التاريخ وعلم الآثار > حقائق تاريخية
ملكات عبر التاريخ... حتشبسوت... المرأة الأولى التي مارست سلطة الفرعون بشكلٍ كاملٍ
خلال مئات السنين من التطور الفكري والأخلاقي طور البشر العديد من المفاهيم حول الحقوق والحريات والمساواة بين الجنسين. ومع ذلك تجد النساء إلى اليوم صعوبةً بالغةً في العمل السياسي والوصول لسدة الحكم والتي غالباً ما يكون الرجال اللاعبين الأساسيين في ساحتها.
فإذا كانت المرأة تعاني الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين فكيف إذاَ بالنساء التي حكمن الأمم قبل آلاف السنين؟ عندما كان العالم القديم خشن الطباع قليل النضج لا يعترف إلا بقوة السيف! نتناول في مقالنا قصة الفرعونة حتشبسوت والتي حكمت مصر قبل حوالي 3500 عام وكانت المرأة الأولى التي تحمل سلطة الفرعون كاملة...
كانت حتشبسوت الابنة الكبرى لأبيها الفرعون تحتمس الأول وأمها الملكة أحمس. كان عمرها 12 ربيعاً عندما توفي والدها، لتصبح ملكةً بعد تزوجها أخيها غير الشقيق تحتمس الثاني الذي ولد من أمٍ أخرى وخلف أباه على العرش حوالي سنة 1492 ق.م. ولد لهما بنت واحدة سُميت (نفرو رع). توفي تحتمس الثاني شاباً حوالي عام 1479 ق.م ليذهب العرش إلى ابنه الطفل تحتمس الثالث والذي ولد له من زوجةٍ ثانية. ووفقاً للتقاليد، تولت حتشبسوت الوصاية على الفرعون الصغير متحملةً أعباء الحكم إلى حين بلوغه.
بعد أقل من سبع سنين، أعلنت حتشبسوت عن خطوةٍ غير مسبوقةٍ في تاريخ العوائل الفرعونية وذلك بتحملها صفة وأعمال الفرعون كاملةً لتصبح بذلك الحاكمة الفعلية لمصر مع تحتمس الثالث. وعلى الرغم من اعتقاد علماء المصريات القدامى أنها فعلت هذا من أجل طموحها الشخصي فقط، يقترح بعض الباحثين الحاليين أن سبب إقدامها على هذه الخطوة هو لمواجهة الأزمات السياسية، كتهديد فرعٍ آخرٍ من العائلة المالكة بالاستيلاء على الحكم، وبفعلها هذا تحمي عرش ابن زوجها.
أثار توليها للسلطة جدلاً سياسياً كبيراً، الأمر الذي جعلها تدافع بشراسةٍ عن أحقيتها بالحكم، فأكدت على دمها الملكي وادعت أن والدها أشار إليها بخلافته. عملت على إعادة خلق صورها وتماثيلها ورسومها، فأمرت بأن تُرسم على أنها ذكرٌ بلحيةٍ وعضلاتٍ كبيرة. بالإضافة لوجود صورٍ أخرى لها بالزي التقليدي للإناث.
أحاطت حتشبسوت نفسها بالمؤيدين وحرصت على تنصيبهم بالأماكن الحساسة في الحكومة وخاصةً "سننموت" الذي كان رئيس وزرائها. يرى البعض أن سننموت كان عشيق حتشبسوت لكن الأدلة الموجودة لدعم هذا الإدعاء قليلة جداً.
كفرعونة تبنت حتشبسوت مشاريع بناء طموحة خصوصاً في المنطقة المحيطة بطيبة. وكان أهم إنجازٍ لها المعبد الرائع في دير البحري، والذي يعتبر واحداً من عجائب الهندسة المعمارية في مصر القديمة. وكان إنجازها العظيم الآخر بعثة التجارة التي عادت بعظم العاج والأبنوس والذهب وجلود النمر والبخور إلى مصر من الأرض بعيدة المعروفة باسم بونت (ربما إريتريا حالياً).
الشكل (1): معبد حتشبسوت دير البحري
توفيت حتشبسوت حوالي عام 1458 ق.م عندما كانت في الأربعينات من عمرها، ودفنت في وادي الملوك الواقع في التلال خلف دير البحري. وفي محاولةٍ أخيرةٍ لشرعنة حكمها أعادت دفن تابوت أبيها في المعبد الذي دفنت فيه ليرقدوا سوياً خلال موتهم. حكم بعدها تحتمس الثالث ثلاثين عاماً أثبت خلالها تشابهه مع زوجة والده كباني طموح وقائد عظيم. عمل تحتمس في وقتٍ لاحقٍ من حكمه على محي كل ما يدل على حكم حتشبسوت، حتى أنه أزال صورها من المعابد التي بُنيت على يدها. وقد يكون سبب ذلك رغبته لطمس ذكرها كمثالٍ للمرأة الحاكمة القوية أو لغلق ما قد يعتبره فجوةً في سلالة الحكم الذكرية. وعلى أثر ذلك كان علماء المصريات لا يعرفون إلا القليل عن هذه الفرعونة، وذلك حتى عام 1822م عندما تمكنوا من قراءة الكلمات الهيروغليفية في معبد دير البحري.
الشكل (2): صورة حتشبسوت وقد تمت إزالتها عن عمد
وفي عام 1903م اكتشف عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر تابوت حتشبسوت (وهو أحد التوابيت الثلاث التي أعدتها) ولكنه كان فارغاً (شأنه شأن جميع توابيت وادي الملوك). وبعد إطلاق عمليات بحث جديدة وجد العلماء مومياء الفرعونة في عام 2007م، وهي موجودة الآن في المتحف المصري في القاهرة.
لقد كانت حتشبسوت المرأة الأولى التي مارست سلطة الفرعون بشكلٍ كاملٍ، أتت كليوبترا بعدها وكان لها نفس النفوذ ولكن بعد 14 قرن!
المصدر: