الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء
النباتات تفضّلُ المغامراتِ أيضاً!
تمكّن فريق دوليّ من الباحثين من الإثبات للمرة الأولى أن النباتات لديها حساسية للمخاطر، وذلك بعد إجرائهم لمجموعة تجارب على البازلاء التي كان استطاعت اتخاذ خيارات كيفيّة تبعاً للظروف البيئيّة، وهي قدرة لم تكن معروفةً مسبقاً خارج المملكة الحيوانية.
المنطق يفرض نفسه:
يمتلكُ البشرُ والحيواناتُ والطيورُ وبعضُ أنواعِ الحشراتِ قدرةً على اتخاذ قراراتٍ متكيّفةٍ مع الظروف البيئيَّة وفق ما تؤطّرُه نظريّة الحساسيّة للمخاطر (Risk Sensitivity Theory)، فعندما يتعلّق الأمرُ بغذائهم مثلاً، نجدهم منطقيّاً يتفادون المخاطرَ إذا ما توفــّـر مصدر ثابتٌ وكافٍ لاحتياجاتهم، في حين أنهم يبدِّلونَ استراتيجيتهم معرِّضين نفسَهم للمخاطرِ ويغامرون بالاعتماد على مصدرٍ غير محدد عندما يتضورون جوعاً. كمثال على ذلك من المملكة الحيوانية، نجد مخبرياً أن نحلات العسل تفضل المغامرة عندما تتضور جوعاً، وستتفحص الأنبوب الذي قد يوفر لها كميات وفيرة أو قد لا يوفر لها أي شيء، كما أن طيور الجنك داكن العيون (dark-eyed juncos) الجائعة ستتجاهل النباتات ناثرة البذور التي تقدم لها ثلاثة بذور بشكل منتظم، وستختار تلك التي قد تقدم لها ستة بذور أو ربما لا تقدم شيئاً.
وكمثال بشري أوضح، تخيّل أنك خُيّرت ما بين 800$ نقديّة، أو رميَ قطعة نقودٍ معدِنيَّةٍ لتربح من خلالها 1000$ للصّورة، ولا تربح أي شيء للكتابة، لذلك من البديهيِّ أن تنحازَ للخيار الأوّل الثابت الذي سيمنحك ربحاً وسطياً أكبر من الخيار الثاني. لكن تخيل أن يـُـعاد عرض الموضوع عليك في جزيرة نائية معزولة لا تملك فيها شيئاً وستكلفك مغادرتها 900$، على فرض أنه يسمح لك بالاختيار مرّةً واحدة فقط. اختلفَ الأمرُ الآن، فالخيار الأول ذو الربح الثابت لن يمنحك أي فرصة للخروج، في حين أن اختيارك لرمي قطعة النقود سيمنحك فرصة لمغادرة الجزيرة، لذلك ستختار بلا أدنى شك خيار المغامرة.
____
ماذا عن النبات؟
تمتلك الكائناتُ الحيّة التي ذُكرت في الأمثلة السابقة جهازاً عصبياً، بعكس النباتات، فهل يعقل أن يكون لتلك الأخيرة، القدرة على أن تقوم بالشيء ذاته؟
لمعرفة ذلك، أجرى فريق من الباحثين سلسلة من التجارب المخبرية على نباتات البازلاء، حيث تم تقسيم جذور النبتة بين وعاءين يحتوي كل منهما على نفس النوع من المغذيات وبمعدلين متساويين لتراكيزها، لكن مستوى المغذيات في الوعاء الأول كان ثابتاً وبلغ 0.15 غ/ليتر بينما كان في الآخر متقلباً لكن متوسطه بلغ أيضاً 0.15 غ/ليتر. بعد اثني عشرَ أسبوعاً، قاس الباحثون كتلةَ جذرِ النّبات وتوزُّعَهُ داخل كلِّ وعاء، فوجدوا أن جذور نباتات البازلاء نمت بشكل أكبر في الوعاء الثابت الذي يوفّر لها مصدر غذاءٍ ثابتاً وآمناً وكافٍ لها، وبالتالي فقد اتّبعت استراتيجيّة "تفادي المخاطر". لكن، وفي التجربة التالية، جعل الباحثون معدلَ التراكيز في كلا الوعاءين (ذو المستوى الثابت والمتغير) أقلّ من 0.01 غ/ليتر وهو معدّلٌ أقل مما يحتاجه النبات ليبقى على قيد الحياة، ولكم ربما في ضوء مقدمتنا أن تتوقعوا النتائج.
اعتماداً على التحليلات النظرية لآلية استجابة صناعة القرار لدى البشر أو الحيوانات في المسائل المشابهة، توقّع الباحثون تماماً ما توقعتموه أنتم؛ ستفضل البازلاء الوعاء ذو المستوى المتغير واضعة نفسها "عرضة للمخاطر" لأن الظروف قاسية، وهذا تماماً ما وجده الباحثون، فالنباتات اختارت المغامرة وأرسلت مزيداً من جذورها ضمن الوعاء ذو المستوى المتغير الذي يمنحها (أو قد يمنحها) فرصة للحصول على مغذيات وفيرة، فمستوى المغذيات في الوعاء ذو المستوى الثابت أقل مما يلزمها لتبقى حيّة على أية حال.
____
تفسيرُ النّتائج:
يعتقد الباحثون أن هذه التّجربة تقدِّمُ لهم أول دليلٍ على وجود استجابة تكيفية للمخاطر في كائن حيٍّ ليس له جهاز عصبي. وعلى الرغم من أن النباتات ليست ذكيّةً بالمعنى المستخدم للبشر أو الحيوانات، إلا أنها تصرفت كمحللٍّ ديناميكيّ، وطوَّرت سلوكياتٍ معقدة لتقييم الظروف المختلفة في الأوعية بهدف استغلال الفرص الطبيعية بكفاءة. ومع أن الباحثين لا يدركون تلك الآليات بعد، لكنهم يؤمنون بضرورة إبدالِ نظرَةِ الإنسان إلى النباتات كمستقبلاتٍ سلبيّة للظروف البيئة، فمعظم الناس لا تدرك قدرات النباتات، رغم أن بإمكانها معالجة المعلومات ولديها ذاكرة، وهي وُجدت كسائر الكائنات الحية بالانتقاء الطبيعي لاستغلال الفرص المتاحة لها مما منحها الكثيرَ من المرونة.
أخيراً، يؤكّد الباحثون أن تمكّن نماذج تحليل المخاطر المصمّمة للبشر والحيوانات من التنبؤِ الصّحيح بسلوكِ النباتات التي تواجه مخاطرَ مشابهة، سيوفر العديد من الفرص البحثيّة المشتركة بين عدّة اختصاصات. ولنا ختاماً أن نقول بأننا بدأنا نبحث عن أشكال حياة خارج الكوكب وبالغنا حد تخيل الذكاء والتطور الغير مسبوق لتلك الكائنات المفترضة في حين أننا لا نزال نكتشف أشكال ذكاء جديدة فيما حولنا من كائنات.
المصادر: