الفيزياء والفلك > النظريات الأساسية في الفيزياء
الحلقة الثانية: النظرية الكهرومغناطيسية
كان كل من مفهومي الكهرباء والمغناطيسية منفصلين عن بعضهما بالنسبة للجميع قبل القرن التاسع عشر. فقد تعرف الانسان قديما على هذه الظواهر التي نراها نحن يوميا. فلوحظ قديما أنه عند فرك قطعة من الكهرمان بالقماش أو الصوف تصبح قادرة على جذب بعض الأجسام الخفيفة كما نقوم أحيانا بفرك الأقلام البلاستيكية بشعرنا فتصبح قادرة على جذب قطع الورق الصغيرة. واستمرت هذه الملاحظات لارتباطها بعدة ظواهر لم يفهمها الانسان مثل كهربائية الجو والصواعق. وتم التمييز بين وجود نوعين من الشحنات :موجبة وسالبة ، وأن الشحنات المتشابهة تتنافر والمتعاكسة تتجاذب.ولكن بعد أن ظهر مفهوم القوة وأن الأجسام تتحرك بمفعول قوى تخضع لها بدأت الدراسة للبحث عن القانون المعبر عن القوة المتبادلة بين جسمين مشحونين على نمط قانون الجاذبية الذي وضعه نيوتن والذي رأيناه في مقالنا السابق. وبعد عدة تجارب نشر كولومب عام 1785 قانونا يبين أن القوة المتبادلة بين جسمين مشحونين تزداد بزيادة قيمة شحنة أي منهما و تتناقص مع مربع المسافة بينهما أي عندما تزداد المسافة مرتين تتناقص القوة 2×2=4 مرات، وعندما تزداد المسافة 3 مرات تتناقص القوة 3×3= 9 مرات. وينتشر تأثير الشحنة في الوسط حولها مولدة ما ندعوه حقلا كهربائيا. فعند وجود حقل كهربائي تتحرك الشحنات الكهربائية، فالحقول الكهربائية في الأسلاك هي التي تحرك الشحنات مشكلة ما ندعوه تيارا كهربائيا.
اما القوة المغناطيسية فقد تم ملاحظتها قديما بسبب اكتشاف الانسان لبعض الصخور الموجودة في الطبيعة والقادرة على جذب الحديد. ندعو الأجسام التي تمتلك هذه الخاصة بالمغناطيس. للمغناطيس قطبين: شمالي وجنوبي. كما تمتلك الأرض قطبين مغناطيسيين شمالي وجنوبي يميلان قليلا عن القطبين الجغرافيين.فعند وضع مغناطيس خفيف على قطعة فلين ووضعها بالماء وتركه لبعض الوقت سيتجه قطبه الشمالي نحو قطب الأرض الجنوبي و يتجه قطبه الجنوبي نحو قطب الأرض الشمالي. وينتشر تأثير المغناطيس في الوسط المحيط مولدا حقلا مغناطيسيا.
وقد لاحظ أورستيد وأمبير أن التيارات الكهربائية تملك أثرا مغناطيسيا فهي تسبب انحراف ابرة البوصلة (جرب ذلك بنفسك) ووضع أمبير عام 1826 قانونا يربط بين شدة التيار الكهربائي وشكل الدارة الكهربائية بالحقل المغناطيسي الناتج عنها ندعوه قانون أمبير . وكما تتجاذب اقطاب المغنطيس المختلفة وتتنافر الأقطاب المتشابهة فإن التيارات الكهربائية تتجاذب وتتنافر فيما بينها لأنها تولد حقولا مغناطيسية تنتج نفس التأثيرات. وبما ان التيارات الكهربائية هي شحنات كهربائية متحركة فإن هذا يدل على ارتباط الكهرباء بالمغناطيسية. تعمق هذا الارتباط أكثر بعد تجارب فاراداي والتي من اشهرها انه لاحظ تشكل تيار كهربائي عندما نحرك مغناطيسا داخل حلقة نحاسية او ملف نحاسي او وشيعة وتسمى هذه الظاهرة " التحريض الكهرطيسي". فإذاً تستطيع الحقول المغناطيسية المتحركة (المتغيرة ) ان تولد تيارات كهربائية وبالتالي حقولا كهربائية،وهو ما يعرف بقانون فاراداي. فهذا الترابط مابين الكهرباء والمغناطيسية دفع العالم ماكسويل لأن يدخل تعديلات تسمح بوصف الظواهر الكهربائية والمغناطيسية في أربع معادلات متناسقة : الأولى تصف قانون كولومب في أحد أشكاله، والثانية تتحدث عن فكرة عدم وجود شحنات مغناطيسية منفصلة فكما رأينا يمكننا أن نجد شحنات كهربائية موجبة فقط أو شحنات كهربائية سالبة فقط ،بينما لا يمكننا أن نجد مغناطيسا شماليا فقط او جنوبيا فقط، المعادلة الثالثة تصف قانون فارداي في التحريض الكهرطيسي، أما الرابعة فتصف قانون أمبير بصيغة أفضل. تدعى هذه المعادلات بمعادلات ماكسويل والتي نشرها بين عامي 1861- 1862 وتعتبر أساسا للنظرية الكهرطيسية الكلاسيكية.
من اهم نتائج هذه المعادلات انه يمكن تعديلها لكي تصف الحقول الكهربائية والمغناطيسية بأنها تنتشر كالأمواج وبسرعة تساوي سرعة الضوء مما جعلنا نستنتج أن الضوء هو موجة كهرطيسية.وكانت قيمة السرعة المحسوبة من المعادلات تتفق مع قيمة السرعة المستنتجة من التجربة مما عزز نجاح النظرية.و بما أن الأمواج تختلف عن بعضها بعدد اهتزازاتها في الثانية أو ما يعرف بالتردد لذلك يوجد أنواع أخرى للأمواج الكهرطيسية كالأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية والأشعة السينية المستخدمة في التصوير الشعاعي.
كل هذا كان يدل أن الأمور على خير ما يرام وأن الفيزياء في نهاية القرن التاسع عشر قد اقتربت كثيرا من وصف الطبيعة بشكل كامل. ولكن بعض المشاكل التي بدأت تلوح في الأفق كانت مقدمة لإعصار سيقلب مفاهيم الفيزياء التقليدية كليا.
مراجع للاستزادة:
- سلسلة محاضرات فاينمان في الفيزياء- الجزء الثاني
- David J.Griffiths,Introduction to Electrodynamics