الطب > موسوعة الأمراض الشائعة
داء فون ويلبراند VWD: أشيع اضطراب نزفيٍّ وراثيّ للدم عند البشر
تُعدُّ الصفيحات عاملاً أساسياً في التئام الجروح، ولكنها تحتاج إلى عواملَ وظروفٍ مساعدةٍ لتقوم بوظيفتها بشكلٍ صحيحٍ، حيث يُعد عامل فون ويلبراند واحداً من أهمها، ويرتبطُ بطريقةٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرةٍ بمجموعةٍ من الاضطرابات أو الأمراض، منها هذا المرض الذي سنتحدث عن أساسياته في المقال التالي..
يتوزّع الدمُ إلى أنحاء الجسم المختلفة عن طريقِ الأوعية الدموية، حيث ينجُم النزفُ عادةً عن تضررٍ أو قَطعٍ في جدار الوعاء الدموي، الذي قد يكون سطحياً فيُشكِّل بالتالي جُرحاً عادياً، أو قد يكونُ عميقاً، فنحصلُ بالنتيجة على كدمةٍ أو نزفٍ عميق.
تُعدُّ الصفيحات عاملاً أساسياً في التئام الجروح، ولكنها تحتاج إلى عواملَ وظروفٍ مساعدةٍ لتقوم بوظيفتها بشكلٍ صحيحٍ، حيث يُعد عامل فون ويلبراند واحداً من أهمها، ويرتبطُ بطريقةٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرةٍ بمجموعةٍ من الاضطرابات أو الأمراض، منها هذا المرض الذي سنتحدث عن أساسياته فيما يلي.
ما هو داء فون ويلبراند؟
يُعدُّ داء فون ويلبراند أشيعَ اضطرابٍ نزفيٍّ وراثيٍّ عند الانسان، حيث تنجُم أعراضُ هذا المرض عن عوزٍ في عاملِ فون ويلبراند الأساسي في تشكيلِ علقةِ الصفيحات وربطِها مع بعضها البعض ومع الطبقة تحتِ البطانيّة، كما يحمي عاملَ التخثرِ الثامن من التفعيلِ في البلازما.
تعتمد شدّةُ المرض على نوعه، وقبل أن نستعرضَ هذه الأنواع؛ من الجدير بالذكر أنّ معظم الحالات تكون معتدلةَ الشدة، حيث يُمكن أن يكون التشخيص غيرَ معروفٍ بالنسبة لحامل المرض بالنسبة لبعض الحالات.
يُفرز عامل فون ويلبراند من الحُبيبات المخزونة في الصفيحات والخلايا البطانية، ويبلغُ تركيزُه في البلازما حوالي 10 ملغرام/ميليلتر. قد يسبب عوز عامل فون ويلبراند النزف، بينما قد تمثل زيادتُه عاملاً ما قبلَ خثاريّ، كما قد تكون واسماً لتصلب الشرايين المتفاقم.
لماذا سُمي المرض بهذا الاسم؟
سُمي هذا المرض باِسمِ أوّلِ من وصفه في عام 1925 وفرّقه عن مرض الناعور، وهو العالم إريك فون ويلبراند Erik von Willebrand من التابعية الإسكندنافية.
ما هي أنواعُ داء فون ويلبراند؟
يعتمدُ نوع داء فون ويلبراند على نوعِ العوز في العامل، حيث أمكنَ التمييز بين الأنواع التالية:
1- النمط الأول: ويتميز بعوزٍ كميٍّ في عامل فون ويلبراند.
2- النمط الثاني: ويتميز بعوزِ وظيفةِ العامل، ويُقسم بدوره إلى أربعِ فئاتٍ فرعيةٍ حسب نوع العوز الوظيفي.
3- بينما يتميّزُ النمطُ الثالث بغيابٍ تامٍّ للعامل.
كم تبلغ نسبة انتشار هذا المرض؟
قد تختلف الأرقامُ في حال كنا نستخدم معطياتِ الدراسات الجمعية السُّكّانية، أو نعتمدُ فقط على الحالات المُسجَّلة في المراكز التخصصية.
بالعموم قد تتفاوت الأرقام بين منطقة وأُخرى أيضاً، حيث أشار باحثٌ سويديٌّ إلى نسبةٍ قد تصل إلى 1% من مجموع السكان في الدول الشمالية، بينما تُشير بعض الأرقام العالمية (كندا مثلاً) إلى أن المُعرضين للإصابة قد يصلون إلى 0،1% من مجموع السكان.
ولكنْ بما أنّ الكثيرَ من المرضى يُعانون من حالاتٍ معتدلةِ الشدة من المرض؛ فقد لا يتم تشخيصُهم بتاتاً، مما قد يحدو بِنا إلى اعتمادِ عددِ المرضى المحتاجين للعلاج والذي يبلغ 1 من كلِّ 8000 نسمة تقريباً.
هل هو مرضٌ وراثيٌّ أم مُكتسب؟ ما هي الفئات المُعرَّضة لهذا المرض؟ هل هو مُعدٍ؟
للمرض صنفان رئيسيان: وراثي (على الصبغي 12)، ومُكتسَب؛ أي أنّه قد يُخلَق مع الطفل منذ ولادته، كما أنه قد يتطور لدى البالغ، ويحتاجُ النمط الثالث من المرض إلى أن يكون كِلا الأبوين حاملاً للمرض، ومثلَ كلِّ الأمراض الجينية فإنّه (بحدِّ ذاته) غيرُ معدٍ.
كما يُمكن للمرض أن يُصيب كِلا الجنسين، ولكنْ بما أنّه يُمكن أن يُسببَ نُزوفاً طمثيةً (اضطرابَ نزفٍ طمثيٍّ في 70% من المرضى الإناث) وتطاولاً في نزفِ ما بعد الولادة، فإنّ النساءَ أكثرُ عرضةً لتطوير أعراضٍ مُلاحَظَة.
هل هو مرضٌ خطير؟ ما مدى خطورته؟
يعتمدُ ذلك على نمط المرض، فبينما يُعاني معظمُ المرضى من أعراضٍ معتدلة الشدة ولن يعلمون أساساً أنهم مصابون بهذا المرض، قد يعلمُ آخرون بهذه الحقيقة فقط عندما يخضعون لجراحةٍ أو يُصابون بحادثٍ خطيرٍ، لا بُدَّ هُنا أن نذكُر أن بعض المرضى الباقين يتعرضون للنزف بشكل متكرر.
ما هي أعراض داء فون ويلبراند؟
يتظاهرُ هذا المرض بدرجاتٍ مختلفةٍ من الميل للنزف (رعاف، نزف اللثة، التكدم السهل)، بينما قد يعاني الأشخاص المصابون بالنمط الثالث من نزوفٍ داخليةٍ شديدةٍ (حالات نادرة).
يتميز النمط الأول من المرض بالنزوف الجلدية والمخاطية، ويُعدُّ كلٌّ من الرعاف والتكدم أشيعَ الأعراض، بينما قد تعاني النساء المصابات من نزفٍ طمثيٍّ شديد (في فترة الخصوبة) وفقدِ دمٍ مهمٍّ أثناء الوضع.
يتظاهر النمط 2A من مرض فون ويلبراند غالباً بنزفٍ جلديٍّ مخاطيٍّ معتدلٍ إلى متوسطِ الشدة، حيث يتشابه في هذه الصفة مع النمط 2B رغم أننا قد نلاحظ –في هذا الأخير- نقصاً في الصفيحات (أو قد يسوء في حال كان موجوداً مُسبقاً) في حال التعرض للإجهاد (إنتانٌ شديد، جراحة، حمل، استعمالُ الديسموبريسين)، ويُشابههم في هذا تحتُ النمطِ 2M مع ملاحظةِ حالاتٍ شديدةٍ من النزف في حال نقص أو اختفاء (VWF:RCo).
أما النمط 2N فهو مشابهٌ للناعور A من ناحية تطويره لنزوفٍ أشدّ في حال التعرض للجراحة، ويبقى لنا هنا أن نذكُر أن النمط المكتسب من هذا المرض يسبب عادةً حالاتٍ خفيفةٍ إلى متوسطةِ الشدة من النزف.
ما هي الخطوطُ الأساسيّةُ الفيزيولوجيةُ المرضيّةُ المميِّزةُ للأنماط المختلفة من هذا الاضطراب؟
النمط الأول: يتميز بعوزٍ جزئيٍّ كميٍّ للعامل، ناجمٌ غالباً عن طفراتٍ تؤثّر على التعبير الجيني، ولكنَّ المصابين به يعيشون غالباً حياةً طبيعية، كما أنه قد يكونُ نتيجةً للتصفيةِ السريعةِ لعامل فون ويلبراند من البلازما مما يؤدي لنقصِ زمنِ الشطر (cleavage time) لمتعدّدِ قسيمات (multimer) العامل الجائل من قبل ADAMTS-13.
النمط الثاني: قد يكون مُترافقاً بمستوياتٍ طبيعيةٍ من العامل ولكنْ مع تغيراتٍ وتشوهاتٍ في بنيته ووظيفته، حيث أنَّ كُلاً من تحتِ أنواعِه الأربعة يتميّزُ بآليةٍ مختلفة، ففي حين يترافق النمط 2A مع نقصٍ في التصاق الصفيحات المتواسط بعامل فون ويلبراند، يتميّزُ النمط 2B بانخفاضِ مستوى متعددات القسيمات الكبيرة في البلازما، ونشاطٍ أعلى حالٍّ للبروتين.
أما النمط 2M فيحوي عدةَ أشكالٍ متغايرةٍ من الاضطرابات النَّوعية التي تُنقِص من التصاق الصّفيحات المتواسط بعامل فون ويلبراند، دونَ أيِّ عوزٍ في متعدداتِ القسيماتِ عاليةِ الوزن الجزيئي للعامل.
بينما يتميزالنمط 2N بانخفاضٍ في أُلفة الارتباط الخاصّة بعامل التخثّر الثامن.
تُسبب طفرةٌ متنحيةٌ النمطَ الثالثَ من هذا المرض، حيث تؤدي إلى مستوياتٍ غيرِ مُقاسةٍ من عامل فون ويلبراند، ويمتاز بنزفٍ مخاطيٍّ شديد.
يبقى لنا أن نذكُر أنّ النمط المُكتسب من داء فون ويلبراند يُوسمُ بتصفيةٍ عاليةٍ لمعقّد الضد من البلازما، حيث أنّ مرضى تضيّقِ الشريان الأبهر قد يطورون هذا الداء وقد يتسبّبُ ذلك بحدوثِ نزوفٍ هضميةٍ لديهم.
ما هي أهم الوسائل التشخيصية لهذا الداء؟
يعتمد التشخيص على العديد من العوامل نذكر منها:
1- القصةُ المرضيّة وتاريخُ النزوف: أعراضٌ نزفيةٌ متعددة، أو حاصلٌ نزفيٌّ (bleeding score) أكثر من 3 للذكور أو 5 للإناث.
2- تعدادُ الدم الكامل مع زمن البروثرومبين وزمن الثرومبوبلاستين المفعل الجزئي (aPTT)، كما يمكن إضافة زمن الثرومبين والفيبرينوجين اختيارياً، حيث يملك مرضى هذا الداء عادةً قيماً طبيعيةً لزمن الثرومبين والبروثرومبين وتعدادِ الصفيحات ومورفولوجيتها والفيبرينوجين، بينما يعاني بعض المصابين تطاولاً في زمن الثرومبوبلاستين المفعّل الجزئي (عندما يكون هناك عوزُ عاملٍ ثامنٍ ناجمٍ عن انخفاضِ مستوى عاملِ فون ويلبراند). يبقى هنا أن نقول أنَّ مرضى النمط الثاني من الداء يُمكن أن يعانوا نقصاً في الصفيحات.
3- مستضد عامل فون ويلبراند: عادةً ما يَتمُّ باستخدام طريقة الـ (ELISA) أو الـ (LIA)، حيث تتراوح القيم الطبيعية بين 50-200 وحدة دولية/ديسيليتر، حيث تكون القيم منخفضةً عادةً في الأنماط 1، 2A، 2B، بينما قد تكون طبيعيةً أو منخفضةً في النمط 2M، وطبيعية عادةً عند مرضى النمط 2N.
4- VWF:RCo: وهو اختبارٌ وظيفيٌّ لقابليّة عاملِ فون ويلبراند على الالتصاق بالصفيحات الطبيعية، حيث يتم تفعيل عملية الالتصاق بوساطة مضادٍّ حيويٍّ هو الريستوسيتين، حيث أُوقِفَ استعمال هذا المضاد الحيوي في الدراسات السريرية لأنه قد يسبب نقصاً في الصفيحات ولكنه لا يزال قيد الاستخدام مخبرياً في بعض الحالات.
5- FVIII:C: وهو الاختبار الوظيفي للعامل الثامن، ويقيس قدرةَ عاملِ فون ويلبراند كحاملٍ للعامل الثامن، وتُعد قِيَمُه الطبيعية 50-150 وحدة دولية/ديسيليتر، حيث يكونُ منخفضاً في النمط الثالث والنمط (2N) من داء فون ويلبراند.
6- زمرة الدم ABO: تُشير بعض الدراسات أنَّ الأفراد الحاملين لزمرة الدم O لديهم أخفض مُستوياتٍ من عاملِ فون ويلبراند، بينما يملك الحاملون لزمرة الدم AB المستويات أكثر ارتفاعاً.
7- تحليلُ متعددِّ قسيماتِ عاملِ فون ويلبراند: وهو مفيدٌ في تصنيف أنماط وتحت أنماط هذا الداء، ويعتمِدُ على إجراء رَحَلانِ بروتيناتٍ ثم الكشفِ عن متعددِّ القسيماتِ بطرقِ الفعالية الإشعاعية أو بالتألق المناعي.
8- قياس ارتباط الكولاجين-عامل فون ويلبراند (VWF collagen-binding assay).
9- ارتباط عامل فون ويلبراند-العامل الثامن.
10- اختبار تجمع الصفيحات المحفز بالريستوسيتين.
11- الاختبارات الجينية.
وما زال هناك العديدُ من الباحثين الذين يبذلون جهوداً جبارةً في سبيل الوصول لواسماتٍ جزيئيةٍ وسريريةٍ أُخرى.
هل هناك معالجة شافية؟ و ما هي المبادئ الأساسية للعلاج؟
على قدر علمنا لا يوجد معالجةٌ شافية لهذا الداء، ولكن هناك أدويةٌ وطُرُقٌ علاجيةٌ لأنواعه المختلفة قد تساعد في تحسين السيطرة على أعراضه.
يعتمد العلاجُ بشكلٍ أساسيٍّ على تحريض التحرير الداخلي لعامل فون ويلبراند من الخلايا البطانية بآليةٍ تعتمدُ على الـ cyclic AMP باستخدام الديسموبريسين DDAVP (معالجةٌ غيرُ مُعيضةٍ وريدية أو داخلَ الأنف أو تحتَ الجلد)، وقد تُستعمَلُ في حالاتٍ من النمط الأول وبعض مرضى النمط 2A، أو باستخدام المعالجةِ المعيضة المعتمدة على إعطاء مُركّزات عامل فون ويلبراند المُشتقّة من البلازما.
تشمل العلاجاتُ الأخرى على حمض الأمينوكابرويك وحمض الترانيكساميك المضادَّين لحلِّ الليفين من خلالِ تثبيطِ تحويل البلاسمينوجين لبلاسمين والتي استُخدِمَت فموياً أو وريدياً لحالاتٍ مُعتدلةٍ من النزف المخاطيِّ الجلدي في مرضى فون ويلبراند.
من الجدير بالذكر أنَّ هناك معالجاتٍ موضعيةً تعتمدُ على الثرومبين البقري قد استُخدِمَت في حالاتٍ من النزف الأصغريِّ الناجمِ عن أذيةِ الشعريّات أو الوريدات، كما أن الـ Sealant Fibrin قد استُخدم في حالاتٍ خاصَّةٍ أُخرى.
يبقى لنا أن نقول أنَّ هناك جهوداً مستمرةً تُبذل لتشخيصِ وعلاجِ العائلات المُصابة بهذا الداء، وخاصّةً باستخدام المُقارِبات الجينية كجزءٍ من النضال ضد الاضطرابات النزفية الوراثية.
المصادر: