المعلوماتية > عام
الجلد البشري كواجهة تفاعلية مستقبلية
سواءً كنتَ في مدينةٍ غريبة عنك أو مسافراً لمكان بعيد، سيسمح لك جِلدكَ بالتفاعل والحصول على تعليماتِ تحديدِ الموقع بسلاسةٍ أكبر، سيكون في مقدورك إظهارُ خريطةِ الموقع على راحةِ يدكَ دون الحاجة لإخراجِ هاتفك المحمول أو استعمالِ ساعتك الذكيّة ذاتِ الأبعادِ الصغيرة جداً. كما أنّه يمكنك الاعتماد على جِلدك للتحكمِ في عمل هاتفك، كالرّدِّ على المكالمات الهاتفيّة أو التّحكّمِ في مشغّلِ الموسيقى الخاصِّ بك وفق حركاتٍ بسيطةٍ كلمسِ طرفِ السّبابة بإبهامك، كلُّ هذا وأنت تقوم بأعمالك المعتادة.
إضافةً إلى ذلك، ونظراً لتعدّد معاني اللمس عندَنا نحنُ البشر، يُمكن أن تتعدّى تطبيقاتُه المجالَ المرئيَّ-المسموعَ إلى المراسلة، فمثلاً يُمكنك أن تُرسل رسالةً إلى من تحبّ بحركةٍ حنونةٍ كالتربيتِ بلطفٍ على اليد أو مسكِها بطريقةٍ مُطَمئنة.
ليُصبح هذا المشروعُ حقيقةً، لابدّ لنا من حلِّ ثلاثِ مُشكلاتٍ وهي:
• أولاً: قابليّةُ هذه الطريقة للاستخدام وفائدتُها، حيث يختلف الجلد بطبيعة الحال عن الشاشات اللمسية، ليس مظهرياً فحسب بل أيضاً من ناحية الوظيفة الأساسية وطرق التفاعلات الممكنة. وهل ستكون هذه الطريقة مقبولةً اجتماعياً؟ حيث يجب عدم إهمالِ التّبعاتِ أو الآثار الإجتماعية لعمليّات اللمس.
• ثانياً: ما هي أفضلُ طريقةٍ لتحسُّسِ المُدْخَلات وتقديمِ المُخرَجات من خلال الجلد؟ هذه الخصائصُ التي تجعلُ من الجِلد البشريِّ عُضواً مُميزاً؛ تُشكّلُ في نفس الوقت تحدياً لمهندسي الواجهات التفاعلية، فبعكس الشاشات اللمسية، فإنّ الجلدَ عضوٌ ذو سطحٍ منحنٍ رقيقٍ وقابلٍ للتمدد، وتتطلبُ هذه الخصائص حلولاً تقنيةً جديدةً لاستشعار البيانات.
• ثالثاً وأخيراً: تُطرح العديدُ من التساؤلاتِ خارجَ مجالِ علوم الحاسب، وهي كيف يُمكننا دمجُ وحداتٍ حَوسبيّة بالجسم البشري بطريقةٍ آمنةٍ دون تعريضِه للخطر؟ كيف يمكننا التأكّدُ أنه لا يتعارضُ مع المعايير الأخلاقية؟ وإلى أي مدىً يُمكننا الاستمرار في دمج الإنسان مع الآلة؟ كيف يمكننا حمايةُ البياناتِ الشخصيةِ للجسم من سوء الاستعمال بما فيها بياناتُ الحسّاسات الحيوية؟ تتطلّبُ جميعُ هذه التساؤلات إجراءَ محادثاتٍ شاملةٍ بين مُختلفِ المجالات المعنيّة، وتطويرَ مجموعةٍ من المعاييرِ والطُّرقِ لهندسة الحواسيب المُدمجة مع الجسم البشري.
بدأ فريقٌ من الباحثين في مجال تفاعل الإنسان والآلة والذي يضمُّ مختصين من مجالاتٍ مختلفة؛ بتقديمِ إجاباتٍ مبدئيةٍ عن هذه التساؤلات.
تتضمنُ أحدُ هذه الحلول تركيبَ واجهاتٍ تفاعليّةٍ ملامسةٍ للبشرة على اليدين أو الأصابع أو الرسغ أو المرفق. هذه المناطقُ هي الأكثرُ ملائمةً بسبب سهولةِ الوصول إليها، كما أنَّ لمسها مقبولٌ اجتماعياً. هناكَ أيضاً مناطقُ مقبولةٌ اجتماعياً ولكنْ بدرجةٍ أقلّ كالوجه والبطن وطرف الأذن (للتحكم بالصوت مثلاً). تضمنّتْ معظمُ الأعمالِ البحثَ في أشكالٍ بسيطةٍ للمُدخلاتِ مستمدّةٍ من الحركاتِ التفاعلية على الشاشات اللمسية التقليدية، فمثلاً يستطيع المستخدمُ إدخالَ حرفٍ أو رمزٍ، أو اختيارَ خيارٍ بالنقر على زرٍّ أو قائمةٍ تكونُ مُسقَطةً على الجلد. فيما لا تزال طريقةُ تصميمِ واجهاتٍ تأخذُ بعين الاعتبار الخصائصَ الشكليةَ للبشرةِ غيرَ واضحة، وأيُّ الأنواع من الحركات هي الأنسب.
لتحديد أيِّ نوعٍ من الحركات يُفضّلُ المستخدمُ في هذا النوع من الواجهات التفاعلية، قام فريقٌ بحثيٌّ برئاسة البروفيسور "آنتي أولاسفيرتا" (Antti Oulasvirta) من جامعة "آلتو" (Aalto) في فنلندا، بإجراء دراسةٍ اختباريةٍ على متطوعِينَ طُلِبَ منهمُ التفاعلُ مع جِلدهم دون تركيبِ أيِّ جهازٍ وافتراضِ أنّ جلدَهم يتحسس البيانات التي يُدخلونها بطريقةٍ هم يبتكرونها. أُعطي كلُّ شخصٍ مجموعةً من الأوامر التي نقوم بها عادةً بهواتفنا الذكية التقليدية، وطُلبَ منهم ابتكارُ حركاتٍ بديهيةٍ وسريعةٍ لتنفيذ كلِّ أمر.
كشفت الدراسةُ عن شيئين، أولاً أن المُدخلات عبر الجلد تتشابه إلى حدٍّ كبيرٍ مع الكثير من الحركات المُستعملة على الهواتف الذكية؛ استطاع المتطوعون نقلَ أكثرِ حركات الشاشات اللمسية المعروفة إلى الجلد، كالتقريب والتبعيد أو الحركة لليمين واليسار. وثانياً، أنّ الخصائص المميزة للجلد تسمحُ بتطبيقِ حركاتٍ غنيّةٍ أكثر ومعبرةٍ أكثرَ من الحركات المُعتادة على الشاشات اللمسية، كثني الجلد أو ليِّهِ أو الضغطِ عليه (كما هو موضّحٌ في الصورة أدناه)، فمثلاً للتعبير عن التعاطف، اختار المتطوعون لمس الجلد بلطفٍ محاكاةً للواقع، وللتعبير عن الغضب اختاروا ضربَ راحة اليد بقوة، كما فضّل المتطوعون استعمالَ حركاتٍ مؤلمةٍ نسبياً للتعبير عن بعضِ الأوامرِ الحساسة للتأكد من أنهم واعون بالقيام بها.
التفاعل عبر الجلد يسمح بمجالٍ أكبرَ للتعبير عن المُدخلات والذي يتعدّى مجال الشاشات اللمسية.
بعضُ المعالمِ في الجسم كالعظام والتجاعيد والمفاصل مهمةٌ أيضاً في بعض الحالات الحرجة التي تستدعي عدمَ النظر إلى الجلد، وهذا ما يجعلُه مثالياً ليكون الواجهةَ التفاعلية الأكثر سرعةً وسلاسة.
كيف يُمكن جعلُ الجلد تفاعلياً باستعمال التكنولوجبا؟
أولى الحلول التي ظهرت كانت باستخدام كاميراتٍ لونيّة (RGB Cameras) تُركَّب على الكتف أو الصدر أو المعصم لتحسُّسِ أيِّ مُدخلٍ، ثم يُسقَط مُخرجٌ ضوئيٌّ عالي الدقة على الجلد بجهاز إسقاطٍ (كما في الصورة الموالية).
تكنولوجيا تحكُّم تُركَّب على الجلد، على اليسار 'Armura' وعلى اليمين 'Sixth Sense'. تستعملُ كلاهما كاميرا وجهازَ إسقاطٍ لإضافة الخاصية التفاعلية للجلد.
تكمُنُ إيجابية هذه التكنولوجيا في أنّها لا تُغيّر من بنية الجلد، ما يجعلُه واجهةَ تحكمٍ طبيعية، غير أن الإمكانياتِ المحدودة للكاميرات تجعلُ منها أنظمةً غير دقيقةٍ دون أن ننسى ضرورة غياب الإنارة الضوئية لإظهار الإسقاطات.
هناك تكنولوجياتٌ أُخرى لتحسّسِ البيانات اللمسية كتكنولوجيا الحساسات الصوتية والمغناطيسية وما تحت الحمراء والسعويّة، غير أنّها كلَّها لا تستطيع التقاطَ نُقَطِ التلامسِ مع الجلد بدقّة، والذي يُعدّ عاملاً مهماً للتواصل. إلا أن تكنولوجيا الإلكترونيات البشروية (Epidermal electronics) تسلكُ نمطاً آخر، وهو تطويرُ سطوح استشعارٍ رقيقة (بسماكة أقل من 0.1 ملم) قابلةٍ للتمدد وتحتوي على إلكترونيات مُضمنة دقيقة (embedded electronics) وتكون مشابهةً لخصائص الجلد البشري، تُطبّق على الجلد في شكل وشم. تمنح هذه التكنولوجيا دقةَ استشعارٍ أكبر، ومع ذلك لا يزال هناك المزيدُ من التحديات، مثل كيفيةِ جعل التكونولوجيا متلائمةً مع الخصائص الفيزيولوجية للجلد، كالتعرق ودرجة الحرارة. لحسن الحظ هناك بعضُ الأساليب الواعدة المعتمدة على تكنولوجيا الإلكترونيات البشروية أو الرادارية أو الإلكتروميوغرافية (electromyographic) تلوحُ في الأفق.
تكنولوجيا iSkin:
لإضفاء طابعٍ شخصيٍّ على الحساسات التفاعلية المركّبة على الجلد، طور البروفيسور 'أولاسفيرتا' وفريقُه مستشعرَ iSkin (في الصورة أسفل) وهي سطحٌ حساسٌ مصنوعٌ من السيليكون (Silicone، دون الخلط مع عنصر السيليكون (silicon) الكيميائي Si) قابلٌ للتمدد ومتلائمٌ مع الجلد البشري وقابلٌ للتخصيص مظهرياً.
مستشعر iSkin
تتطور حواسيبُ الوقت الراهن لتندمجَ مع الجسم البشري شيئاً فشيئاً، وتكنولوجيا الجلد التفاعلي خيرُ دليلٍ على ذلك، إلا أنه مع وجودِ بعضِ التحدياتِ التكنولوجية والطبية والأخلاقية، لابدّ من توجيه الجهود للوصول إلى نقاط تفاهمٍ لحلِّ هذه المعضلات، لأن حساسيةَ الجلد العالية وخصائصَه التفاعلية المذهلة لابد لها أن تُستَغلَّ في مجال الحوسبة.
--------------------------------------------------------------
المصدر: