الهندسة والآليات > التكنولوجيا
أجهزةُ تخزينِ بياناتٍ بحجمٍ أقل وسعةٍ أعلى
كم من مرةٍ منعتك محدوديةُ مساحةِ تخزينِ أجهزتك المحمولة من الاحتفاظ بمشاهد جميلة رغبت بتصويرها أو أفلام عالية الدقة أردت تحميلها. إن مشكلةَ تخزين البيانات مشكلةٌ جماعيةٌ نعاني منها جميعاً، كمستخدمين عاديين وكباحثين في مجالاتٍ مختلفة، لذا فإن عملية زيادة سعة التخزين جارية التطوير دائماً من قبل مؤسسات مختلفة ولكن بوتيرة بطيئة نسبياً، والجديد هنا استخدامُ مفاهيم الإلكترونيات الدورانية في تصنيع أجهزة التخزين، الشيء الذي قد يفجّر ثورةً حقيقيةً في هذا المجال، نحو تصنيع أجهزة ذات سعات عاليةٍ وأحجام صغيرةٍ وتداخل كهرومغناطيسيٍ معدوم.
قامَ فريقٌ دَوليّ من الباحثين في المملكة المتحدة، بإيجادِ طريقةٍ لزيادةِ كثافةِ تخزينِ البيانات، أي زيادة كمية البيانات التي يمكن تخزينها ضمن حجم معين. حيثُ استفادَ الباحثونَ من خواصِ الإلكترونيات الدورانية؛ لتخزينِ البياناتِ الممثلة بالأصفار والواحدات. ولأول مرة، يبحثُ العلماءُ في إمكانيةِ استخدامِ الموادّ المضادة للانجذاب المغناطيسي أو كما يمكن تسميتها بالمواد الفيرومغناطيسية المضادة (antiferromagnetic) كوسط تخزين مغناطيسي.
إن ما يجعل هذه المواد الفيرومغناطيسية مضادةً للانجذاب المغناطيسي (antiferromagnetic) على عكس المواد الفيرومغاطيسية ذات النفاذية المغناطيسية (ferromagnetic) هو الترتيب المعاكس للسبينات في ذراتها، والسبين أو اللف الذاتي (Spin)* هي خاصيةٌ تمتلكها كل ذرة يمكن تمثيله بمغناطيس مجهري يملكُ قطبين شمالي وجنوبي، وتتوزعُ هذه السبينات في الموادّ الفيرومغناطيسية المضادة بطريقة تلغي الأثر المغناطيسي لكل سبين على حدى، وتلغي بالتالي أي حقل مغناطيسي خارجي يمكن أن ينبعث من هذه المواد.
تعتمدُ طرقُ التخزينِ الحاليةِ على التيارِ الكهربائي، بحيثُ يقومُ التيارُ بعكسِ توجهِ السبين، لكن بما أنّ طريقةَ الترتيبِ في الموادّ المضادة المغناطيسية لا تسمح بذلك، فإن الطريقة المستخدمة هنا لتخزين البيانات تقومُ على تدويرِ أزواجِ السبينات بدلاً من عكس توجهها، أي أن الطريقة الجديدة في التخزين تستخدمُ خاصية اللف الذاتي Spin للإلكترون بدلاً من شحنته.
قد يكونُ الشرحُ السابقُ اختصاصيّ بعضَ الشيء، ولكن يكفي أن نعرفَ أنّ لطريقةِ تخزينِ البيانات الجديدة فائدتين رئيسيتين، الأولى: أنه لا يوجدُ تغيرٌ في كثافةِ التيارِ بالمقارنة مع أجهزة تخزين البيانات المستخدمة حالياً، لذلك سيكون من السهل ترقية وتطوير أجهزة التخزين، والفائدة الثانية: أنّ الموادّ الفيرومغناطيسية المضادة لا ينبعث منها أي حقل مغناطيسي، مما يعني تقليل احتمال التداخلِ مع التجهيزات الأخرى أو التجسس ِعلى المعلومات المخزنة.
إن ميزةَ عدم إصدار المواد الفيرومغناطيسية المضادة لأيّ حقلٍ مغناطيسي يعطي أجهزة التخزين المصنوعة من هذه المواد العديد من الإيجابيات، فمثلاً يمكننا تكديس التقسيمات أو المناطق المنفصلة ضمن أجهزة التخزين، بحيث تكون قريبة جداً من بعضها دون حدوث تداخل أو تأثير متبادل، مما يتيح لنا تخزين المزيد من البيانات ضمن مساحة أقل، وأيضاً يمكن أن تبقى المعلومات سليمة حتى بعد انقطاع الطاقة، ويمكن كتابة البيانات على هذه الأجهزة وقراءتها منها في درجة حرارة الغرفة، كما يمكن لهذه التقنية في التخزين أن تؤدي إلى زيادة سرعة قراءة وكتابة المعلومات بمعامل يصل حتى 1000 مرة. باختصار فإن جميع الأمور التي تهمّنا عند دراسة احتمال نشوء تقنية تخزين جديدة، متوفرة في هذه التقنية.
حتى الآن يقومُ فريق البحث بتجاربه على شريطٍ رقيقٍ من مادة فيرومغناطيسية مضادة هي زرنيخيد منغنيز النحاس (CuMnAs) مع إمكانية استخدام مواد مناسبة أكثر في المستقبل، ومن المحتمل جداً أن تستخدم هذه الطريقة في التخزين في الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة، ولكن ربما قد يستغرق الأمر فترة ليست قصيرة من الزمن.
* اللف الذاتي أو السبين(Spin): هو العزم الزاوي الكلّي الناشئ عن دوران الجسيمات الأولية، كالإلكترونات، وهو ثابت في جسيم بعينه، له اتجاهين إما مع عقارب الساعة أو عكسها.
لمعلومات أكثر عن السبين، سبق وتناولناه في مقال سابق للباحثون السوريون هنا
رابط الورقة البحثية المنشور في مجلة (Science):
المصدر: هنا