الهندسة والآليات > التكنولوجيا
تقاطعاتٌ مروريةٌ ذاتيةُ التحكمِ تُنظمُ حركةَ السياراتِ
بالرغم من أن السيارات ذاتية القيادة، والإشارات المرورية ذاتية التحكم لم تصل إلى الشوارع بعد، لكننا سنراها في كل مكان قريباً جداً، وعندما تفكّر في الأثر الذي سيتركه هذا التغيير ليس فقط على طريقة تنقل الناس، وإنما على أسلوب حياتهم، يجب أن تعلم أن نتائج هذه التقنية ستكون مذهلة على مستوى البنى التحتية كذلك. لكن كيف ستبدو الحياة عندما تصبح إشارات المرور أمراً من الماضي بفضل هذه السيارات.
إذا كنت تقوم بقيادة سيارتك في أي مكان في العالم، فأنت حتماً ترى أن الإشارات المرورية ما هي إلا جزء من مؤامرة ضخمة تعيق وصولك بالسرعة المطلوبة، صُممت هذه الإشارات بالقدر الكافي؛ لتُصَّعب عليك وتستهلك من وقتك قدر الإمكان حتى تتأخر عن المكان الذي تريد الوصول إليه. تتغير الإشارة من الأخضر إلى الأحمر لأن سيارة أخرى قادمة من اتجاه آخر، وهذه ليست طريقة فعالة لإدارة الأمور، فأنت تقضي الكثير من الوقت إما في التقليل من سرعتك أو الانطلاق أو التوقف بلا فائدة.
السبب الوحيد في استمرار هذه المعاناة مع الضوء الأحمر هو أن البشر عموماً ليسوا بالقدر الكافي من الإدراك والسرعة في اتخاذ القرارات أثناء القيادة أو اللطف ليقوموا بالانعطاف السريع عبر التقاطعات بشكل آمن وفعال. بينما لا تحتاج السيارات ذاتية التحكم إلى هذه القيود، حيث إنها أفضل بكثير من ناحية القيادة والتواصل والتعاون فيما بينها. ولذلك تستطيع هذه السيارات بواسطة القليل من الاتصال والتنسيق أن تنطلق عبر أعقد التقاطعات فيما بالكاد تُخفف من سرعتها.
تعتمدُ هذه التقاطعات ذاتية التحكم على نظام المنافذ (slot-based). وهذا يعني أنها تعملُ بالطريقةِ نفسِها التي تُنسق بها أنظمة تَحَكُمِ المرورِ الجويّ في مطارات الطائرات التي تريد الهبوط، حيث تواصل النظام مع كل الطائرات القادمة، ويُعَيّن لكل منها مكاناً محدداً في مصفوفة الهبوط. تُسْرع الطائرة أو تبطئ من سرعتها مع اقترابها من المصفوفة، وبذلك تُدخلها في الوقت الصحيح، وفي المنفذ الصحيح، وهكذا تسير الأمور في كامل المصفوفة بشكل مستقر. هذا مهم جداً لأن الطائرة ذات الأجنحة الثابتة لديها مشاكل في الوقوف قبل عملية الهبوط.
ما يمنعنا من تطبيق هذا النظام في السيارات هو سبب بشقين:
أولهما أننا لا نملك نظام تحكم مركزي بالتقاطعات؛ لنُنَسًق بين المركبات، والثاني هو أن المركبات التي يقودها البشر لا تعطي معلومات عن وجهتها وحالتها بشكل موثوق، لكن في السيارات ذاتية التحكم نستطيع أن نجعل ذلك حقيقياً، وعندها ستكون النتائج عظيمة. ستزيد فعالية التقاطعات العاملة بنظام المنافذ باستخدام إدارة مركزية للتقاطعات، ونظام تواصل بين المركبات، مثل ما هو مُوضَّح في الفيديو أعلاه. نحن نتناقل هذه التوقعات منذ فترة، لكن ورقة بحثية جديدة من باحثي معهد ماساتشوستس أعطت تخميناتنا حول زيادة فعالية التقاطعات مصداقية أكثر بعد القيام ببعض التجارب العملية. وللاضطلاع أكثر على هذه التجارب يمكنكم قراءة الورقة البحثية لباحثي المعهد:
اقترح فريق ماساتشوستس طُرُقَاً يمكن خلالها جعل الحركة المرورية عبر هذه التقاطعات مثاليةً. بدلاً من تصميم أنظمة إدارة المرور عبر إعطاء الأولوية لأوقات وصول المركبات على أساس من يصل أولاً يُعالَج أولاً، ويقترح الباحثون إرسال المركبات إلى التقاطعات عبر مجموعات خاصة مع اشتداد الحركة المرورية. قد يعني ذلك تأخيراً طفيفاً لكل مركبة على حدة؛ لأنها تحتاج للتنسيق مع مركبات أخرى لتشكيل المجموعة، ولكن بالمُحَصلة تُعتبر هذه الطريقة أكثر فعاليةً، لأن مجموعات السيارات تستطيع أن توفر في توقيت التقاطع أكثر من كل مركبة على حِدَة. الفيديو أعلاه يوضح طريقة المجموعات بينما يعرض الفيديو أدناه بحث نُشِرَ عام 2012 في جامعة أوستن، يعرض تقاطعاً شديدَ التعقيدِ عبر تنسيق السيارات بشكل فردي عوضاً عن مجموعات.
تُخبِرُنا المحاكاةُ بأن نظامَ المنافذ الذي يُرسِل مجموعات من السيارات قد يُضاعِف استيعاب التقاطعات، وفي الوقت ذاته يقلل فترات الانتظار بشكل كبير. في الحالة الأبسط وهي عبارة عن تقاطعين كل منهما يتسع لسيارة واحدة، حيث تتعرض السيارات التي تصل بمعدل سيارة كل ثلاث ثواني لتأخير متوسط يقدر ب 5 ثواني حتى تصبح الإشارة المرورية خضراء. يقوم التقاطع ذاتي التحكم بتقليل هذا الوقت إلى أقل من ثانية واحدة، ويمكننا اعتبار هذا الوقت بالجيد، ولكن يبدأ نظام التحكم بعرض فعاليته مع زيادة الحركة المرورية. إذا كان معدل الوصول هو سيارة كل 2.5 ثانية، سيكون التأخير لك سيارة بمعدل عشر ثوانٍ حتى تتغير الإشارة المرورية، بينما في حالة التقاطع ذو نظام المنافذ سيجعلها تنتظر لثانية ونصف.
أما عندما تبدأ السيارات بالضغط على تقاطعنا الصغير أعلاه بمعدل سيارة كل ثانيتين، سوف تحتجز السيارة لمدة 99 ثانية لتنتظر تبدل الإشارة! ولكن ستنتظر فقط لِثانيتين ونصف إذا كان نظام المنافذ ذاتي التحكم مطبقاً.
علينا أن نشير بأن هذا النظام يعمل فقط إذا كانت كل السيارات العابرة للتقاطع ذاتية التحكم. إذا حاول سائق بشريّ واحدٌ أن يتدخل ضمن هذا التشكيل المصمم بدقة، سوف يتسبب في الغالب بعدد هائل من الحوادث نظراً للضعف في التنسيق والتنبؤ لديه. لهذا السبب، يبدو أن إشارات المرور لن تختفي حتى يتخلى البشر عن القيادة في النهاية. بالرغم من ذلك، ممكن أن تُتَّخذ خطوة مؤقتة وهي أن تبقى الإشارات المرورية خضراء في كل الاتجاهات طالما أن السيارات ذاتية التحكم فقط هي التي تمر عبرها، وتتحول إلى حالة العمل العادية (بإرباكها وعدم فعاليتها) عندما يمر سائق بشري.
يؤكد الباحثون أن فوائد التحكم عبر نظام المنافذ تتجاوز توفير الوقت فقط، فهي تقلل استهلاك الوقود وبالتالي كمية الكربون التي قد تُضَّخ في الجو عبر جحافل السيارات العالقة على إشارات المرور.
سيتطلب الكثير من العمل لتطبيق شيء كهذا. ولأنه يعتمد بشكل كبير على وجود سيارات ذاتية التحكم بديلة للمركبات التي يقودها البشر، فلنسرع ونجعل الروبوتات والتحكم تُسيطر على كل شيء.
المصدر: