منوعات علمية > العلم الزائف
الشعوذة ... المنطق والعلم
دائمًا ما يظهر في الأفلام الهوليودية مشهدُ السيّدة التي تمتلك كُرةً بلوريةً أو بطاقات التاروت وتفآجئك بمعرفة ما تريد من أول نظرةٍ ثمَّ تتبرَّمُ بكلماتٍ غير مفهومة وتلقي سحرها في بلّورتها لتقول لك في النهاية أنَّ مستقبلك سيكون مخيفًاً، ستبدو حزينًا في أغلب الأوقات، وستلتقي بحب حياتك في مكان ما؛ لكن أليست هذه كلماتٌ عاديةٌ وواقعية. من الطبيعي أنّ المستقبل مخيفٌ وأنّك ستشعر بالحزن وأنّك ستلتقي بشريك حياتك في أي يوم وفي أي مكان، هذا ما يثبت أنّ كلامها ليس نابعًا من اختراقٍ للنجومِ ومعرفَةٍ للغيب، وإنّما نابعٌ من عمليات فبركةٍ ونصبٍ واحتيال.
مورست الكِهانة لآلاف السنين، فالبشر دائمًا ما يتوقون لمعرفة ما يخبِّئُ لهم المستقبل. ومن منا لا يريد أنْ يعرف ما ينتظره (حتى لو لبضع لحظات) من الخطة الكونية، وما ينتظره في مصيرِه وقَدَرِهِ من الثَرَوات والخيبات.
هناك الكثير من الطرق التي مورست للتنبؤ بالمستقبل على مر الزمن، أبرزها:
قراءة البخت/ العرافة بالضحك والقطط :
وهي إحدى الطرق التي تُستَخْدَمُ للتنبُؤِ بالمستقبل المُتَّسِمة بالغرابة، فللتكهن بالضحك gelomancy على سبيل المثال يقوم المتكهّنون من خلاله بالاستماع إلى الضحك الهستيري وضوضاء الحيوانات لمساعدتهم في معرفة علامات تساعدهم في التنبؤ بالمستقبل. في حين يدّعي الذين مارسوا التكهن بالقطط felidomancy معرفة المستقبل من خلال مراقبة القطط؛ كُلُّنا نعرف أنّ القطة السوداء تجلب الحظّ السيّء، لكن هل تعلم بأن عطاس القط هو طريقة للتنبؤ بالمطر؟
ولن يسعد محبُّو الحيوانات بهذه الطريقة التي كانت شائعة في العصور القديمة والمسماة التكهن بأحشاء الحيوانات haruspication، إذ تتطلب من الشخص لمعرفة مستقبله أن يقوم بذبح الحيوانات وإخراج أمعائها ووضعها على الأرض لرؤية أيّ علامات تدلّ على نذائِر أو مصائبَ قادمة.
علم الأعداد والفراسة وقراءة الكف
يؤمن الكثير بأن اسم الشخص -أو عدد أحرف الاسم- يعطي مؤشّرات هامةً عن مستقبله مثل عدد سنوات عمره وصفاته وغيرها. وهناك شكل من أشكال الكِهانة، ويدعى الفراسة phrenology، يتحدث عن أن التعرجات الموجودة على الجمجمة البشرية يمكن أن تنبّأ ليس بشخصية الإنسان فحسب وإنما مستقبله، وهذا شبيه بقراءة الكف الشائعة في زماننا هذا. وقد كان "علم" الفراسة شائعًا بين المتعلمين والمؤهلين من الأمريكيين والأوروبيين في القرن التاسع عشر ميلادي.
ولعل العديد من أساليب الكِهانة السابقة قد فقدت مصداقيتها منذ زمن طويل. إلّا أنّ العديد من الطرق المشابهة لها كعلم الأرقام وقراءة أوراق الشاي وبطاقات التاروت ما زالت تستخدم ويُغتَرُّ بنتائجها إلى اليوم.
تفسير الأحلام
تعتبر الأحلام في عرف العرّافين أداةً ناجعةً لممارسة كِهانتهم ولا سيّما أنّها صناعةٌ مزدهرةٌ يمكن حشوها في الكتب أو أقراص الفيديو الرقمية، أو يمكن استخدامها لإدعاءِ معرفة المستقبل من قِبَل العرّافين. فمثلاً من يحلم بالعُلِّيَّة (الطابق العلوي من المنزل) فهو على وشك تجديد صداقةٍ مهمّةٍ، أما إن كان الشخص قد حلم بالجَوزِ فهذا يشير إلى خسائر مادية قريبة. ومن علم النفس سنجد أنّ تلك الطرقِ عبارةٌ عن تمويهٍ وتدجيلٍ ولا علاقة لها بمعرفة الغيب.
علم النفس والكِهانة:
مهما كان شكل ونوع العرافة فالعملية الأساسية هي نفسها وتدول حول توجيه المعنى في أنماطٍ عشوائيةً وصنعِ ظاهرةٍ معينة، كيف يحدث ذلك؟
يراقب هؤلاء الكَهَنةُ أحداثًا عشوائية تلاحظ في الطبيعة مثل أصوات الحيوانات والأحلام أو يُحدثون أحداثاً كتحريك أوراق الللعب، ثم يحاولون من خلالها إيجاد معنى لها تبعًا لهم. فالعقل البشري جيّد جدًّا في إيجاد واختراع معنًى حتى لو لم يكن موجودًافي النماذج العشوائية، لذلك يعتقد الناس أنّهم يرون وجوهًا أو صورًا أخرى في السحابِ أو بقعِ القهوة وهو ما يطلق عليه في علم النفس بالباريدوليا pareidolia.
صِحّة الكِهانة؟
هل أثبتت أيٌّ من الطرق السابقة فعاليتها؟
بالطبع لا، وهي ليست مسألةً صعبةَ الاختبار، فأبسط الأمور يمكن أن تُبيّن حقيقة العرّافيين؛ أتذكرون أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ هل تنبأ بها أحد؟ وأيضاً الأزمةُ المالية العالمية وتسونامي اليابان عام 2011 وانصهار قلب المفاعل النووي في فوكوشيما اليابان، وأحداثٌ أخرى لا تُحصى التي كان من الممكن أن تحمي وتُنقِذّ تنبّؤاتُها أرواح العديد من البشر الأبرياء.
وربما المشكلة الأكثر وضوحًا التي يواجهها المؤمنون بالعرافة هي أنّ طُرُقَ العرافين المختلفة تعمل على تشويه سمعة بعضها البعض عن طريق إعطاء توقعات متناقضة ومتضاربة، بل حتى الأجوبة تكون مختلفة لنفس العلامات بنفس الطريقة في أوقات مختلفة.
فبطاقات التاروت أو أوراق الشاي هي طرق بعيدة عن بعضها البعض، لكن مع قراءة لنفس الشخص طرح نفس السؤال حول مستقبله فلابُدّ أن يحصل على نفس الإجابة من الطريقتين، أليس كذلك؟ لكن في الحقيقة نجد أنّ تلك الإجاباتِ مختلفةٌ.
كما تتميز هذه الطريق بالإجابات المبهمة فعلى سبيل المثال، لنفترض بأنك تريد أن تعرف إن كنت ستنتقل إلى باريس في السنوات العشر المقبلة أو إذا ما سيُعاد انتخاب الرئيس الحالي في موسم الانتخابات القادمة، يجب أن تكونَ الإجابةُ واضحةً إمّا نعم أو لا مهما اختلفت الطريقة، إلّا أن الإجابة غالباً ما تعتمد على الحظ، أي أنّ احتمال صِحّتها في الأمثلة السابقة 50%. لذلك ستحصل على عشر إجابات غير متماثلة لسؤالك في حالِ استشرت عشرة عرّافين مختلفين.
وإن كان هناك أحدٌ بينكم ما زال غيرَ مصدّقٍ، فدعني أطرح عليك سؤالًا آخر:
إنْ كانت تلك التقنيات غير معصومة من الخطأ ومتقلّبة المزاج فلماذا تستخدمُها؟ وهذا يثيرُ سؤالًا آخر؛ فإنْ كانت إحدى هذه التقنيات ناجعةً فلماذا توجد أعدادٌ كبيرة من الطرق المختلفة -ذات الأجوبة المختلفة عن الطريقة الصحيحة-؟
الأحرى أن يكون هناك طريقةٌ واحدةٌ موثوقٌ بها ومثبتةٌ ليستطيع الناس الاعتماد عليها بدلاً من الذبذبة بين المئات من الطرق، وبالتالي يمكن اعتبار هذه الطرق متساوية في الصحة، أو -في حالتنا هذه- متساويةً في الخطأ، لأنّ جميعها تعتمد على نفس الفرضية التي تتحدّث عن قراءة المعنى في ظاهرة عشوائية للتنبؤ بالمصير.
وهناك العديد من الكتب المكرسة للكِهانة تعترف بعدم جدواها، ومقتبس من مقدمة كتاب "الكتاب الكامل للبخت The Complete Book of Fortune":
"عندما تسعى لمعرفة حظك عن طريق أيّ وسيلة من الكِهانة فإنّ النتائج التي تحصل عليها يجب أن تُعتَبَر مؤشّرًا على ما يمكن أن يحدث، ولا يجب أن يتمّ قُبُولها كأدلّة قاطعة على ما سيحدث"
الإرادة الحرة والحتمية :
ويُعزي بعض الأشخاص اعتمادهم على التكهّن إلى إرادتهم الحرّة للتحكم في مجريات حياتهم، ولكنّ القدرة على معرفة المستقبل دليلٌ على خطَئِهم، فإن كان المستقبل معروفًا فهو مُحدّدٌ مسبقاً ولا يمكنهم تغييره، وإلّا كان المستقبل غير معروفٍ.
وفي النهاية، إن كُنت تريد معرفة إمكانية حدوث شيءِ ما، فالجواب دائماً نعم. أمّا في حال كنت تريد إن كان هذا الشيء سيحدث حتماً فعليك الانتظار. فالمستقبل دائماً، كان وسيبقى، مجهولاً.
المصادر: