كتاب > الكتب الأدبية والفكرية
مراجعة كتاب (تأملاتٌ ميتافيزيقيةٌ في الفلسفةِ الأولى)
جاء "ديكارت" -أو كما يحلو لمعظم المفكرين مناداته بـ "أبي الحداثة"- بتأمّلاته الميتافيزيقية الست ليعتبرها القاعدةَ الأساسَ للتفكير.
فهو من الفلاسفة الحداثيين الذين نسفوا الطريقة القديمة في التفكير، طريقةَ أرسطو والمنهجَ التقليدي الذي كان متداولاً في فترة العصور الوسطى وما قبلها آنذاك.
ستجد في هذا الكتاب ست تأملات، أو بالأحرى مراحل قد رتّبها "ديكارت" تدريجياً ليتوصل في النهاية إلى نتيجة مبنية على قواعد راسخة، وهذه التأملات هي:
التأمل الأول: في الأشياء التي يمكن أن توضع موضع شك.
التأمل الثاني : في طبيعة الروح الإنسانية التي نعرفها أحسن مما نعرف الجسم.
التأمل الثالث : في أن اللهَ موجود.
التأمل الرابع : في الصواب والخطأ.
التأمل الخامس : في جوهر الأشياء المادية ثم عودةٌ إلى أن اللهَ موجود.
التأمل السادس : في وجود الأشياء المادية وحقيقة الفارق بين نفس الإنسان وجسده.
هذه التأملات الست الشهيرة هي التي وضعت الأرض الصلبة التي مشى عليها فيما بعد المفكرون والعلماء والكتَّابُ من كافة الاختصاصاتِ والعلوم.
لقد ارتبط اسم "ديكارت" بمذهبه الشكّي المشهور، إذ لطالما دفعنا إلى الشكّ في كل الأشياء دون استثناء مهما بلغت بساطتها أو كانت درجةُ تعقيدِها. فلا وجود للمسلَّمات ولا للبديهيات، كما قلل من أهمية الحواسِ التي من الممكن أن تخدعنا وتضللنا أو تشوه الحقيقة وتطمسها. فما نراه بأعيننا وما نشعر به بحواسنا قد لايكون على صورته الحقيقية التي نراه بها وإنّما قد يخضع لتأويلاتِ أخرى من شأنها أن تبدّل المعنى الحقيقيَّ للأمور. يقول "ديكارت" إنّه بالعقل والتفكير وحدهما نستطيع التأكد من وجود الأشياء من عدمها.
إنّ شك "ديكارت" ليس شكاً عبثياً ولا هو دليلُ ضعف، كما لا يعني أن الشك بحقيقةٍ معينة يعني أنها غير موجودة، بل على العكس هو شكٌ يعزز قبولنا ومعرفتنا للأشياء، ويساعد النفس على التأكد من المواضيع بشكل أكبر وأقوى. وهو دليل على أن الطبيعة البشرية خطَّاءَة عرضةٌ للسهو والخطأ، ويبقي العقل في حالة استنفار دائمة.
أمّا عن "الخطأ" و"المخطئين" فإنّ ديكارت لايحتقر من يخطئ بل عالعكس من ذلك، فيقول :
"الخطأ ليس سلباً بحتاً، وليس مجردَ عيبٍ أو افتقار. هل سقوطي في الخطأ هو أفضل من عدم سقوطي؟"
كما قال: "إن الخطأ كلما زاد يدل على أننا موجودون".
لقد حاول "ديكارت" عبر تأملاته أن ينسف كل ما جاء به السابقون و أن يقطع صلته مع الماضي قطيعةً كاملةً لا تستثني شيئًا، وأن يؤسس لمذهبه الخاص الذي دعا من خلاله إلى إعلاء شأن العقل والنظر للمواضيع نظرةً عقلانيةً منطقيةً تعتمد على البراهين والأدلة.
وبذلك كنا أمام أهمّ مذهبٍ ميّزَ فلسفةَ العصورِ الحديثة، "المذهب العقلي"، وكنا أمامَ أهمِّ مؤسسي الفلسفة الحديثة "ديكارت".
معلومات الكتاب:
تأملات ميتافيزيقية في الفلسفة الأولى
الكاتب: رينيه ديكارت
الترجمة للعربية: كمال الحاج
دار النشر:منشورات العويدات دار فضول، بيروت
عام النشر: 1961