الهندسة والآليات > التكنولوجيا
شرائح إلكترونية من الفحم
تتعددُ المصادرُ الطبيعيةُ التي نستخدمُها لصناعةِ الموادّ الإلكترونية، نقومُ باستخراجِها وإجراء بعضِ التعديلاتِ عليها؛ لاستخدامِها في الصناعةِ. لكن هل خطرَ يوماً على ذهننا أن نقومَ باستخدامِ الفحمِ في مثلِ هكذا صناعات بدلاً من حرقه؟ هيا بنا نصنعُ منها أجهزةً إلكترونية بشكلها الطبيعي مع القليل من التعديلات.
يرى أحدُ الباحثين بأنّ نظرتَنا إلى الكربون قد كانت خاطئة بشكل كبير، يجبُ الاستفادةُ من القيمةِ الحقيقيةِ لهذه الموادِ الكيميائيةِ المتنوعة والمعقدة، بدلاً من إشعالها متجاهلين تعقيداتها الجزيئية، يمكنُ للفحمِ أن يكونَ الأساس للخلايا الشمسية والبطاريات وحتى الأجهزة الالكترونية.
باعتبار هذا الاكتشاف هو الأول من نوعه لمجموعةٍ واسعةٍ محتملةٍ من الاستخداماتِ التقنيةِ العاليةِ لمثل هذه المواد، ذات التطبيقات التقنية المنخفضة كما اعتدنا عليها، فقد تمكنت مجموعةٌ من ثلاثة باحثين بنجاح من صناعة جهاز تدفئة إلكتروني بسيط يمكن استعماله؛ لتدفئة نوافذ السيارات أو أجنحة الطائرات أو حتى كجزء من عمليات زراعة الأعضاء الطبية الحيوية. فكما هو موضح بالصورة:
حيث تمّت صناعةُ هذا الجهازِ من فحمٍ مسحوقٍ غيرُ مكررٍ، ويظهرُ على اليسارِ شكلُ الجهازِ وحجمُه، وعلى اليمينِ صورةٌ بالأشعة تحت الحمراءِ، تبين الحرارة التي يستطيع الجهاز إنتاجها، تمكنوا أيضاً من خلال تطويرهم لهذا التطبيق الأوليّ لأول مرة من تمييز أربعة أنواع مختلفة من الفحم لصفائح رقيقة بتفاصيل خصائصها الكيميائية والكهربائية والبصرية، وهي فحم (anthracite) و(lignite) ونوعين آخرين من (bituminous)، حيث تمّ نشر اكتشافاتهم في مقال لمجلة (NanoLetters).
يقول (Grossman) وهو بروفيسور في النظم البيئية في قسم علوم وهندسة المواد، وأحد العاملين في هذا البحث: "عندما تنظر إلى الفحم كمادة ذات قيمة وليس كشيء يمكننا حرقه، فإن تركيبته الكيميائية ستُظهِرُ غناها بشكل كبير". لكن السؤال الذي كان ينوي أن يطرحَه هو: هل يمكننا الاستفادة من الثروة الكيميائية الموجودة في مواد مثل الفحم لتحويلها إلى أجهزة ذات وظائف مفيدة؟ والجواب كان: نعم، بصوت عالٍ.
على سبيل المثال، قد اتضحَ أنّ أصنافَ الفحمِ المتشكلةِ طبيعياً دون أي عملية تنقية أو معالجة، والتي نقومُ باستخدامها عند صناعة الشرائح الإلكترونية من السيليكون تملك كمية معينة من الناقلية الكهربائية تساوي تقريباً سبعة أضعاف حجمها، وهذا يعني أن كمية معينة من الفحم يمكن أن توفر بطبيعتها الخواص الكهربائية اللازمة لتكوين عنصراً معيناً.
أحد التحديات التي واجهت الفريق هي الطريقة التي سيتم بها معالجة هذه المواد، فقاموا بوضعِ سلسلةٍ من الخطوات لسحقِ الموادِ إلى مسحوق، ومن ثم وضعه في محلول وبعدها ترسيبها على ركائز على شكل رقائق، وهي خطوة مهمة لتصنيع العديد من الأجهزة الإلكترونية مثل الترانزستورات والخلايا الضوئية.
وعلى الرغم من أن الفحم أحد المواد الأكثر استخداماً على نطاق واسع من قبل البشر لعدة قرون، فإن خصائص بنيانه الإلكترونية والبصرية لم يتم دراستها ابداً لغرض تصنيع الأجهزة المتطورة.
يقول (Keller) والذي جعلَ كمية كبيرة من هذا البحث كجزء من أطروحته: "هذه المواد لم يتم أبداً أخذها بعين الاعتبار بهذا الشكل"، ومن أجل معرفة ما هي الخواص وما هي المميزات الفريدة التي ستحققها هذه المادة، قامَ بتطوير طريقة لتصنيع الأفلام الرقيقة التي يمكن استخدامها في تجارب منفصلة وفي تصنيع الأجهزة الإلكترونية. يقولُ الفريقُ بأنه حتى الآن يمكننا اعتبار ما تم اكتشافه ليس إلا غيض من فيض. حيث تم اختيار الأصناف الأربعة من جزء بسيط من مئات الأصناف المتواجدة، وكل منها له اختلافات وخواص مهمة، وعملية التحضير والاختبار للعينات كانت عملية غير اعتيادية لعلماء المواد، حيث يقول (Ferralis) وهو أحد المشتركين في البحث: "جرت العادة على أننا نريد تصنيع مواد من العدم والجمع بعناية بين نسب حقيقة من المواد النقية".
يتمّ استخدامُ الفحمِ وغيره من أنواع الوقود الأحفوري منذ وقت طويل كمواد أولية للصناعات الكيمائية مثل البلاستيك والأصبغة والمذيبات، فقد جرت العادة على استخدام هذه المادة كغيرها من المواد الخام، فيجب أن يتمّ صقل مقوماتها الأساسية حتى الذرات وجزيئاتها البسيطة ومن ثم يتم تجميعها لتشكيل المادة المطلوبة. استخدام المواد الكيميائية التي توفرها الطبيعة كما هي يعتبر بحد ذاته إنجاز جديد غير اعتيادي، حيث وجد الباحثون بأن تعديل بسيط في درجة الحرارة التي يتم بها معالجة الفحم فإن بإمكانهم تعديل العديد من خواص المادة البصرية والكهربائية إلى الخواص المرجوة بشكل دقيق.
قدم الفريق جهاز التسخين البسيط كدليل على مبدأ توفير استخدام هذه المواد بشكل كامل من عملية طحن الفحم إلى عملية ترسيبه على شكل شرائح فلمية رقيقة، وتصنيعه في جهاز إلكتروني يقوم بوظيفة معينة. وهذا ما يفتح الأبواب إلى العديد من التطبيقات الواسعة في الأبحاث المستقبلية.
الميزة الكبيرة المحتملة لهذه المادة الجديدة هي تكلفتها المنخفضة بطبيعتها وكذلك عملية معالجتها البسيطة التي تحقق تكاليف تصنيع منخفضة جداً.
ترتبطُ تكاليفٌ كثيرةٌ بعمليةِ تصنيعِ رقاقات السيلكون، أو الغرافين فعلى سبيل المثال: في عملية تنقية المواد فإن السيلكا، وهي المادة الأولية المُشكّلة لشرائح السيليكون متوفرة بكثرة ورخيصة السعر. ولكنّ الشكل المعالَج المطلوب لتصبح قطعة إلكترونية نقية بنسبة 99% ليس كذلك. استخدام مسحوق الفحم يمكن أن يحقق مميزة هامة للكثير من التطبيقات بسبب قدرته على تعديل خصائصه وناقليته العالية بالإضافة إلى متانته وثباته الحراري.
يعتبر (Shenqiang Ren) وهو بروفيسور في الهندسة الميكانيكية في جامعة تيمبل غير مشارك في هذا العمل: "دراسة واسعة ومفيدة جداً لتسهيل فهم إمكانيات الفحم الغير مكرر لمهام عملية". وأضاف أيضاً: "هذه خطوة كبيرة ولربما هي الأولى من نوعها للاستفادة من مواد النانوكربون مباشرة من الفحم الغير مكرر مع خصائص إلكترونية يمكن السيطرة عليها وذات استقرار عالي وقابلية كبيرة للتطوير".
هل ستؤثر هذه الأفكار في مجال صناعة الإلكترونيات؟ وهل ستساعد في استثمار مادة الفحم بدلاً من إحراقها فقط؟ سننتظر قادم الأيام.
المصدر: هنا