الفيزياء والفلك > علم الفلك
الوَسَط البنجمي Interstellar Medium
في الصور الجميلة التي نراها للفضاء نرى سحُبًا ملونة جميلة تَملئ الفراغات الموجودة بين النجوم، تسمّى هذه السحب "الوسط ما بين النجمي" أو "الوسط البنجميّ".
يتصوّر معظمُ الناس أنّ الفضاء الخارجي عبارة عن فراغٍ تامٍ خالٍ من أيّ مادةٍ، لكن هذا غير صحيح. فبالرغم من كون المناطق بين النجوم أكثر فراغًا من أيّ فراغٍ نعرفه، إلّا أنّها ليست خاويةً تمامًا بوجود الوسط البنجمي. يمتاز الوسط البنجمي بكثافته المنخفضة جدًا، إذ يتألف في الغالب من الغُبار والغاز بما يُعادل نسبة (99%). وبالرغم من كثافته المنخفضة فإنه يُشكل نحو 15% من المادة المرئية في مجرتنا (درب التبانة).
الغاز البنجمي
يشكّل الغازِ البنجمي نسبة 99% من الوسط البنجمي، ويتألف الغاز البنجمي بدورهِ من الهيدروجين بنسبة 75% والهيليوم بنسبة 25%. كما يتألفُ الغاز البنجمي إلى حدٍ ما من ذراتٍ وجزيئاتٍ متعادلة بالإضافةِ إلى جسيمات مشحونة مثل الأيونات والإلكترونات. يعدّ هذا الغاز ذا كثافة منخفضةٍ للغاية، إذ يبلغ متوسط كثافته نحو ذرة واحدة لكل سنتيمتر مكعب، في حين تبلغ كثافة الهواء الذي نتنفسهُ نحو 3*10^19 جزيء لكل سنتيمتر مكعب! وبالرغم من وهن الغاز البنجمي وانخفاض كثافته إلا أنّه بالنظر إلى المسافات الشاسعة التي يحتلها هذا الغاز فإنّ كمية المادة عبر المسافات الشاسعة بين النجوم يمكن أن تُحدث فرقًا في الفضاء.
يوجد الغاز البنجمي عادةً على هيئتين، هما:
1. سحب باردة من ذرات أو جزيئات الهيدروجين المتعادلة.
2. هيدروجين متأين ساخن بالقرب من النجوم النشطة الساخنة.
تنهار سحبُ الهيدروجين البارد أحيانًا تحت تأثير الجاذبية بفعل خللٍ في كثافتها مما يؤدي إلى ولادة نجومٍ جديدة. وتُصدِر الأشكال المتعادلة والجزيئية من سحب الهيدروجين الباردة أشعةً ضمن الحزمة الراديوية في الطيف الكهرومغناطيسي.
يَنتج الهيدروجين المتأينُ عن الأشعة فوق البنفسجية التي تُطلقها النجوم حديثةُ الولادة. تؤيّن تلك الأشعةُ السحبَ الغازية المُحيطة بتلك النجوم. وينبَعث ضوءٌ مرئي عندما تتحد الإلكترونات مع الهيدروجين المتأين، الأمر الذي يظهر على هيئة ألوان حمراء مشرقة من السُدُم المنبعثة. ومن أمثلةِ السدم المنبعثة سديم تريفيد (Trifid Nebula) وسديم الجبار (Orion Nebula).
الغبار البنجمي
لا يُشابه الغبار البنجمي الغبار الذي قد تجدُهُ تحت سريرك، إذ يتكون من مواد مختلفة تماماً، فهو عبارةٌ عن جسيمات غير منتظمة الشكل، تتكون من السِليكات والكربون والجليد و/أو مركبات الحديد. ويمتاز هذا الغبار بأن جسيماته صغيرةٌ للغاية. إذ يبلغ قطر ذرة الغبار الواحدة نحو جزء من الميكرون (1 ميكرون=10^-6 متر). وتكمن أهمية هذا الغبار بين النجمي في أنّ حجمَه مثاليٌّ لامتصاص وبعثرة الضوء المرئي الذي تراه عيوننا.
تحدث عدة أمور عندما يَمرُ الضوء القادم من النجوم الأخرى خلال الغبار، فإذا كان الغبار سميكًا بما فيه الكفاية سيقوم بحجب الضوء بشكل تام مسببًا مناطق مظلمة، تُعرف تلك السحب المظلمة بـالسُدم المظلمة، ويُعد سديم رأس الحصان (Horsehead Nebula) مثالًا عليها.
وقد لا يُحجب الضوء المار عبر سُحب الغبار بالكامل، على الرغم من أنّ الأطوال الموجية للضوء المار تصبحُ معتمةً إلى حدٍ ما، تُعرف هذه الظاهرة بالاندثار (extinction). يحصل الاندثار بسبب تشتت الضوء خلال حبيبات الغبار بعيدًا عن خط رؤيتنا مانعًا الضوء من الوصول إلينا. تعتمد كمية الضوء المُعتَم على عدة عوامل بما فيها سُمك وكثافة سحب الغبار، فضلًا عن الطول الموجي للون الضوء.
وبسبب حجم حبيبات الغبار يحظى اللون الأزرق بأكبر قدرٍ من التبعثر، لذلك تصلنا كمية أقل منهُ. وهذا يعني بطبيعة الحال أن الضوء الذي يصلنا أكثر حُمرةً مما هو عليه فيما لو لم يكن هناك غبار بنجمي، يُسمى هذا التأثير بالاحمرار البنجمي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الظاهرة ليست ظاهرة الانزياح نحو الأحمر بتاتًا، حيث تحدث الأخيرة نتيجةً لتأثير الحركة النسبية بين مصدر الضوء والمستقبِل لهُ، في حين تُشابه ظاهرة الاحمرار البنجمي الظاهرة التي تجعل الشمس حمراء عند الغروب. عندما تُضيء سحابة من الغبار بفعل ضوء نجمٍ ما فإنها تظهر زرقاء عند رؤيتها من الجانب، كما في سديم البيضة (Egg Nebula)، وتُشابه هذه الظاهرة رؤيتنا للسماء باللون الأزرق نتيجة تبعثر اللون الأزرق داخل الغلاف الجوي للأرض.
وبعيداً عن مرور الضوء عبر الغبار البنجمي أو حجبه، يُمكن للضوء الانعكاس عن سحب الغبار. يمكننا رؤية انعكاس الضوء عن الغبار ما بين النجمي فيما يعرف باسم السديم العاكس.
المصدر: هنا