المعلوماتية > الذكاء الصنعي
الذّكاء الصُّنعيّ في حياتنا اليوميّة
لقد تسلل الذّكاءُ الصُّنعيّ إلى الحياة اليوميّة على الرّغم من عدم إدراكِنا لذلك، فهو موجودٌ في جميع تطبيقات حياتنا، في العملِ وفي المنزلِ وفي الطّريقِ وغيرِها، وماتزال عجلةُ التّطورِ تسيرُ في هذا المجال إلى الأمام، وفي مقالنا التّالي سوف نتعرّفُ على بعض التّطبيقات التي تعتمدُ على الذّكاء الصُّنعيّ.
1- في مجال الصّحافة:
على الرّغم من عدم اهتمام الصّحفيين بهذا الموضوع، إلّا أنَّ برامجَ الذّكاءِ الصُّنعيّ أصبحت ذكيةً بِما يكفي لجمعِ بعض المعلومات وتحويلِها إلى مقالات، مع أنَّ التّحريّاتِ والتّحقيقَ في الأمورِ طويلةِ الأمدِ تُتْرَكُ للصّحفيين، إلّا أنَّ بعض المواقع مثل ياهو وفوكس نيوز وغيرها أصبحت تستخدمُ برامج الذّكاء الصُّنعيّ كي تقومَ بتعبئةِ الفراغات بقََصَصٍ بسيطةٍ ، كالمُلخّصاتِ الماليّةِ والنّتائجِ الرّياضيّةِ وغيرِها.
قامت شركةُ البرمجيّات Automated Insights في العام الماضي بإطلاق روبوت أو Bot باِسم Wordsmith مَهَمَّتُه كتابة الأخبار،عن طريق ملء الفراغات في المقالات أو صفحات الإنترنت ببضعِ كلماتٍ بسيطةٍ ومعلومات كبياناتٍ عن سوقِ الأسهم أو نتائج مباراة بيسبول مثلاً، كما أنّه قد اختبرت مجلة Wired نظام عمل Wordsmith عن طريق استخدامِه في نَعْي مارفين مينسكي Marvin Minsky (هنا) أحد أعضاء IEEE ومؤسسي الذّكاء الصُّنعيّ ، والّذي توفي في كانون الثّاني. قام البرنامج بإعطاء قُرابةَ مئةٍ وخمسين كلمة والّتي تُمثّلُ وقائعَ عنهُ كاِسمهِ وعُمرِهِ و سببِ وفاتِه وأفرادِ عائلته وغيرِها منَ المعلوماتِ البسيطةِ والّتي تُعتَبَرُ مفيدةً فيما إذا أرادَ الموقعُ الإعلاميُّ أنْ يكونَ أوّلَ من يعرِضُ الخبر.
كما وتمَّ تصميم برنامجٍ ذكيٍّ لكتابةِ العناوين الرّئيسيّة والمُصمَمَةَ خصيصاً من أجل جذب أكبرِ قدرٍ من القرّاء لمقالٍ ما ، البرنامج يستخدم الشبكات العصبيّة المتكررة (RNNs)، والّتي تقومُ بإيجاد روابطَ بناءً على المُعطيات الّتي تتلقاها، فبعد تحميلِ الملايين من المقالات من مواقعَ مثلَ BuzzFeed، Gawker ،The Huffington Post ودراستِها، استطاعت البرمجيّة تأليفَ عددٍ كبيرٍمن العناوينِ الصّحيحةِ قواعدياً مثلَ : " كيف تجعل أطفالك يشاهدون النّور " و " يعتقد هذا الفتى أنَّ قطّهُ ظلّ مخموراً لخمسِ سنوات "
تقول مُصممة البرنامج لارس إيدنيس Lars Eidnes في إحدى مقالاتِها" نستطيعُ أنْ نُقدّم لـ (RNNs) مجموعةً من الكلمات والجُمل ويمكنه بعدَها التّنبؤ بالكلمة القادمة وذلك بحسب الكلمات المُقدَمَةِ له مُسبقاً، فإذا قمنا بإعطائه الجملةَ التّالية: " أيّ شخصيّات ديزني " و نريد منه أن يتنبّأ بالكلمة القادمة فمن الممكن أن يعطي بعضاً من هذه العبارات " تُشبهك ، تقول هذه ، أفضل …. " وغيرها من العبارات المُخَزّنة لديه مُسبقاً ".
قامت لارس بإنشاء موقع ClickoTron (هنا ) والّذي يقوم بإعطاء عناوينَ للمقالات القصيرة وجميعُها تعتمدُ على تقنيّة RNN .
2- السّيّارات:
قد نجد السّيّارات ذاتيّة القيادة في السّنوات القادمة على منصّات العروض،حيثُ أنَّ العديد من الشّركات المصنِّعة للسّيّارات بدأت باستخدام بعضٍ مِنَ التّقنيّاتِ الحديثةِ المُعتَمِدةِ على الذّكاء الصُّنعيّ في سيّاراتها المُنْتَجَةِ حديثاً.
فقد قدمت شركةُ بي إم دابليو (BMW) سيّارة 750i xDrive والّتي تُعدُّ السّيّارة الأولى المزودَة بخاصيّة الرَّكْنِ بمفردِها دون وجودِ أحدٍ خلفِ المِقْوَد، حيثُ تقوم السّيّارة بحساب المساحةِ الموجودة والرَّكنِ حتى في الأماكن الضّيّقةِ ببساطةٍ، وذلك فقط من خلال كبسة زرٍعَبْرَ جهازِالتّحكم.
يمكنك مشاهدة هذه الميزة في الفيديو التّالي ( هنا)
سيّارات 2015 مثل Infiniti Q50S وَ Mercedes-Benz S65 AMG تمتلك نظامَ حسّاساتٍ تقوم بضبطِ الفرامِل في حالِ الاقترابِ من سيّارةٍ أخرى أو من شيءٍ ما في الطّريق أو من ممرِّ المُشاة، مثلَ هذه السّيّاراتِ تمتلكُ أيضاً خاصيّة المُساعِدة في ضبطِ مسارِ السّيّارة عند الانحراف.
وفي كانون الثّاني من عام 2016 ، قامت شركة تيوتا بتعيين أحد أعضاءِ IEEE والخبير في مجال الروبوتيكس غيل برات Gill Pratt كمديرٍتنفيذيٍّ في معهد الأبحاث الخاص بها، فهي تخططُ لإنفاق 50 مليون دولار على دعم أبحاث الذّكاء الصُّنعيّ في جامعة MIT للتّكنولوجيا، وتعمل الشّركة على ابتكار كاميرا تستطيع قراءة الإشاراتِ في الطّرقات وتحديد لون إشارة المرور وبذلك تساعدُ السّيّاراتِ في إعطاءِ أوامرِالتّحكم بأمان.
3- الألعاب:
تستخدم العديد من الألعاب الذّكاء الصُّنعيّ ، مثلَ لُعبة Call of Duty الشّهيرة والّتي تعتمد على الذّكاء الصُّنعيّ في الكشفِ عن خلفيّة شخصيّات اللّعبة، وتحليل بعض المُجريَات، واتّخاذِ قرارتٍ معيّنة والّتي مِنَ الممكنِ أنْ تُغيّرَ مسارَ اللُّعبة وتتسبب في موت بعض الشّخصيّات فضلاً عن أخرى وذلك كلّه يعود إلى طريقة اختيار اللّاعب وتفاعله مع مُجريات اللُّعبة ، فتقوم الشّخصيّات باتّخاذ قرارٍ ما، وتحليلِ الأصوات والتّواصلِ مع الشّخصيّات الأخرى في اللُّعبة لتزيدَ احتمالَ انتصارِها وتغيير نهاية اللُّعبة لِصالحِها.
في الحقيقةِ إنَّ الذّكاء الصُّنعيّ استُخْدِمَ في ألعاب الفيديو منذ حوالي السّتينَ سنة، فقد صُمِّم حاسوب نيمرود Nimrod من قِبَلِ المهندس ريموند ستيوارت ويلايم Raymond Stuart-Williams في عام 1951 من أجل عرضه في مهرجان بريطانيا، واستطاع الحضور أن يلعبوا لُعبةٍ رياضيّة ضدَّ هذا الحاسب، حيث يقوم اللّاعب فيها بالضّغط على بِضعِ أزرارٍ في لوحة التّحكم، وكلُّ واحدٍ من هذه الأزرار مُتّصلٌ مع ضوءٍ على الآلة ، يقوم الحاسوب بعمل بعض الحسابات من أجل تنفيذ الخُطوات التّالية وذلك بناءً على تصرفات اللّاعب.
في عام 1978 قام مصممو لُعبة Space Invaders بإدخال الذّكاء الصُّنعيّ وتغيير مُجريات اللُّعبة تِبْعاً لحركات اللّاعب، كما لاننسى لُعبة The Sims الشّهيرة والّتي حصلت على نسبة مبيعات عالية في العالم، فقد تمّ في عام 2000 استخدامُ الذّكاء الصُّنعيّ في حركاتِ الشّخصيّات، حيث يستطيعُ اللّاعبُ تصميمَ الشّخصيّاتِ ومنْحَها مهناً معيّنةً، كما يستطيعُ بناءَ المنازلِ، وغيرِها من الخاصيّات ولكن مع ذلك تتمتع الشّخصيّات بالإرادة الحرّة في بعض الحالات مثل نشوب حريقٍ أوعِند الالتقاءِ بأحدهم وغير ذلك من التّصرفات الحرّة.
4- التّسلية:
هل تشعر بالضّجر من الموسيقا الّتي تستمع إليها؟ أو لا تعرف أيّ برنامجٍ تلفزيونيٍّ تشاهد؟ من الممكن أن يساعدك الذّكاء الصُّنعيّ في هذا، فالعديد من مزوديّ خدمات التّسلية مثل Netflix،Pandora، Spotify وغيرها اليوم تعتمد تقنيّة اقتراحِ الأفلام والموسيقا بِناءً على الاختيارات السّابقة للمُستخدمين، عَبْر استخدامِ خوارزميّاتِ التّعليم العميق، تستطيع هذه البرامج تقديمَ هذه الخدمات والاقتراحات إلى متابعيها .
ولتحديد هذه المُقتَرحات يقوم المبرمجون يدوياً بإرفاق علامةٍ لكلٍ من الأغاني والأفلام والمسلسلات، فتكون بذلك متمتّعةً بمجموعة من المواصفات ، مثلاً في برنامج الأغاني Pandora فإنَّ الأغنيةَ تتمتّعُ بصفاتٍ مثل نوعيّة الموسيقا، هل هي تعتمد على إيقاعٍ معيّن؟ هل تستخدم موسيقا الجازأو الروك أند رول؟ هل هي أغنيةٌ ذات موسيقا صاخبة أومن النوع الهادئ؟ من هو المغني وما نوع الأغاني التي يقوم بأدائها؟ ففي حال سماعك لأغنيةٍ معينة سيقوم البرنامج باقتراح أغنيةٍ أخرى تحتوي على نفس الإيقاع ونفس نوعيّة الموسيقا.
حاليّاً لم تعد الحواسيب تهتم فقط باختيار الأغنية ولكن بتأليفها أيضاً، حيث يقوم باحثون في شركة سوني للحاسوب في باريس بالعمل على خوارزميّةٍ ذكيّةٍ تساعد في تشكيل سمفونيّاتٍ من أنواعٍ جديدةٍ من الموسيقا.
فمثلاً من الممكن إنشاء سمفونيّات شبيهةٍ بسمفونيّات الملحّن يوهان سباستيان باخ، كما يمكن للذّكاء الصُّنعيّ تشكيلَ مزيجٍ من الألحانِ مثلَ إنتاجِ أغنيةِ جازٍ تجمع بين أسلوبين من أساليب مُلحّنَين مختلفَين. إنَّ تقنيّةً كهذه من الممكن أن تؤدّي إلى وجود مئاتٍ من الألحانِ الجديدةِ وذاتِ الإيقاعاتِ المختلفةِ، فهي توّفر الكثير من الجهدِ والوقتِ.
و لكن مع هذا يبقى السّؤال هنا دائماً، هل سيتفاعل الجمهور مع هذه الموسيقا كتفاعله مع الفرق الموسيقيّة على المسارح؟ ففي النّهاية ألحانٌ كهذه لم تُلَحَّن من قِبَلِ مؤلفٍ، ولن يستطيعَ الإنسانُ على الأغلبِ تنفيذَها.
5- التّعاملات الماليّة:
تذهبُ إلى مطعمٍ ما لتأخذ كوباً من القهوة وتدفعُ باِستخدام بطاقَتك الائتمانيّة ، وبعد بِضع دقائقَ يصِلُكَ إشعارٌ بإيقافِ بطاقتك وذلك لأنّ شخصاً ما في الجهة الثّانية من العالم قام بالشّراء من متجرٍ ما ودفع مبلغاً كبيراً من المال مُستخدِماً حسابَكَ، حسابُك الآن أصبح مجمداً و بعد أيامٍ ستصلك بطاقةٌ جديدةٌ إلى بريدك المنزليّ.
يعمل الذّكاء الصُّنعيّ ونُظُمِ تحليلِ البياناتِ معاً لإيقافِ ومَنْعِ السّرقات ، حيث يُغذَّى نظامٌ ذكيٌّ بالعديد من العيّنات العاديّة والاحتيالات في التّحويلات البنكيّة وبذلك يستطيعُ معرفةَ نوعِ هذا التّحويل فيما إذا كان صحيحاً أو مزوراً ، مثلاً :إذا كانت جميعُ تحويلاتِ العميلِ محليّةً و بأسعارٍ مُعيّنةٍ فإنّه في حالِ تمّ تحويل مبلغٍ كبيرٍ من المال إلى ولاية أخرى أو بلدٍ آخر فإنَّ النّظام سيعطي تحذيراً بهذا التّحويل .
إنَّ تقنياتٍ كهذه موجودة منذ عام 1990 ولكن أصبحت الآن تُنَفَّذُ بشكلٍ فوريٍّ وسريعٍ وتِقنيٍّ أكثرَ من قبل، حيثُ يمكن للخورازميّاتِ المُسْتَخدَمَةِ اليوم مُعالجَةََ الكثيرِ من المعطَيات والقيام بها بشكلٍ أسرعَ، وبذلك تجعل عمليّات الكشف عن الغشّ والاحتيال أكثرَ دقةً وحساسيّةً، تعدُّ هذه التّقنيّات مهمةً جداً في عمل الكثير من الشّركات العالميّة مثل PayPal حيث تتعامل مع 1.1 بيتابايت من المُعطيات في كل لحظةٍ وبما أنَّ تقنيّات الذّكاء الصُّنعيّ تُصبح أكثرَ ذكاءً مع العمل فإنَّ كلَّ جزءٍ من هذه المُعطيات يزيد من ذكاء واحترافيّة التّقنيّة .
كلُّ هذا والعديد من الاستخدامات الأخرى تُمَكِننا من رؤية أنّ الذّكاء الصُّنعيّ أصبح يشكّلّ قسماً مهماً في حياتنا اليوميّة وقد يستولي عليها كلَّها في القريبِ العاجلِ.
--------------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر: