الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
مواد أغفلناها؛ تُدَمّرُ طبقة الأوزون
في دراسةٍ قام بها باحثو كلية الأرض والبيئة في جامعة Leeds في انكلترا، ونشرت في Nature Geoscience في 16 شباط من عام 2015؛ تمّ الإعلانُ عن وجود مواد كيميائيةٍ ذاتِ عمرٍ قصير عادة ما يكون أقل من 6 أشهر، تُسمى (VSLS) "very short-lived substance" تتزايد بسرعةٍ كبيرةٍ في الغلاف الجوي. وتعتبر هذه المواد مصدراً هاماً للهالوجينات* المسؤولة عن استنفاذ الأوزون من الغلاف الجوي، وهي غيرُ مذكورةٍ في اتفاقية الأمم المتحدة الخاصةِ بحماية طبقة الأوزون؛ بمعنى ألا شيء يمنع الدول من استهلاكها ونفثها في الجو.
قد تَنتج بعض مركبات الـ VSLS عن مصادرَ صناعية مثل مركبات الكلور قصيرة العمر، وقد تنتج عن مصادر طبيعية مثل مركبات البروم قصيرة العمر. يرجع السبب في عدم إدراج المواد قصيرة العمر الناتجةِ عن المصادر الصناعية عند عقد اتفاقية مونتريال؛ إلى أنّ الدراساتِ حينها بينت أنّ مساهمة الـ VSLS في استنزاف طبقة الأوزون قليلة. واليوم أصبح لدى الباحثين معطياتٌ جديدةٌ تثبت حصول زيادةٍ سريعةٍ لإحدى المواد المصنفة كـ VSLS والناتجة من مصادر صناعية وهي ثنائي كلور الميثان، وفي حال سُمِح لهذه الزيادة بالاستمرار فإنّها ستلغي بعض الفوائد التي تُوفِّرها اتفاقيةُ مونتريال لطبقة الأوزون.
بعضٌ من تفاصيل الدراسة:
من أجل تحديد تأثير المواد الكيميائية قصيرة العمر على طبقة الأوزون والمناخ؛ استخدم الباحثون نماذج حاسوبية ثلاثية الأبعاد للغلاف الجوي، منها نموذج انتقال كيميائي لتحديد الاستنزاف في الأوزون في الطبقة السفلى من الستراتوسفير جرّاء تأثير المركبات الهالوجينية قصيرة العمر، ونموذجُ انتقالٍ إشعاعي لتحديد التأثير الإشعاعي على استنزاف الأوزون. وقد تم الحصول على قياسات الـ VSLS في الغلاف الجوي خلال العقدين الأخيرين من قبل متعاونين من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية NOAA. يــُـذكر أن NOAA ساعدت أيضاً في تفسير القياسات وتحليلها. أظهرت تلك القياسات تزايداً سريعاً لتراكيز ثنائي كلور الميثان في الغلاف الجوي، وهي مادةٌ كيميائيةٌ قصيرةُ العمر من صنع الإنسان تُستخدم في بعض العمليات الصناعية. كما وجد الباحثون أن مركبات البروم قصيرة العمر المنبعثة من مصادر طبيعية تسبب تأثيراً إشعاعياً على طبقة الأوزون أكبر بـ 3.6 مرات من المركبات طويلة العمر. ويؤكد الباحثون من كلية الأرض والبيئة على ضرورة متابعة القياسات لمراقبة محتوى الغلاف الجوي من هذه الغازات وتحديدِ مصادرها.
إنّ التزايدَ المتسارع لتراكيز ثنائي كلور الميثان في الغلاف الجوي يجعل نماذج التنبؤ الخاصةَ بطبقة الأوزون والمناخ عاجزاً عن تقديم نتائج دقيقة، كما سيشكل عائقاً أمام متابعة العمل على إصلاح طبقة الأوزون من تأثيرات مركبات الكربون الكلوروفلورية المعروفة بـ **CFCs. صحيحٌ أنّ مقدار الاستنفاذ في الأوزون الناجمَ عن المركبات قصيرة العمر المنبعثةِ إلى الغلاف الجوي حالياً صغيرٌ بالمقارنة مع المقدار الناجم عن الغازات الأطولِ عمراً مثل الـ CFCs؛ إلا أن الاستنزاف في الأوزون الناجمَ عن الـ VSLS أكثرُ كفاءةً من الـ CFCs بـ 4 مرات فيما يتعلق بالتأثير في المناخ.
تأثير الـ VSLS على الأوزون:
يوضح د. ريان حسيني من كلية الأرض والبيئة أن "الـ VSLS ستفكك الأوزون وتدمره في الطبقات الدنيا من الستراتوسفير (الطبقة العليا من الغلاف الجوي)؛ وذلك بسبب الفترة الزمنية القصيرة التي تقضيها الـ VSLS في الغلاف الجوي. وتكمن أهميةُ هذا الأمر في كون جزيئات الأوزون المفقودةِ في هذه المنطقة، تملكُ تأثيراً على المناخ أكبرَ بكثيرٍ من الجزيئات المستنزفةِ من قبل الغازات الأطولِ عمراً على الارتفاعات الأعلى".
كما قام الباحثون أيضاً بالفصل بين المصادر الطبيعية للمركبات قصيرة العمر كالطحالب البحرية والعوالق النباتية، والمصادر الصناعية لها؛ وذلك من أجل تحديد أهمية كلٍّ منها ومدى تأثيرها على طبقة الأوزون.
تساهم الغازات قصيرة العمر المنبعثةُ من مصادرَ طبيعيةٍ بـ90% من مجموع الاستنزاف الكلي للأوزون والناجم عن مركبات الـ VSLS في القسم السفلي من طبقة الستراتوسفير. مع ذلك فإنّ إسهام المركبات قصيرة العمر الناتجةِ من مصادر صناعية في تخريب طبقة الأوزون في تزايد، كما أنه مرشحٌ لزيادةٍ أكبرَ بكثير في السنوات القادمة. إنّ التزايدَ الملحوظَ لتراكيز ثنائي كلور الميثان هو أمرٌ خطيرٌ وغيرُ متوقع، ففي نهاية تسعينات القرن الماضي تناقصت تراكيزه ببطء لتعود وتتضاعف لاحقاً في مناطق مختلفة من العالم.
مازلنا غير متأكدين بخصوص السبب الذي يقف وراء هذا النمو السريع للمركبات قصيرة العمر، لكن قد يكون لهذا النمو علاقةٌ باستخدام ثنائي كلور الميثان في العمليات الصناعية لبعض مركبات الكربون الهيدروفلورية ***HFCs وهي مواد صديقةٌ للأوزون، تم تطويرها لتُستخدم بدلاً من الـ CFCs؛ ولكنّ هذه المنتجات الصديقة كانت سبباً في انبعاث بعض الغازات المدمرة للأوزون إلى الغلاف الجوي.
تفيد خلاصة هذه الدراسة بأن النمو المتسارع للهالوجينات قصيرة العمر في الغلاف الجوي، سواءً الناتجةَ عن تغيير العمليات الطبيعية أو المنبعثةَ إلى الجو نتيجة النشاطات الصناعية قد يكون له تأثير هام على مناخ الأرض في المستقبل.
هامش:
*الهالوجينات halogens: تشمل كلاً من الفلور والكلور والبروم واليود والأستاتين، تشكل روابط حمضية قوية مع الهيدروجين ويمكن الحصول منها على أملاح بسيطة.
** CFCs مركبات الكربون الكلوروفلورية: تشمل أياً من المركبات التي تحوي على الكربون والهيدروجين والكلور والفلور، وهي عادةً ما تكون بشكل غازات تُستخدم في أجهزة التبريد. هذه المواد مضرة بطبقة الأوزون، وتسبب تحرُّر ذرات الكلور عند التعرض للأشعة فوق البنفسجية.
*** HFCs مركبات الكربون الهيدروفلورية: تشمل الهيدروكربونات المكلورة جزئياً والمفلورة، تُستخدم عادةً للـ CFCs في إنتاج الرغوة والتبريد وغيرها من العمليات.
المصدر:
الدراسة الكاملة: