الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة
نباتات
تعتبر الفطريات مملكة مميزة من بين مملكات الأحياء، إذ تتضمن 77 ألف نوع معروف، ويعتقد العلماء المهتمون بدراسة التنوع الفطري بأن أعدادها قد تصل إلى 1.2 مليون نوع موجود ولكن غير مصنف. توجد الفطريات بشكل رئيسي على شكل خيوط دقيقةٍ –غير مرئية بالعين المجردة– تسمى بالهيفات. أما الهيفا فهي خيط دقيق مكون من سلسلة طويلة من الخلايا المرتبطة كل نهاية خلية ببداية الأخرى. تـَـجـَـمـّـُعُ هذه الخيوط وارتباطها ببعضها يعطي ما يسمى بـ "الميسيلوم" والذي ينمو ويتغلل في التربة منتجاً علاقة مميزة بين الفطريات والبيئة الحاضنة لها.
تنمو شبكة الخيوط متخللة الأمتار الأولى من الطبقة السطحية ومحيطة بالنباتات المتواجدة، ما يوفر جسراً يربط كافة أشكال الحياة النباتية المتواجدة ببعضها. تعرف الفطريات التي تتعايش مع النباتات بالميكورايزا وهي تعود بالفائدة على كل الأطراف المشتركة، حيث تقوم النباتات بتوفير الكربوهيدرات للفطريات في حين تقدم الفطريات المياه والمغذيات كالنيتروجين والفوسفور إلى الشريك النباتي.
تقوم هذه الشبكة الفطرية بتعزيز الأجهزة المناعية إن جاز التعبير للنباتات المضيفة، وذلك من خلال تنشيط إنتاج موادَ كيميائية تجعل الأجهزة المناعية للنباتات تستجيب بشكل أسرع وأكثر فعالية، وقد أوضح الباحثون أن بعض الأشجار مثل شجر التنوب والقضبان قادرة على نقل الكربون إلى الأشجار الفتية، غير القادرة على الحصول على قدر كافي من أشعة الشمس. ويـُـعتقد بأن العديد من البذور والنباتات الصغيرة في العالم لم تكن لتحيا لولا ما تؤمنه هذه الشبكة.
وجدت دراسة أجريت جنوب الصين أن هذا النوع من التواصل ما بين الشبكة الفطرية والنباتات يسمح للنباتات بتنبيه بعضها البعض تجاه أي أذّية محتملة. حيث قام الفريق البحثي بزراعة نباتات الطماطم على شكل أزواج في أوعية وسمح لبعضها بتشكيل الميكورايزا، بعد تشكل الشبكة الفطرية، رُشــّـت أوراق إحدى النباتات بعنصر حيوي ضار والذي يسبب مرض اللفحة المبكرة (Early blight)، ثم غطيت النباتات باستخدام أكياس بلاستيكية للحيلولة دون انتقال الإشارات الكيميائية بين النباتات عبر الهواء. بعد 65 ساعة، قام الباحث بإصابة نباتات أخرى بنفس العامل الممرض، وقد وجد أن مستوى الإصابة كان أقل. ما توصل إليه البحث يفيد بأن النباتات المصابة قامت بتحرير إشارات كيمائية إلى الشبكة الفطرية والتي قامت بتنبيه النبتة المجاورة تجاه العامل الممرض.
في بحث متصل تبيــّـن أن نباتات الفول تستخدم الشبكة الفطرية أيضاً لالتقاط التهديدات الوشيكة لحشرات المن. حيث نشـّـطت النباتات التي لمـّـا تتعرض بعد لهجوم المن وتتصل مع أخرى معرضة من إنتاج مواد كيمائية مضادة للمن بعكس تلك التي لم تكن على اتصال بهذه الشبكة.
لكن مهلاً ... كما وأنّ لشبكة الإنترنت البشرية جانباً مظلماً فكذلك للشبكة الفطرية-بين النباتية سلبيات؛ حيث يمكن أن تستغل بعض الأفراد هذه الشبكة لأذية آخرين متصلين بها في البيئة المحيطة. تلجأ بعض النباتات لاستخدام الشبكة الفطرية بهدف سرقة المغذيات من نباتات اخرى وذلك لعدم امتلاكها الكلوروفيل اللازم لتصنع حاجتها بنفسها ومنها الأوركيدا الشبح (Phantom Orchid)، تأخذ هذه النباتات ما تحتاجه من الكربون من الأشجار المجاورة مستخدمةً الشبكة الفطرية المرتبطة بها، كما تقوم بعض النباتات كأشجار الجوز وعبر نفس الشبكة بكبح نمو النباتات المحيطة بها كالبطاطا، الخيار والقطن من خلال تحرير ممادة كيميائية تسمى (جوغالون jugalone) من أوراقها وجذورها. هذا ما أكدته الباحثة ميشيلا أخاتس خريجة جامعة برلين الألمانية مع فريقها عندما قامت بتوزيع مجموعة من الجيوب في الأرض حول شجرة جوز بعضها سمحت للشبكة الفطرية باختراقها بينما كان البعض الآخر كتيماً، حيث وجدت الباحثة أن الجيوب التي اخترقتها الشبكة الفطرية نقلت العامل الكيميائي إليها مسبباً انخفاض في وزن جذور الطماطم إلى الثلث على عكس جذور الطماطم المزروعة في الجيوب الكتيمة والتي كانت مقاربة للوزن الطبيعي. أصبح الكثير من البيولوجيين يستخدمون مصطلح "الشبكة الطبيعية الواسعة" ليصفوا خدمة الاتصال التي توفرها الفطريات للنباتات والأحياء، حيث تجعل هذه الشبكة التواصل أسرع وأكثر فعالية. لم نكن نعير اهتماماً في أغلب الأوقات لما يحصل تحت الأرض لذلك فقد أُهمل هذا النوع من التواصل طويلاً، ولعل الدرس البيئي الذي تــُـعـَـلّـِـمنا إياه الفطريات ههنا لخير دليل على مدى اتصال الأحياء والكائنات في عالم لا نزال نجهل عنه الكثير.
المصادر:
لا تفوت مشاهدة هذا الفيديو هنا