدراسات العليا Dhruv Jain في معهد MIT ابتكار شيء شديد الشبه بذلك ولكن لمحاكاة عملية الغوص وليس للقتال.
هذا الجهازُ يعتمدُ على تقنياتِ الواقعِ الافتراضي، والذي يُمَكّن المستخدم من أن يعيش تجربة الغوص بشكل شبيه بالتجربة الحقيقية ما عدا وجود المياه بطبيعة الحال، وتم تسميه هذا المشروع بـ Amphibian.
يتألف جهاز المحاكاة على الأجزاء التالية :
1- نظارة واقع افتراضي تجعل المستخدم يشاهدُ مناظر كالّتي يشاهدها الغواص أثناء الغوص.
2- سماعة للأذن تحاكي الأصوات، مثل صوت التنفس تحت الماء والحركة.
3- قفازين لمحاكاة تجربة اللمس داخل الماء، كلمس أحد الأحياء أو النباتات البحرية.
4- متكأ لكي يستلقي المستخدمُ عليها مزوّدة بنوابض لمحاكاة الحركة داخل المياه.
5- أربطة مرنة لتعليقِ اليدين والأرجل مما يحاكي حمل المياه للأرجل والأيدي.
في الواقع بدأ Jain بالغوص منذ التحاقه بـ MIT وقد عانى من ضعف في السمع منذ ولادته. و على حد تعبيره فإن التواجد في بيئات تحت الماء تزوده بتجربة سلام و تأمل حيث يكون فيه الصوت معدوما، كتلك التي يعيشها عند إطفائه سماعات الاذن، فالمياه تقوم بإضعاف الحواس البشرية فيصبح البصر أضعف والسمع كذلك.
تهدفُ العديدُ من مشاريعِ الواقعِ الافتراضي إلى إعطاء نسخة افتراضية للأشخاص الذين يملكون احتياجات خاصة، تماثلُ تلك الحقيقة التي يستطيعُ الأشخاص كاملي اللياقة القيام بها، ولكن القليل من هذه المشاريع تركز على العكس تماماً، وهو جعل الناس يعيشون تجربة الأشخاص الذين يملكون احتياجات خاصة مثل الإعاقة الجسدية أو العقلية.
على سبيل المثال نشرت شركة (Visciva) وهي شركة تُعنَي بالتسويق الرقمي برنامجاً يحاكي أعراض مرض انفصام الشخصية، وكذلك أعراض مرض التنكس البقعي الذي يصيب العين، وكذلك هنالك تجربة الصداع النصفي التي تقدمها شركة Exedrin وتهدف هذه التجربة إلى محاكاة اثار الصداع النصفي مثل الحساسية للضوء وفقدان الرؤية والتشوش.
في مشروع أكاديمي آخر قام كل من Reika Yoshina و Jun Xia وهما طالبين من جامعة بنسلفانيا بجمع بيانات من 40 طالب وطالبة عانوا من مشاكل عقلية، ومن ثمّ بنوا واقع افتراضي بالاستعانة بهذه البيانات. تمّ وضع الأشخاص على أسّرة كتلك الموجودة في سكن الطلاب في الجامعات في عالم رمادي اللون محاطين فقط بالكتب وتلفاز يعرض شعار Netflix على شاشته بشكل دائم، ويمكن للأشخاص فقط المشاهدة ولا يمكنهم اللمس أو التفاعل.
يقول Yoshina: „ الأشخاص الذين كانت لديهم تجارب سابقة مع الاكتئاب قالوا إن هذه التجربة كانت طبيعية وغير مخيفة، في حين أن الناس الذين لم يعانوا مسبقاً من الاكتئاب أكدوا أن هذه التجربة مخيفة وأحسوا خلالها بالوحدة والرعب".
تهدفُ المشاريع الافتراضية كهذه إلى زرع التعاطف مع أولئك الذين يعانون من ظروف صحيّة خاصة، ويقول السيد Albert وهو مدير مشاريع الواقع الافتراضي الطبي في جامعة جنوب كاليفورنيا للتكنولوجيا الابداعية : " ولكن هذه المبادرات لم يظهر بعد مدى جدواها، وإذا ما كانت قادرة على تغيير المواقف أو السلوك".
لم نجب على السؤال بعد: „هل تجارب الواقع الافتراضي التي تحاكي الإعاقات الجسدية والعقلية من الممكن أن تغيّر سلوك ومواقف الأشخاص الذين عاشوها؟ ". للجواب عن هذا السؤال تقترح بعض الدراسات أن الواقع الافتراضي يستطيع أن يجعلنا نفكر خارج أنفسنا وبالتالي قد نغيّر أفعالنا وفقاً لذلك.
على سبيل المثال، المشاركون الذين شهدوا محاكاة لمرض عمى الألوان كانوا أكثر قابلية لمساعدة أناس حقيقين مصابين فعلاً بعمى الألوان، وبالمثل أولئك الذين أكملوا تجربة لمحاكاة مرض انفصام الشخصية، وقرأوا عن أعراض وظروف هذا المرض، كانوا أكثر تعاطفاً من أولئك الذين اكتفوا بالقراءة دون خوض التجربة.
بناء جهاز لمحاكاة شيء واقعي بشكل دقيق هو أمر صعب للغاية إن لم يكن مستحيلاً، وذلك باعتبار أن عيش تجربة ما تكون مختلفة جذرياً عن عيش نفس التجربة لشخص آخر، ولو كانت شروط التجربة نفسها. العديد من المشاريع لا تعتمد على العلم مئة بالمئة، ومع ذلك يعتقد Albert أنها من الممكن أن تكون مفيدة.
ويضيف Albert: "عندما يثير أي أحد سؤال أو مناقشة أو انتباه عن الأشخاص الذين يعيشون أمراض عقلية، هذا الأمر سيكون جيداً، وإذا تمكنا من جمع بيانات كثيرة عن هذه الأمراض فإننا قد نبني فكرة أوضح عنها ".
يحاولُ العلمُ بمساعدةِ الهندسةِ جعلَ الحياةِ أفضل وأسهل، وفي سبيل ذلك يحققان قفزات نوعية على كافة الأصعدة، ولا شك أن من أهمها هي مساعدة أولئك الذين يمتلكون احتياجات خاصة، ومساعدتهم على التغلب على مصاعب الحياة اليومية. فالوجه الجديد لهذه المساعدة يكون بجعل المجتمع يشعر بشعورهم وباحتياجاتهم؛ لتعزيز المعرفة حول ماهية هذه الاحتياجات، وبالتالي مساعدتهم بشكل أفضل وبكفاءة أكبر.
المصدر: