الفنون البصرية > فن تصميم الأزياء
الأزياء في نهاية القرن التّاسع عشر وبداية القرن العشرين.. تاريخ أزياء العصر الإيدوارديّ في ظلّ الحقبة الجّميلة
كنّا قد تعرّفنا في المقالين السّابقين من هذه السّلسلة على أزياء حقبةِ الوصاية على العرش في إنكلترا وأزياء العصر الرّومانسيّ والفيكتوريّ. لنتعرّف اليوم في هذا المقال على الحقبةِ الجّميلة وأهمّ سمات الأزياء في العصر الإيدوارديّ.
ما هي الحقبة الجّميلة؟
أَطْلَقَ الفرنسيّون تعبيرَ الحقبة الجّميلة على الفترة الممتدّة بين عامي 1895 و1914،إذْ كانت عصرًا من الملابس الرّائعة بَلَغت فيه قلّةٌ مختارةٌ من الورثة الفاحشي الثّراء وذوي الامتيازات الخاصّة ذروةَ الرّفاهيّة.
وبالعودة إلى ذلك الزّمن، يُمكننا القول بأنّ الحقبةَ الجّميلةَ فترةٌ مختلفةٌ جدّا عن القرن العشرين رغم انتمائها لبدايته، إذ مسحت الحرب العالميّة الأولى كلَّ أثار السلوكيّات وأنماط الحياة على مدار العقدين الماضيين، وكان لفظاعتها الأثرُ في ولادة اشتراكيّةٍ جديدةٍ وحِسّ هويّةٍ مُختلف دَحَضَ الاعتقاد السّائد بأنّ للامتيازات الفضل بالعيشِ الرّغيد. وبالإمكان اليوم رؤية الملابس التي شهدناها بعد عام 1915 في مناسباتٍ محدّدةٍ على عكس الملابس التي تعود لما قبل هذا التّاريخ والمتناغمة مع أزياء العام 1770 ذات التّصميمات المعقّدة والتّي يُقتَصر ارتداؤها اليوم على الحفلاتِ التّنكريةِ أو كأثواب أفراح.
شكل القوام بعد عام 1890:
شهد عام 1980اختفاء الأرداف المستعارة من الفساتين اليوميّة وولادةِ نمطٍ جديدٍ من التّنانير اليوميّة المنسابة على الأرداف من أعلى الخصر للتتوسّع تدريجيًّا باتّجاه الأسفل. وبحلول عام 1895، أصبح حجمُ الأكمامِ المنتفخةِ مبالغٌ فيه جداً كما دخلت في تصميم فساتين السّهرات المكشوفة. و برزت ضخامةُ الأكمام لدى مقارنة الخصر الرّفيع المشدود بالحزام مع التّنورةِ الطّويلة الانسيابيّة التّي جاءت لتوازن ضخامة قمّة الأكمام.
البدلات الجّاهزة المفصّلة:
أُطلق على الملابس المفصّلة لزبون معيّن والمصنوعة من قماش الصّوف أو صوف السّيرج تعبير بدلةٍ أو طقم، وارتدتها نساء الطّبقة الوسطى والغنيّة مع القمصان المزوّدة بأزرارٍ من الأمام. في عام 1850، ظهر شكلٌ جديدٌ لطقمٍ بسيطٍ مريحٍ للاستخدام اليوميّ. أما الطّقم المفصّل كما نعرفه اليوم، فيعود إطلاقه في عام 1880 لدوري الأزياء Redfern و Creed. و كانت السّترة في بادئ الأمر هي الوحيدة المفصّلة خصّيصًا وكان تُرتدى مع تنورّة ٍمزوّدةٍ بأردافٍ مستعارةٍ تتخلّلُها طبقاتٌ من القماش.
في الفترة الممتدة بين عامي 1890 و1910، ظهر تفصيل التّنورة الطّويلة الانسيابيّة، فجاءت لتلائم طراز السّترة الذّي تغيَّر بتغيُّر شكل القوام في تلك الفترة. غير أن نظرة المجتمع للطقم المفصّل عام 1890 لم تكن إيجابيّة، فوصفته بأنّه ذكوريٌّ ولا يليق بسيّدات المجتمع الرّاقي، وهو وصفٌ استخدم وقتها للبّاس البسيط الرّتيب نوعًا ما فكان القصد منه التّقليل من شأن من ترتديه.
الطقم الإيدوارديّ المفصّل المثاليّ للسّفر
ظهر الطّقم المفصّل بسترةٍ نسائيّةٍ قصيرةٍ (bolero) أو بسترةٍ طويلةٍ أكثر استقامةٍ وأوسع عند منطقة الخصر بحلول نهاية العصر الإيدواردي.
دائمًا ما وُصفت الملابس المفصّلة بأنها مثاليّةٌ للسفر. وكثُرت استعمالاتها خلال فترة عقد مع اختلافٍ في الأقمشة، فاستُخدمت الأقمشة الخفيفة في حياكة الملابس المفصّلة الخاصّة بحفلات الأعراس، أما أقمشة التويد و السيرج الأكثر خشونةً فاستُعملت للأطقم اليوميّة أو في الأرياف.
بحلول عام 1990، احتّل الطّقم المفصّل مكانةً هامّةً في الأزياء، فرأت فيه السّيدات العاملات العصريات زيًّا مفيدًا متعدّدَ الاستعمالات على عكس الرّجال الذّين رأوا فيه تحديًّا لمكانتهم كأصحاب السّلطة في المجتمع، وشَكّلَ ارتداؤه تصريحًا واضحًا من السّيدات برغبتهنّ في الحصول على استقلالهنّ في المستقبل.
المرأة بنظر جيبسون:
وهو عبارةٌ عن رسمٍ يمثّل المرأة المثاليّة قام بتصوّره الفنّان الأمريكيّ تشارلز دانا جيبسونCharles Dana Gibson. انتقد جيبسون المجتمع خلال الفترة الممتدة بين عامي 1890 و1910 من خلال تصوّره لل"المرأة العصريّة" المنافسةِ والرّياضيّةِ والمتحرّرةِ والجّميلةِ في آنٍ واحد. فلاقت ملابسه رواجًا في أمريكا وبريطانيا مُطلِقةً صيحة ارتداء التّنانير مع القمصان المطرّزة. ومن أحّد صيحات أزياء سيّدة جيبسون الأخرى ارتداء قميصٍ ذي ياقةٍ عاليةٍ مع ربطة عنقٍ أو عقدةٍ أنشوطيّةٍ رخوةٍ أو ربطةِ عنقٍ مزينّةٍ بدبّوسٍ أو كشكش عند منطقة الصدر.
اتَّخَذَت القمصان المزركشة أهميّةً كبيرةً وارتدتها سيّدات الطّبقات كافّةً، كما حاول الخيّاطون البسيطون جهدهم تقليد قمصان الخياطة الرّاقية الدّقيقة من حيث الثّنياتٍ الرّفيعةٍ جدًّا والتّطريز المتقن وتداخل الأقمشة وإدخال الدّانتيل والتّفريغ والطّيات وقصّ حواف الدّانتيل للحصول على أشكالٍ جميلة.
شكل القوام الإيدواردي بين عامي 1900-1907:
خصّ قوامُ السّاعةِ الرّمليةِ الرّائجِ في تلك الفترة النّساءَ ذوات الأرداف والصّدر الممتلئ. ورسم المشدّ الذي يلوي القوام على شكل حرف S أجسامَ النّساء حتى عام 1905. وكان يُعتقد أنه صحيٌّ لتخفيفه الضّغط على منطقة البطن. ويُحكم المشدّ للغاية على الخصر بحيث تَنْزَاح الأرداف إلى الخلف والصّدر إلى الأمام كما لدى الحمامة المنفوشة الصّدر بهدف الحصول على شكل S.
إن كنت ثريّةً كما هو حال سيّدات المجتمع الإدوارديّ، فكنت ستمتلكين بلا شكّ ملابسًا تَضجُّ أنوثةً ومزيّنةً بطبقاتٍ من الدّانتيل لكثرة اليدّ العاملة الكادحة في ذلك الوقت.
وكان ما زال رائجًا في تلك الفترة ارتداءُ الفساتين المصمّمة من قطعتين. وكان الصّدار مثقّلًا بدعّاماتٍ تعمل عمل الكورسيه أو المشدّ ويُلبس فوق المشدّ اللّاوي بشكل S.
كان الصّدار العلويّ يُلبس عادةً فوق صدارٍ ثانٍ أخف يُحكم شدّه بكبشات. كما كان له دورٌ في تثبيتِ الزّيّ وصقلِ الجّسم وتحديدِ ملامحه تحت طبقات القماش العلويّ الرقيقة. في عام 1905، استُعملت الكبسولات في بريطانيا لوصل الصّدار أو القميص بالتّنورة في حين بدأت أمريكا باستخدامها منذ عام 1901. يَمتاز الصّدار من الأمام بالوساعيّة وهو مصنوعٌ من الدّانتيل أو من قماشٍ مكتّلٍ ما يمنح بروزًا للقسم العلويّ من الجّسم. أمّا الأكمام المستقيمة التي شهدناها في نهاية1890، فأصبحت عريضةً من الأعلى لتضيق عند الرّسغ.
مَنَحت ياقات الدّانتيل العالية طولًا للرقبة، كما تُثبّتت بدعّاماتٍ ملفوفةٍ بخيط الحرير لتمنح الصّلابة المطلوبة. وكان شائعًا ارتداء الياقات العالية خلال النّهار. أمّا في اللّيل، فسَمَحت الياقات المكشوفة الدّائرية أو المّربعة أو على شكل قلب للنّساء بارتداء ما طاب لهنّ من المجوهرات.
كانت التّنانير غالباً طويلةً انسيابيّةً تُشبه الأبواق بقصّتها الضّيّقة من الأعلى والعريضة تدريجيًّا باتجاه الأسفل كما وردة الزّنبق. ومع مرور الزمن، ازداد عرضها عند الأرداف، مانحةً انسيابيّةً وعرضًا أكبر عند الحواش.
كان للياقة العالية والمشدّ اللّاوي بشكل S والتّنورة المذيّلة والقّبعات الفخمة تأثيرٌ على مشية المرأة في العصر الإيدوارديّ فكانت تتبختر فيها بدلال. ثمّ بدأ شكل القوام بالتغيّر بين عامي 1906 و1909، ففقدت التّنانير من حجمها وعاد شكل القوام إلى وضعيّته المستقيمة وكُشفت القدمين مجدّدًا.
شكل القوام الإيدوارديّ بين عامي 1908 و1913:
أصبح خطّ الخصر أكثر ارتفاعًا بتوقّف الصّدارٍ عند حافّة الصّدر ما أعطى الجذع طولًا ومَنَح المرأة قوامًا مستقيمًا يشبه العمود. وبعد عام 1907، أُدخلت تحديثاتٌ على المشدّات فأصبح الكورسيه بطول الرّكبة ما منح السّيدات قوامًا ممشوقًا.
البالتوه والكازاك والمانتليه:
ارتدت النّساء الشّال لسنين عديدةٍ لتستبدلنه تدريجيًّا بملابس خروجٍ أُخرى مثل الكاب cape(معطفٌ قصيرٌ بدون أكمام) والدّثار والسّترات. والكازاك هو عبارةٌ عن سترةٍ ضيّقةٍ من الطّراز الباسكيّ يُحكم إغلاقها لعند الرّقبة. والبالتوه هو سترةٌ قصيرةٌ تبدأ أكمامها من حافّة الكتف. أما المانتليه، فهو عبارةٌ عن نصف شال. كما صمّمت جميع سّترات تلك الفترة لتلائم قصّات الأرداف المستعارة والحشوات وصل طولها لأعلى الورك أو لمنتصف الفخذ.
الأكسسوارات في العصر الإيدوارديّ
• القبّعات الرّائجة: بعد انتشار القوام الرّفيع عَرُضت حوافّ القّبعات وزُيّنت غالبًا بزركشاتٍ فخمةٍ كبيرةٍ من الرّيش على سبيل المثال، وعُرفت باسم قبعات ميري ويدو Merry Widow نسبةً إلى الأوبّريت الشهير في تلك الفترة.
• الريش: دخل الرّيش بكثرةٍ في تزيين القبّعات كما استُخدم كوشاحٍ تلتفُّ به أعناق السّيدات بالإضافة إلى فرو الحيوانات الكاملة كالثّعالب التّي زينّت أكتافهنّ ما لاقى استهجان أنصار الحقبة الجماليّة الذّين اعترضوا على استخدام الحيوانات.
• القفّازات: ارتدت النّساء قفّازات الجّديّ مع ملابس الخروج شتاءً وصيفًا. وكانت تُصنع القفّازات الفخمة من الجّلد المدبوغ السّويديّ أو الحرير وتُزيّن بتطريزٍ ناعم.
• الباراسول: استخدم البارسول parasol أو المظلّة كأكسسوارٍ تزينيّ وصُنع براسول الصّيف من الدّانتيل ما أضاف جمالًا على المظهر بأكمله.
• الحقائب: لم تكن حقائب اليد رائجةً في تلك الفترة فشاهدنا احياناً نوعًا من الحقائب الصّغيرة المزوّدة بشريطٍ جميلٍ تتدلّى من الرّسغ. وكانت السّيدات تحمل مبالغ صغيرةٍ من المال، إذ كانت تُقيّد المشتريات على حساباتهن المصرفيّة. كذلك هو الأمر بالنسبة لمستحضرات التّجميل فلم تكن هناك خاجة لحملها في الحقيبة حيث لم يكن رائجًا استخدامها.
وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية العصر الإيدوارديّ بأناقته وفخامته الطّاغيتين. انتظرونا في جزءٍ جديد من سلسلة تاريخ الأزياء الشيّقة لتتعرّفوا معنا على إبداعات فنون الأزياء في القرن العشرين.